٩/١١/١٩٥٦
أيها الإخوة:
إن العالم اليوم يعيش الساعات الفاصلة فى تاريخه.. العالم اليوم بيعيش الساعات التى تقرر مصيره، بل تقرر مصير الإنسانية جميعها.. العالم اليوم بيمر بلحظة حاسمة تتقرر فيها مصائر البشر أجمعين.. العالم اليوم مهدد من أقصاه إلى أدناه.. الإنسانية اليوم مهددة. هل احنا.. احنا هنا فى مصر المسئولين عن هذا التهديد؟ هل احنا هنا فى مصر المسئولين عما يحيط بالعالم اليوم؟ مصر أعلنت سياستها اللى بتتلخص فى محافظتها على حريتها وعلى استقلالها، واللى بتتلخص فى تمسكها بالسلام. احنا فى كل وقت وفى كل مكان - وأنا كنت باتكلم باسمكم - كنت بانادى بالسلام، فى باندونج كنا ننادى بالسلام، فى بريونى كنا ننادى بالسلام، فى مصر كنا ننادى بالسلام، ولكنا أيضاً كنا ننادى بالمحافظة على حريتنا وعلى استقلالنا، وعلى حقنا فى الحياة.
هناك فرق بين السلام وبين الاستسلام.. هناك فرق بين السلام وبين الاستسلام. إن سياستنا التى أعلناها فى أن نعيش أحراراً.. أحراراً فى بلادنا؛ سياستنا التى أعلناها ان مصر بتاعتنا.. سياستها مستقلة.. مش حنكون ديل لواحد.. مش حنكون تابعين.. مش حناخد أوامر من لندن، ولكن سياستنا تنبعث من ضميرنا، تنبعث من روحنا. قلنا هنا: ان احنا عايزين نعيش عيشة حرة، عيشة مستقلة، حياة كريمة عزيزة، ولكنا فى نفس الوقت - أيها الإخوة - كنا ننادى بالسلام.
مين المسئولين النهارده عن هذا التهديد الذى يحيط بالعالم أجمع؟ هل مصر هى اللى مسئولة؟ مصر الدولة الناشئة التى انتفضت لتبنى نفسها ولتنشىء ولتعمر ولتدافع عن كيانها؟ أم المسئولين الناس الطامعين اللى كانوا عايزينا نكون ديل لهم، نكون مستعمرة لهم، نكون عزبة لهم، نأخد أوامرنا منهم، ونترك حريتنا ونترك استقلالنا، ونتنازل عن كرامتنا ونتنازل عن عزتنا؟ مين اللى مسئول عن تهديد العالم اليوم بالدمار؟ المسئول عن هذا - أيها الإخوة - الطامعون المستعمرون تجار الحروب اللى عايزين يستعبدوا الشعوب، اللى مسئولين النهارده عن تهديد العالم بحرب عالمية كبرى قد تفنى الإنسانية كلها، المعتدين اللى جم أراضينا واعتدوا علينا، واعتدوا على رجالنا، واعتدوا على أرضنا.
احنا حاولنا بكل وسيلة من الوسائل ان احنا ننقذ السلام، وننقذ كرامتنا وننقذ عزتنا، ونحافظ على استقلالنا، وأنا قلت لكم دائماً: إن هناك فرق - أيها الإخوة - بين السلام وبين الاستسلام، فإذا كنا ننادى بالسلام فإننا ننادى بسلام مع عزة وكرامة وشرف، ولا يعنى هذا مطلقاً أن نستسلم. إننا نحمى السلام بدمائنا، ونحمى السلام بعرقنا، ونحمى السلام بعملنا، ولكنا نعلم علم اليقين ما هو الفرق بين السلام وبين الاستسلام.
إن السلام - أيها الإخوة - يعنى أن نعيش عيشة حرة كريمة؛ نتمتع فيها بحريتنا واستقلالنا، وعزتنا وكرامتنا، نتمتع فيها بأرضنا، نتمتع فيها بحكم نفسنا بنفسنا، هذا هو السلام. أما الاستسلام الذى كان يرجوه المعتدون؛ فهو أن نترك لهم القيادة، ونأخذ منهم الأوامر، وننفذ طلباتهم، ونكون ذيلاً لهم. وقد عاهدت مصر.. عاهدت مصر العالم أجمع أنها حينما تدافع عن حريتها وعن استقلالها وتدعو للسلام؛ فهى تعلم علم اليقين ما هو الفرق بين السلام والاستسلام. أعلنت مصر وجميع أبناء مصر أنها فى سبيل المحافظة على هذه الأهداف الكبرى ستقاتل فى سبيل السلام، وتقاتل فى سبيل الحرية، وتقاتل فى سبيل الاستقلال. وإن كل فرد من أبنائها يعلم ما هو السلام، وإن كل فرد من أبنائها يعلم أن المحافظة على السلام تحتاج إلى جهد وجهاد، تحتاج إلى عرق ودماء، وإن كل فرد من أبنائها يهدف إلى المحافظة على السلام، وإن المحافظة على السلام لا تعنى بأية حال من الأحوال أن هذا هو الاستسلام.
هذا هو موقفنا أيها المواطنون.. هذا هو موقفنا منذ قامت هذه الثورة لتنقذ مصر من الاحتلال الطويل، منذ قامت هذه الثورة لتبنى لمصر قوتها الشخصية وقوتها المعنوية، هذه هى أهدافنا التى كنا ننادى بها.. فهل تركنا الاستعمار؟ هل تركنا تجار الحروب؟ هل تركونا بعد أن تخلصنا من الاستعمار الطويل حتى تتكون شخصيتنا، وحتى يشعر كل فرد من أبناء مصر بعزته وكرامته وحقه فى الحياة؟ إن الاستعمار لم يرض أبداً أن يرى مصر وقد تحررت بعد زمن طويل من العبودية، إن الاستعمار لم يرض أبداً أن يرى مصر وقد رفعت رأسها إلى السماء متحدة قوية متماسكة؛ تنادى بالحرية والاستقلال، وتنادى بالسلام. إن الاستعمار كان يتربص بنا دائماً، وإن الاستعمار كان يطلب منى ومنكم أن نكون لهم أذيالاً، وأنا حينما رفضت - أيها الإخوة - أن نكون أذيالاً كنت أرفض باسمكم، باسم عزتكم، باسم حريتكم، باسم كرامتكم، وباسم أرضكم.
