بقلم : الأستاذ مصطفى محمد الصباحي
هذا الملك أصبح رمزاً في هذا العصر للعدالة المطلقة ، العدالة الإنسانية المستمدة من شريعة الله فهي تأخذ النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والسن بالسن ، والأنثى بالأنثى ، وتقول : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب .
فبهذه الشريعة أقر والده العظيم - رضي الله عنه - الأمن في ربوع الجزيرة ، ويسر للمسلمين أداء مناسكهم ، وضرب لهم مثلاً على ما في هذه المبادئ من صلاح أمورهم وانتظام حياتهم واستقامة دينهم ودنياهم ، ثم زاد على ذلك نظراً دقيقاً في أمور شعبه ، وبصراً نافذاً لما يعود عليه بالخير والنماء ، ثم أراد له أن يستزيد من هذا النظر وان يجني ثمراته على مر الأيام فنصب ولده ولياً لعهده وأخذه من عهد الطفولة بعظائم الأمور ، وجسيم المهام ، فبعثه وهو في سن الثالثة عشرة على رأس الجيوش غازياً ، ثم أجلسه للناس حاكماً وقاضيا ً .. كل ذلك بعينه وبصره ، وبتوجيهه وإرشاده..
فهذا الملك صورة من والده العظيم ، آتاه الله - ما آتاه - بسطة في العلم والجسم ، وجعله أماماً لشعبه يتجهون إليه بقلوبهم ، يستمتعون بعطفه ، ويسترشدون بهدية ويتأثرون خطاه في النهوض ببلدهم ، والعمل لوطنهم ، والغيرة على حدود الله .
لقد لقيت الملك المعظم سعوداً في مكة المكرمة ، وفي جدة وفي الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية فإذا ملك كما ينبغي أن يكون ملك العرب ، وكما يجب أن يكون حكام المسلمين .. تواضع تزينه عزة وقوة تتوجها رحمة ، وألفة يلفها وقار، ودين وسمت وحياء وهيبة وما شاء الله من رجولة حقه ، وحكمة بالغة ، وعلم وافر ، بحاجات شعبه ورغبات الشعوب العربية والإسلامية وسعي أكيد في تحقيق الخير لأمته ولسائر الشعوب .
لقيته في قصره الكبير " الناصرية " بالرياض وشاهدته خفيف الحجاب لا يرد عن بابه وارد ولا يخيب سائل ولا تستعصى حاجة يطلبها طالب . وإذن لصلاة المغرب فصلاها وصليناها نحن معه ومن حضر من الأمراء وشيوخ العرب والاضياف ، وصلاها أيضاً أميران لا يبلغان الثامنة من أولاده بل أن أحدهما كان في السادسة على ما أعتقد ، فكذلك نشأ هو على مبادئ الدين ، وكذلك ينشئ أنجاله على هذه المبادئ .
ولقيته في مجلس الحكم تعرض عليه القضايا فيفصل فيها بعد التروي والتدقيق فصلاً حازماً عادلاً ، لا حيف فيه ولا تهاون ، وتأتيه الأنباء لوقتها من كل مكان ، يحملها البرق ، فمنها أنباء مملكته ، ومنها أنباء العالم وهو يصغي ويفهم ويتفطن ، ثم يشير ، فلا يقوم من مجلسه إلا هو عالم بكل صغيرة وكبيرة من شئون الناس ، آخذ من ذلك بما يرى فيه مصلحة لبلده ولأمته ، تارك
ما سوى ذلك .
ولقيته في مجلسه لرعاياه ، فإذا حديثة كله نصح وتوجيه ، وتمثل بالسلف الصالح والحض على مكارم الأخلاق ، وحث على الاستمساك بالعروة الوثقى عروة الدين ، وبث للوطنية في نفوس الحاضرين ..
هذا هو الملك سعود على قدر ما تسعف الطاقة ، وأنه لفوق ذلك ، وأعظم من ذلك ، أبقاه الله وقرن بالتوفيق أعماله الصالحة ، وأسعد به العرب والمسلمين .