إننى حينما كنت أقول: إننا نعيش فى هذا الوطن أحراراً، كنت أعلم علم اليقين أنى أعبر عن مشاعر كل فرد منكم، وأنى أعبر عن آمال كل فرد من أبناء مصر. إننى حينما أعلنت باسمكم أن مصر ستعيش حرة مستقلة كريمة، لن تأخذ أوامرها من الخارج، لن تكون تابعة للندن، كنت أعبر عن كل فرد منكم، وعن آبائكم وأجدادكم الذين قاتلوا قتالاً مريراً؛ حتى يصلوا إلى هذا الهدف الذى وصلنا إليه.
إننى - أيها الإخوة - حينما أعلنت أننا سنقاتل فى سبيل الدفاع عن حريتنا واستقلالنا، كنت أعبر عن كل فرد من أبناء مصر، كنت أعبر عن آبائكم وأجدادكم الذين استشهدوا وماتوا فى سبيل تحقيق هذا الهدف. إن وطننا - أيها الإخوة - استمر على مر الزمن يكافح كفاحاً طويلاً مجيداً فى سبيل تحقيق الحرية والاستقلال، إن آباءنا استشهدوا وأجدادنا استشهدوا فى سبيل هذه الحرية وفى سبيل هذا الاستقلال، وإن الاستعمار كان دائماً يتربص بنا ليتمكن منا ويتحكم فينا، فهل سلمنا؟ إننا لم نسلم أبداً.. لقد مات منا الآباء، ومات منا الأجداد.. ماتوا فى سنة ١٩ وماتوا فى سنة ٣٦، وماتوا فى سنة ١٨٨٢، على مر السنين يموت المصريون فى سبيل تحقيق هذا الهدف الأكبر: الحرية والاستقلال والوحدة والعزة والكرامة.
إننا - أيها المواطنون - اليوم نسير فى نفس المعركة التى سار فيها الآباء، والتى سار فيها الأجداد. إننا - أيها المواطنون - اليوم نموت أيضاً فى سبيل الاستقلال، وفى سبيل العزة، وفى سبيل الحرية، وفى سبيل الكرامة.. نموت ونقاتل، ولن نسلم. إن الآباء لم يسلموا والأجداد لم يسلموا، ونحن لن نسلم أبداً ولكنا سنقاتل؛ سنقاتل قتالاً مريراً. وأنا أيها الإخوة.. أنا - أيها الإخوة - حينما أتكلم.. وحينما كنت أتكلم كنت أعلم علم اليقين أنى أعبر عن آرائكم، وأنى أعبر عن أهدافكم، وأنى أعبر عن مشاعركم، وأنى أعبر عن آمال كل فرد منكم.
إنى - أيها المواطنون - حينما كنت أعلن هذا فى كل مناسبة من المناسبات كنت أؤمن بهذا الشعب، وبعنصر هذا الشعب، وبقوة هذا الشعب، وبتاريخ هذا الشعب. وكانوا يقولون فى الخارج: إن مصر لن تستطيع أن تقاوم.. إن مصر لن تستطيع أن تقاتل. وكنت أقول لهم: إننى من هذا الشعب وأعرف عنصر هذا الشعب.. إننى من هذا الشعب وأعرف قيمة هذا الشعب، إن مصر عقدت عزمها على مر الزمن أن تتحرر، إن مصر كافحت كفاحاً طويلاً ضد كل أساليب الاستعمار، إن مصر - أيها الإخوة - كانت دائماً مقبرة للغزاة الطامعين، إن مصر عاشت آلاف السنين وانتهت الإمبراطوريات.. انتهى الغزاة، وإن هذا الشعب الذى لم يتحلل على مر السنين، هذا الشعب الذى استطاع أن يحافظ على قوته، والذى استطاع أن يحافظ على وحدته.. كافح دائماً، وسيكافح دائماً فى سبيل تحقيق هذه الأهداف.
إن العالم - أيها الإخوة - إذا كان اليوم يتعرض للدمار.. إن الإنسانية - أيها الإخوة - إذا كانت اليوم تتعرض للدمار فليست المسئولية مسئوليتنا. إننا كنا ننادى بحقوقنا.. إننا كنا ننادى بحقوقنا المشروعة؛ حقوقنا فى الحرية والحياة. إننا كنا نطالب بأن نكون أعزاء فى وطننا.. أعزاء فى بلادنا.. أعزاء فى أرضنا، ولكن هذه المسئولية تقع على المستعمرين.. هذه المسئولية تقع على المستعمرين وعلى الطغاة وعلى تجار الحروب؛ هؤلاء الذين خرقوا القوانين الدولية.. اللى خرقوا القوانين الدولية، وانتهكوا القيم الأخلاقية. احنا حاولنا وبنحاول بكل الوسائل أن نجنب العالم هذه المحنة، ولكن هذا لن يكون أبداً على حساب سيادتنا، أو على حساب كرامتنا، أو على حساب استقلالنا.
إننا - أيها الإخوة - قابلنا هذه المحنة بعزم وإيمان. إننا نعلم ما هى أهداف الاستعمار؛ إن الاستعمار كان يريد أن يتحكم.. الاستعمار عايز مننا إيه؟ "إيدن" عايز إيه فى كلامه اللى بيقوله؟ "إيدن" عايز إيه؟ عايز يحكمكم؛ يحكم مصر، بيقول: إنه عايز جمال عبد الناصر فى كلامه، ليه؟ علشان جمال عبد الناصر لن يقبل.. ما قبلتش إنى أكون عميل له، أنا هنا أمثل شعب مصر، لا أمثل إرادة "إيدن"، ولا تجار الحرب، ولا المستعمرين. "إيدن" عايز يحكم مصر تانى زى ما كان بيحكمها زمان.. "إيدن" عايز يحكم مصر تانى من السفارة البريطانية زى ما كان بيحكمها زمان.. "إيدن" عايز يتحكم فينا وفى مقاديرنا.
إيه خطة الاستعمار؟ إيه هدف الاستعمار؟ هدف الاستعمار ان احنا نكون تابعين، وحينما رفضنا أن نكون تابعين، وصممنا أن نكون مستقلين أعزاء كرماء، فرض علينا القتال.. فرض علينا القتال.. "إيدن" فرض علينا القتال بالمكر والخديعة.. "إيدن" فرض علينا القتال ليحقق أهدافه ويحقق أغراضه.. "إيدن" فرض علينا القتال ليتحكم فينا، ويتحكم فى مقاديرنا، ويتحكم فى وطننا.. "إيدن" فرض علينا القتال، ولكنه - أيها الإخوة - لن يستطيع أبداً أن يفرض علينا الاستسلام.
إن مصر التى فرض عليها القتال.. أيها الإخوة لقد فرض علينا القتال.. أيها الإخوة (هتاف) لقد فرض علينا القتال أيها الإخوة، ولكن باسم شعب مصر.. باسمكم جميعاً أعلن للعالم أجمع أنه لن يوجد من يفرض علينا الاستسلام. إذا فرض علينا القتال فإننا نقاتل.. ربنا قال: إن القتال كتب علينا وهو كره لنا، واحنا حينما يفرض علينا القتال فرضاً ونحن ننادى بالسلام، لابد أن نقاتل؛ لأننا فى هذا ندافع عن شرف الوطن، وندافع عن كرامة الوطن، ندافع عن أعراضنا، وندافع عن أرضنا، وندافع عن حريتنا، وندافع عن كرامتنا. لقد فرض علينا القتال، ولكن لن يستطيع أى فرد أن يفرض علينا الاستسلام.
هذا هو الموقف، هذه هى التجربة التى مرت بنا - أيها الإخوة - فى العشرة أيام الماضية، هذه هى التجربة التى مرت بنا فى العشرة أيام الماضية. وأنا أحب أن أقول لكم - أيها الإخوة - إننا اليوم بعد عشرة أيام من القتال ضد قوى الظلم، ضد الطغيان؛ ضد إسرائيل وفرنسا وبريطانيا.. إننا اليوم نخرج من هذه المحنة.. بل إننا اليوم فى هذه المحنة أشد إيماناً وأشد عزماً وأشد قوة.. إننا اليوم - أيها الإخوة - بعد عشرة أيام من القتال كلنا قلب واحد، هدف واحد، رجل واحد.
إن إسرائيل التى قامت بالاعتداء علينا فى ٢٩ أكتوبر كانت تنفذ خطة الاستعمار.. إسرائيل فى ٢٩ أكتوبر هجمت على مصر؛ كانت بتنفذ خطة الاستعمار الفرنسى - البريطانى؛ بمعنى ان كان فيه تحالف إسرائيلى - إنجليزى - فرنساوى. فى يوم ٢٩ بالليل يوم الاثنين هجمت إسرائيل، واخترقت الحدود المصرية فى منطقة خالية من القوات المسلحة. فى نفس الليلة أعلنت إنجلترا الشريفة أنها لن تستغل هذه الفرصة لتتدخل، كان هجوم إسرائيل... وأنا عايز أحكى لكم كل ما حدث من يوم ٢٩؛ حتى نكون على بينة وعلى علم بكل أمر من الأمور.. يوم ٢٩ دخلت إسرائيل، فى نفس اليوم أعلنت إنجلترا أنها لن تستغل هذه الفرصة.
لو تفتكروا - يا إخوانى - لما حصل اعتداء على قلقيلية فى الأردن الشقيق أنا بعت تلغراف للملك حسين، وقلت له: ان احنا يجب أن نتنبه لمؤامرات الاستعمار واللى بيسندوا إسرائيل.. إسرائيل قعدت يوم الاثنين لم تشتبك قواتها - زى البلاغات اللى طلعت - مع قواتنا لأنها كانت موجودة فى صحراء سيناء، ما حصلش اشتباك، ولكن أخذت منطقة خالية فيها بعض نقط الحدود. يوم التلات كانت القوة الضاربة فى قواتكم المسلحة تتحرك إلى الحدود الشرقية. يوم الأربع كانت قواتكم المسلحة تأخذ مواقعها بعد أن تكتلت على الحدود الشرقية؛ علشان تبدأ معركتها فى الدفاع عن حق الوطن، وفى الدفاع ضد عدوان إسرائيل. يوم التلات والأربع قواتنا اللى كانت متجمعة فى مراكز مختلفة قامت بهذا العمل بعزم وتصميم وإيمان، ووصلت يوم التلات والأربع؛ اللى هم اللى كانت حربنا فيهم مع إسرائيل، واللى احنا فيهم صدقنا تصريح بريطانيا اللى أعلنت أنها لن تنتهز هذه الفرصة. كانت قواتنا الضاربة على الحدود الشرقية، وكان معظم القوات المسلحة على الحدود بتبدأ عملها؛ سلاح الطيران المصرى بدأ منذ قام الاعتداء بالاشتراك بكل قوته فى المعركة؛ يوم التلات الصبح ويوم الأربع طول النهار قاذفات القنابل المصرية قامت بواجباتها فى ضرب مطارات العدو، وقامت بواجباتها فى ضرب مراكز حشود العدو. الطائرات المقاتلة المصرية يوم التلات كانت تعمل عملاً متواصلاً، بمعنى هم كلهم عارفين احنا كنا بنشتغل منين؛ كان الطيار بينزل ياخد طيارة تانية ويطلع، وكان التوفيق معنا لأن احنا يوم التلات.. من بدء القتال يوم الاثنين بالليل ويوم التلات ويوم الأربع خسرنا.. مات من عندنا ٣ طيارين، ووقعوا ١٨ طيارة يهودية؛ يعنى كان سلاحنا الجوى مسيطر على أرض المعركة.
يوم الأربع أنا فوجئت بخبر بيقول: إن هم وقعوا ١٨ طيارة إسرائيلية؛ منها عدد كبير من طائرات "المستير" الفرنساوى، وبعدين الطيارين بتوعنا قالوا: إنهم لاحظوا ان موجود فى الجو طائرات "مستير" أكتر من قوة السلاح الإسرائيلى الجوى. رجعنا تانى نقدر الموقف يوم الأربع على هذا العامل الجديد، وقلنا: إن فرنسا قررت انها تعاون إسرائيل معاونة مستترة بسلاح جوى، ورغم هذا استطاع سلاحنا الجوى انه يسيطر على أرض المعركة.
لغاية يوم الأربع كانت قواتنا الرئيسية لم تلتحم بقوات إسرائيل؛ لأن قوات إسرائيل كانت فى الجنوب، وكانت المعركة الوحيدة اللى حصلت هى معركة على حدودنا الشرقية؛ بين العوجة وأبو عجيلة، وقواتنا اللى كانت موجودة هناك صدت هجوم اليهود ٣ مرات - زى ما طلع فى البلاغات الرسمية - وكبدته خسائر؛ دا الموقف كان يوم الأربع الساعة ٦ مساءاً.
يوم الأربع الساعة ٦ مساءاً حصلت الخديعة الكبرى؛ الخيانة، الغدر، انتهاك القيم الأخلاقية؛ قامت طائرات نفاثة قاذفات قنابل بضرب مطار القاهرة الدولى. كانت مفاجأة أخرى، قلنا بعد الساعة ٦: إذن إنجلترا أيضاً قررت انها تساعد إسرائيل مساعدة سرية.
يوم الأربع الساعة ٧ بالليل أعلن.. أعلنوا - صوت بريطانيا - بيقولوا: إنهم عملوا حاجة اسمها قيادة الحلفاء؛ اللى هى الحلفاء الإنجليز والفرنساويين، وطبعاً ما يقولوش: إن الإسرائيليين معاهم، وطبعاً.. وظهر التحالف الإنجليزى - الفرنسى - الإسرائيلى، وأعلنوا انهم بيحافظوا على سلام العالم؛ ولهذا فهم حيتدخلوا علشان يفرقوا بين القوات؛ يخلصوا يعنى بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية.
دا الإعلان اللى أعلن يوم الأربع، والغرض منه طبعاً خداع الرأى العام العالمى، خداع مصر، وقالوا: إنهم حيتدخلوا بالقوة. وانتظرنا نشوف إيه الوضع.. التدخل بالقوة استمر يوم الأربع طول الليل؛ غارات مستمرة على مطاراتنا.. مطاراتنا اللى أنتم عارفينها؛ اللى موجودة هنا فى مصر، مش موجودة فى جبهة القتال، وعلى أسلحتنا ومعسكراتنا. وطبعاً ظهر بوضوح أن الغرض الذى تتكلم عليه بريطانيا.. الغرض اللى اتكلم عليه "مستر إيدن" فى مجلس العموم ليس إلا خدعة كبرى، ولكن غرضه أن يضرب الشعب المصرى، غرضه ان احنا نستسلم لقواته الغاشمة، غرضه انه يوقع بنا أكبر كمية من الخسائر، غرضه انه يسحب جيشنا إلى حدود إسرائيل، وبعدين يضربنا، ويتركنا قدام إسرائيل؛ علشان يقولوا: إن إسرائيل هى اللى هزمت الجيش المصرى، ويحيق بنا الذل والعار. دا كان غرض "مستر إيدن".. غرضه انه مش بس يضربنا ولا يقاتلنا؛ غرضه إنه يذلنا.
لو كان "مستر إيدن" هاجمنا هجوم مباشر بدون هذه الخدعة كنا نحترمه، وكنا نقاتله قتال الند للند. ولكن "مستر إيدن" حينما هاجمنا وحينما قاتلنا؛ قاتلنا بالخديعة والغدر.. كانت معركة - أيها الإخوة - تتمثل فيها الخديعة ويتمثل فيها الغدر. قاتلنا تحت اسم السلام.. قاتلنا تحت اسم المحافظة على السلام العالمى.. ضربوا مصر، وضربوا القاهرة ومطارات القاهرة تحت اسم السلام.
هذه المعركة - أيها الإخوة - التى تخلت عنها كل أساليب الشرف وأساليب الكرامة والقيم الأخلاقية احنا تنبهنا لها من أول وقت يوم الأربع؛ إن غرض "إيدن" هو اللى حصل سنة ١٨٤٠؛ سنة ١٨٤٠ مصر استطاعت أن تتحرر وتبنى، وتعمل لنفسها قوة مسلحة.. غرض "إيدن" نفس غرضه سنة ١٨٤٠.. غرض إنجلترا... إنجلترا سنة ١٨٤٠ أما لقيت مصر قوية ولها شخصية، راحت لامة شوية دول وضربت الأسطول المصرى فى نفارين، واستطاعت انها تحقق غرضها.
قلنا: لازم نهزم "إيدن" فى الحصول على غرضه، وصدر قرار سريع يوم الأربع بسحب جميع القوات المسلحة المصرية من الجبهة الشرقية؛ علشان تكون غرب القنال، وبهذا لا نمكن "إيدن" من أن يحقق غرضه فى أن يحرمنا من قواتنا الجوية، ويساعد إسرائيل، ويظهر للعالم أجمع أن الجيش المصرى الذى فى هذا الوقت.. الجيش المصرى اللى حيكون معزول على الحدود فى سينا - حيكون محروم من التموين، محروم من الإمداد - ليقاتل سلاح الطيران الإنجليزى - الفرنساوى - الإسرائيلى، وبعدين يقولوا: إن قوات إسرائيل عرفت تتعامل مع الجيش المصرى، وإن قوات إسرائيل هزمت الجيش المصرى، ويكسروا نفس كل واحد منا، ونشعر بهذا الذل وبهذه الهزيمة وبهذا العار.
فى هذا الوقت - يا إخوانى - فهمنا ان ادعاءات بريطانيا اللى بتقول: إنها هتفصل.. هتخلص مصر عن إسرائيل، ليست إلا تحالف فرنسى - إنجليزى - إسرائيلى للقضاء على قوات مصر المسلحة، وإذا قضى على قوات مصر المسلحة يقدروا يتحكموا فى مصر، ويحققوا أهدافهم الاستعمارية، ومصر ترجع تانى مستعمرة تاخد أوامرها من السفارة الإنجليزية، وتاخد أوامرها من الحكومة البريطانية، وطبعاً سيعود الكفاح مرة أخرى؛ دى أهداف الأعداء.
صدرت الأوامر يوم الأربع فى الحال بسحب جميع القوات المسلحة من سيناء؛ على أن نقاتل غرب القنال، وشرق القنال فى منطقة القنال، وفى هذه المنطقة من الأرض، وكان هدفنا فى هذا أن نهزم هدف "مستر إيدن".
طبعاً تعلمون جميعاً الإنذار اللى جا يوم التلات؛ إنذار جا من "إيدن" - يوم التلات - و"موليه"؛ من إنجلترا وفرنسا لرئيس مصر اللى بيمثلكم.. بيقولوا له: يجب أن تقبل أن تحتل القوات البريطانية - الفرنسية مدينة بورسعيد والإسماعيلية والسويس؛ علشان نقدر نحمى القناة ونوقف تقدم الإسرائيليين.
هذا الإنذار طبعاً لا يمكن لأى فرد يشعر بكرامته.. لا يمكن لأى وطن يشعر بشخصيته أن يقبل.. مش ممكن أى واحد يقبله، طبعاً باسم هذا الشعب أنا رفضت هذا الإنذار، وقلت لهم: ان احنا لا يمكن أن نقبل أى احتلال راضين، وأنا أرفض هذا الإنذار باسم الشعب المصرى، والشعب المصرى اللى كافح على مر السنين فى سبيل هذه الحرية، وفى سبيل الأطماع الاستعمارية، سيكافح أيضاً ليثبت الأهداف التى حصلنا عليها، ويثبت الحرية اللى احنا حققناها.
دا اللى حصل يوم التلات، يوم الأربع بدأ التدخل البريطانى، كلكم طبعاً هنا فى القاهرة حسيتم إيه اللى يقصدوه؛ الأساس انهم يكسروا قواتكم المسلحة، يخلوا مصر من غير جيش، وبعد كده يمسكونا من رقبتنا ويتحكموا فينا. يوم الخميس ويوم الجمعة.. ليلة الأربع الخميس، وليلة الخميس الجمعة؛ استطاعت قواتكم المسلحة أن تعود من سيناء متماسكة، قواتنا عادت من سينا متماسكة، وقابلت بالنهار سلاح الجو اليهودى - الإنجليزى - الفرنساوى، كانوا بيضربوهم بغرض القضاء عليهم.
وأحب أقول لكم - يا إخوانى - إن من توفيق الله قواتكم المسلحة عادت من هذه العملية الشاقة قوية متماسكة، حصل فينا خسائر أثناء الانسحاب من الإنجليز وضرب الطيارات؛ لأنهم كانوا بيضربوا مطاراتنا، وكانوا أيضاً بيضربوا قواتنا أثناء عودتها من سيناء.. حصل خسائر فى العربات - اللى هى غير العربات المدرعة - من ضرب الطائرات.. العربيات اللى غير مصفحة، وطبعا - زى ما قلت لكم يوم الجمعة اللى فاتت - عوضنا هذه العربات من مخازنهم اللى موجودة فى منطقة القنال.
هدف الأعداء يا إخوانى.. هدف الأعداء كان القضاء على قواتكم المسلحة واستعبادنا، يوم الجمعة كانت قواتنا عادت - زى ما قلت لكم برضه يوم الجمعة اللى فاتت - تركت قوات انتحارية فى المنطقة الأمامية؛ علشان تقفل السكة على اليهود، وتستر انسحاب وعودة إخوانها. قاتلت هذه القوات قتالاً مريراً فى سبيل الغرض الأسمى؛ اللى هو المحافظة على قواتنا المسلحة، وعدم تعريضها للدمار اللى كان مبيت لها بخطة إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.
يوم الأحد بدأ الضرب يشتد.. الجمعة طبعاً والسبت والأحد على إسكندرية، وعلى مناطق.. منطقة القنال؛ بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وعلى القاهرة، ولكن احنا - يا إخوانى - كنا بنعيش لأول مرة هذه التجربة، احنا فى الحرب العالمية الثانية ما خضناش هذه التجربة. الشعب زاد تماسكه وزاد تصميمه وزاد إصراره، أنا كنت فى هذه الغارات وفى هذه الأعمال الوحشية البريطانية أشعر بإحساسكم، كنت باشعر ان الشعب بيزيد تصميمه، بيزيد قوته. أنا أما جيت هنا يوم الجمعة بعد ٣ أيام الغارات، وشفت الشعب؛ وجدت أن هذه الغارات إنما زادته تمسكاً وتصميماً فى سبيل المحافظة على حريته، وفى سبيل المحافظة على استقلاله.
الإنجليز زى ما قالوا؛ زى ما قال وزير حربيتهم امبارح فى البرلمان الإنجليزى: إنه كانوا يعتقدوا ان العملية عملية بسيطة. الأخبار قالت امبارح قبل الإنجليز ما يقوموا بهجومهم، وزير حربيتهم راح قبرص وقالوا له: ان احنا هناخد مصر فى ٢٤ ساعة، وإن الشعب المصرى غير متماسك، وإن من السهل علينا أن نعود كما كنا فى الماضى.
بدأ - يا إخوانى - الهجوم على بورسعيد؛ اللى بيهجم على بورسعيد دولتين بيقولوا عليهم دول عظمى.. دول كبرى، دولتين استعماريتين؛ إنجلترا وفرنسا.. أساطيلهم، طيرانهم، قواتهم.. وبدأت عملية الغزو، هدفهم غزو مصر اللى قالوا: إنه حيتم فى ٢٤ ساعة. قاومت قواتكم المسلحة والشعب هذا الغزو مقاومة مريرة؛ قاوموا مقاومة مستميتة ضد الغزو اليهودى - الإنجليزى - الفرنساوى. الشعب اتحد مع قواته المسلحة.. سيطروا؛ استطاع الإنجليز انهم يطلعوا ياخدوا مواقع بره فى بورسعيد، القوات المسلحة مع الشعب عادت إلى بورسعيد لتقاتل. يوم الإثنين أعلن "إيدن" فى مجلس العموم ان بورسعيد سلمت، أنا لم أصدق هذا الخبر لأنى أنا كنت أشعر بعزم وإيمان وتصميم هذا الشعب؛ الشعب اللى أعلن أنه سيقاتل لآخر نقطة من دمه لا يمكن أن يسلم أبداً.
ما سلمتش بورسعيد ولكنها قاتلت، أنا - يا إخوانى - أعلم بورسعيد قاست؛ انضربت بالطائرات، انضربت بالأسطول، انضربت بالقوات المعتدية، ولكن بورسعيد هى اللى حمتكم؛ حمت مصر كلها.. بورسعيد فدت مصر كلها، بورسعيد استطاعت.. بورسعيد استطاعت أن تحبط خطط الاستعمار اللى قال: إنه حياخد مصر فى ٢٤ ساعة! امبارح وزير الحربية الإنجليزى فى البرلمان قال: إن لازالت المقاومة موجودة فى بورسعيد، وإنه يعتقد انه عنده كمان ٣ أيام علشان يقدر يكون فى وضع عادى فى بورسعيد.
أنا - يا إخوانى - عشت معركة بورسعيد، وأعتقد ان كل واحد منكم عاش معركة بورسعيد؛ عشت بأعصابى، وعشت بدمائى وقلبى، كانت أعصابى معاهم، وكنت أعرف انهم بيقاسوا، ولكن القتال فرض علينا.. حينما كنا ننادى بالسلام القتال فرض علينا، ولابد أن نقاتل، ولابد أن نتحمل من الضحايا فى سبيل هذه العزة التى نطالب بها، فى سبيل المحافظة على شرفنا، وفى سبيل المحافظة على كرامتنا، وفى سبيل المحافظة على استقلالنا.
بورسعيد - يا إخوانى - فدتكم؛ فدت مصر، فدت العرب، فدت الدول الصغرى كلها اللى بتدافع عن الحرية والاستقلال، شهداء بورسعيد اللى سقطوا.. سقطوا فى سبيل القضية العظمى اللى سقط فيها الشهداء أيام النبى - عليه الصلاة والسلام - واللى سقط فيها الشهداء أيام المسيح؛ اللى كانوا بيموتوا فى سبيل المثل العليا، أيام المسيحية سقط شهداء كانوا ينادون بالسلام، وينادون برسالة.. أيام الإسلام؛ حينما قام محمد - عليه الصلاة والسلام - سقط شهداء، وقاتلوا حينما فرض عليهم القتال، ونحن اليوم - أيها الإخوة - يسقط منا الشهداء لأننا نقاتل حينما يفرض علينا القتال، وحينما نقول أننا نقاتل حينما يفرض علينا القتال نعنى أن الاستسلام لن يفرض علينا، ولكنا سندافع عن كرامتنا وشرفنا ووطننا.
بورسعيد - يا إخوانى - دفعت ضريبة الدم.. بورسعيد - يا إخوانى - دفعت ضريبة الدم.. بورسعيد - يا إخوانى - فى محنتها كانت بتفدى كل واحد فيكم.. بتفدى بدمائها مصر، وكانت بورسعيد بتحمى شرفنا؛ شرف الوطن، وزى ما قلت لكم: إن شرف الوطن لا يمكن أن يتجزأ. بورسعيد ضحت وقاتلت، وأنا أعلم وأنا باكلمكم إن أهالى بورسعيد مروا بمحنة، ولكن أظهرت بورسعيد للعالم أجمع أن مصر ستقاوم مقاومة مستمرة مستميتة؛ مقاومة بورسعيد واتحاد هذا الشعب هى اللى كانت عوامل هزيمة الاستعمار فى خطته العدوانية، مقاومة بورسعيد وتضحية بورسعيد، واتحاد هذا الشعب.. مقاومة بورسعيد لإنجلترا وفرنسا، وتضحية بورسعيد بدمائها فى سبيل هذا الشعب هى اللى قومت العالم كله ضد إنجلترا وفرنسا؛ لأنهم عرفوا ان هذا الشعب شعب حر، ذاق الحرية ولن يفرط فى حريته، وأن هذا الشعب اللى قال: إنه سيقاتل فى سبيل هذه الحرية، سيقاتل فعلاً، وإن هذا الشعب اللى قال: إنه مش حيستسلم، لن يستسلم أبداً، ولكنه سيكافح كفاحاً مريراً مميتاً.
بورسعيد - يا إخوانى - دافعت عن مصر كلها، وأنا باقول لكم: إن بورسعيد تحملت ضريبة الدم، وأهلها قابلوا مصاعب ومتاعب، ولكن فرض علينا القتال.. فرض علينا القتال، اللى زى ما قال الله سبحانه وتعالى إن القتال كتب علينا وهو كره لنا، ولكن إذا فرض علينا القتال لابد أن نقاتل، ولابد أن ندافع.
خطة المعتدين انهارت أمام مقاومة شعب بورسعيد؛ خطة المعتدين اللى قالوا: إنهم يأخدوا مصر فى ٢٤ ساعة، وزير حربيتهم امبارح بيقول: إنهم يقدروا... لسه ٣ أيام علشان تعود بورسعيد إلى حالتها الطبيعية. أنا أعلم يا إخوانى - وزى ما قلت لكم وحصل - إن بورسعيد مرت بمحنة، ولكن اليوم - أيها الإخوة - نكتب مستقبلنا ونكتبه بدمائنا.. نكتب مستقبلنا بدمائنا فعلاً.. مستقبلنا الحر، نكتب تاريخ بلدنا، والنهارده بنقرر مصيرنا. النهارده حينما كتب علينا القتال وفرض علينا، يجب أن نقاتل ويجب أن ندافع.
هذا هو عزم وتصميم الشعب المصرى؛ ولهذا فإننى حينما أتكلم عن بورسعيد أقول لكم: إننا جميعاً كنا معها فى هذه المعركة بأعصابنا وبدمائنا، وأنا حضرت المعركة، أنا كنت رايح بورسعيد.. كنت رايح، وكنت رايح بالليل، وقمت من هنا بالليل لما قالوا: إن بورسعيد معرضة للغزو. وقلت: أوصل بورسعيد، قمت بالليل الساعة واحدة، وصلت الإسماعيلية الساعة ٣.٥، ولكن لم أتمكن انى أصل إلى بورسعيد. الصبح قالوا: إن القوات المعتدية نزلت فى بورسعيد، شفت الإسماعيلية، وشفت الروح المعنوية فى الإسماعيلية، وشفت المواطنين فى الإسماعيلية واقفين جنباً إلى جنب بجوار القوات المسلحة؛ كل واحد شايل سلاحه، كل واحد بيقول - اللى قابلتهم - إنه حيدافع عن بلده، إنه حيستشهد فى سبيل بلده.
دى مصر يا إخوانى.. مصر الحقيقية، مصر الحرة، مصر العزيزة.. دا شعب مصر اللى أنا كنت أؤمن به، واللى احنا كل واحد فينا بيؤمن به، دا أملنا. هذه التجربة - يا إخوانى - النهارده خرجنا منها - وأنا أحب أقول لكم - أقوى مما دخلناها، خرج الشعب المصرى متحد متماسك، خرج الشعب المصرى كله عزم وكله تصميم وكله إيمان انه سيقاوم حريته بدمائه.
احنا النهارده - يا إخوانى - بهذه التضحيات.. بهذه الدماء الذكية بنكتب مستقبلنا، وبنكتب تاريخنا، وبنثبت حريتنا، وبنثبت استقلالنا، وبنثبت كرامتنا، وبنثبت عزتنا.
احنا النهارده - يا إخوانى - زى ما أعلنا، وأنا معاكم كفرد منكم زى ما وعدتكم، حنقاتل لأخر قطرة فى دمائنا؛ فى سبيل حريتنا، وقلنا: إذا فرض علينا القتال فلابد أن نقاتل فى سبيل هذه الحرية، وفى سبيل هذا الاستقلال، ولن يفرض علينا أبداً الاستسلام.. سنقاتل.. سنقاتل، ولن نستسلم أبداً أيها الإخوة.
أيها الإخوة.. أيها الإخوة:
إخواننا فى الدول العربية.. القومية العربية.. الموقف العربى، حصل تساؤل.. والدعايات.. الدعايات المعادية اللى كانت بتهدف إلى القضاء على القومية العربية أرادت أن تبث فى نفوسنا بذور الشك والفتنة. يوم الأربع اتصل بى الملك سعود تليفونياً، وقال لى: إن جيش المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وأموال المملكة السعودية تحت تصرف مصر، وإن السعودية مستعدة تعمل أى شىء، واحنا نطلب منهم هذا. كان ردى ان احنا قلقين على الأردن؛ لأن الجيش المصرى يستطيع انه يصد العدوان اليهودى، ويلقن إسرائيل درساً، وأبلغته ان حنتصل بالأردن حتى تتعاون السعودية مع الأردن فى سبيل الدفاع عن الشعب الأردنى الشقيق. ولكن الملك سعود أبلغنى أن جيش المملكة السعودية مستعد لمعاونة مصر، ومستعد لتلبية أى طلب، وان أموال المملكة السعودية تحت تصرف مصر.
الملك حسين - يا إخوانى - فى نفس اليوم اتصل بى برضه بالتليفون، وقال: إن الجيش الأردنى مستعد؛ بناء على الاتفاق اللى وقع بين مصر والأردن من ١٥ يوم، أن ينفذ كل ما تراه القيادة المشتركة، وان الأردن متعاونة معنا كل التعاون. وكان الملك حسين يعنى كل كلمة يقولها، وقال لى: ان احنا مستعدين أى خطة مشتركة أن ننفذها، وأنا قلت له: ان احنا هدفنا ألا تكون هناك جبهة على الأردن، ولكن احنا عايزين نحصر القتال فى هذا الوقت بين الجيش المصرى والجيش الإسرائيلى، ونرى أن السعودية مع الأردن يتعاونوا الآن؛ حتى يقابلوا القوات الإسرائيلية إذا أرادت أن تعتدى على الأردن.
الملك سعود عرض وكان يعنى كل كلمة يقولها، وكان ينتظر منا أن نطالب، ولكنا كانت خطتنا تمنع من انه يرسل قوات إلى مصر؛ لأن الأردن كانت مهددة أكثر من مصر؛ على أساس ان الهجوم هجوم يهودى إسرائيلى بس. الملك حسين عرض جميع المعاونات الممكنة، ولكن كانت خطتنا ان احنا لا نورط الأردن فى هذا الوقت فى المعركة؛ دا حصل يوم الجمعة.
سوريا.. الرئيس شكرى القوتلى اتصل بالجيش السورى فى القيادة المشتركة، وقال: إنه مستعد انه يقوم بأى عمل تكلفه به القيادة المشتركة، ولكن خطتنا برضه كانت عدم فتح جبهة أخرى بالنسبة للجيش السورى أو بالنسبة لسوريا.
دا موقف الدول اللى احنا متحالفين معاها؛ المملكة السعودية، الأردن، سوريا، الملك سعود، الملك حسين، الرئيس شكرى القوتلى؛ موقف مشرف يدعو إلى الإعزاز ويدعو إلى الثقة. دى دولنا الحليفة؛ لأن أنا باقول هذا الكلام ليه؟ لأن راديو الأعداء بيقول: فين العرب وفين القومية العربية؟ راديو الأعداء والأعداء يهدفوا إلى القضاء على القومية العربية؛ لأن القومية العربية هى قوة لنا، وان احنا كلنا آمنا ان قوتنا فى قوميتنا.
الشعوب العربية.. الشعوب العربية عملت إيه فى هذه المحنة؟ المحنة اللى مرت بها مصر؟ الشعوب العربية فى كل مكان تعاونت معنا ضد الاستعمار، وضد مصالح الاستعمار، وضد أعوان الاستعمار.. الشعوب العربية من العراق إلى مراكش كلها كانت يد واحدة معنا.. دخلنا - يا إخوانى - هذه المعركة والقومية العربية كانت كلام، وخرجنا من هذه المعركة والقومية العربية أصبحت عمل؛ عمل حقيقى.. عمل قام به الملوك والرؤساء وقامت به الشعوب. القومية العربية هى الغرض هى الهدف.. القومية العربية هى هدف الاستعمار؛ لأنهم عايزين يقضوا على هذه القومية.. عايزين يقضوا على تكتل الشعوب العربية.. عايزين يقضوا على القومية العربية التى انبثقت، وأنا قلت لكم: من ٣ شهور إن القومية العربية قد انبثقت واشتعلت، ولن يستطيع أى فرد أن يقضى عليها.
القومية العربية - يا إخوانى - مش جمال عبد الناصر ولا قيادة جمال عبد الناصر؛ القومية العربية هى كل واحد فيكم، وكل واحد من الشعوب العربية وكل واحد من الأمة العربية. ثبتت الـ ١٠ أيام اللى فاتت.. أثبتت أن القومية العربية التى كانت كلاماً يقال أصبحت عملاً.. بريطانيا النهارده ما بيوصلهاش بترول ليه؟ لأن العرب عرفوا ازاى يضربوا بريطانيا فى الصميم.. العرب تعاونوا معاكم فى كل الميادين، العرب عرضوا نفسهم للخسارة، ولكن كانوا بهذا يحاربون أعداءكم.. عرضوا نفسهم للخسارة؛ نسفوا أنابيب البترول، ومنعوا البترول عن إنجلترا وفرنسا.. هذه خسارة لهم؛ ولكنها أيضاً ضربة قاضية للأعداء.
النهارده القومية العربية - يا إخوانى - بقت عمل، بقت فعل، بقت تماسك، بقت عزيمة.. القومية العربية النهارده غيرها من ١٠ أيام. إذن الهدف اللى كانت بريطانيا بتهدف إليه؛ وهو القضاء على القومية العربية ارتد إلى نحرها، فإن القومية العربية اليوم أقوى مما كانت، وأثبت مما كانت.
العرب النهارده - رؤساء وشعوب - كلهم رجل واحد مع مصر فى هذه المحنة؛ بل فى هذه المعركة، إنها ليست محنة ولكنها معركة، بنضرب فيها المثل فى سبيل الحرية وفى سبيل الكرامة. "صوت العرب" غرض عسكرى؛ "صوت العرب" اللى كان يرفع صوت مصر للأمة العربية، جت طيارات الدول اللى جاية تخلصنا مع إسرائيل فضربته. "صوت العرب" - يا إخوانى - النهارده بيتكلم.. "صوت العرب" - غرض عسكرى تضربه طيارات بريطانيا وفرنسا - بيتكلم أقوى مما كان، بيتكلم وهو يعلم أن العرب متحدين اتحاداً كاملاً.
النهارده - يا إخوانى - زى ما باقول لكم: احنا أقوى مما كنا فى ١٠ أيام.. ليه؟ العرب كلهم اتحدوا، العرب كلهم مصممين انهم يعملوا مع مصر ضد الاستعمار وضد مصالح الاستعمار. النهارده مصر مؤيدة من العالم أجمع.. كل العالم قام ضد المعتدين.. كل دول العالم ما عدا إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، و"منزيس" - عارفينه طبعاً كلكم - أستراليا، بل إن الأحرار فى إنجلترا؛ الأحرار فى إنجلترا نفسهم وفى فرنسا، الأحرار دول واقفين ضد العدوان الغاشم، واقفين ضد تجار الحروب، ضد الاستعمار، ضد الاستعماريين؛ العالم كله معانا.
مصر متحدة، قوية، مصممة بعزم وإيمان، الجيش المصرى استطاع أن يعود سليماً ومتماسكاً، خسايره فى المعدات عوضناها من مخازن الإنجليز فى قنال السويس. الطيران المصرى.. أقول لكم بقى قصة الطيران المصرى دى فى الأربع أيام الأخرانيين: بعد يوم الأربع.. بعد يوم الأربع وبعد ما اشتركت إنجلترا وفرنسا فى القتال، قلت لكم ان احنا.. قلت لكم: ان احنا كان عندنا يوم التلات والأربع خساير ٣ طيارات و٣ طيارين ماتوا.. استشهدوا، يوم الأربع بان غرض الإنجليز واضح؛ اللى هو القضاء على قواتنا المسلحة، وبدأ.. بدأت الغارات الجوية بعدد كبير جداً من الطائرات.
كان قدامنا حلين يحتاجوا إلى قرار: هل يطلع سلاح الطيران يشترك فى هذه المعركة، ونموت كل الطيارين، ونقضى على سلاح الطيران لمدة طويلة، واحنا الطيار بنجيبه.. يعنى بيحتاج إلى أربع سنين؟ أو نسيب لهم الجو إلى الوقت الحاسم نتدخل فيه؟ هذا القرار كان يحتاج إلى بت، وأنا فى هذا الموضوع وجدت ان احنا يجب أن نهزم غرض الإنجليز، ييجوا يضربوا شوية طيارات على الأرض، ولكن طيارينا قاعدين علشان يدخلوا فى المعركة الحاسمة. الطيارين طبعاً أما راحت لهم هذه الأوامر يوم الخميس الصبح كانوا فى حالة.. كانوا يعنى.. كانوا فى حالة مش عايزين يقبلوا تنفيذ هذه الأوامر، بيقولوا: لازم نطلع. أنا كان رأيى ان الحماس دا نرحب به، وانهم قاموا بقتال مرير يوم التلات والأربع؛ وقعوا لليهود ١٨ طيارة، ولكن إذا طلعوا واشتبكوا مع الإنجليز والفرنساويين فى هذه المعارك، يبقى حنيجى فى المعركة الحاسمة ونجد ان أكبر عدد من طيارينا استشهد.
اديت أوامر مشددة ان مافيش اشتباك مع الطيارات المعادية إلا بالمدافع المضادة للطائرات، وبدأنا نقوى الدفاع المضاد للطيران، وسبنا الطيارات فى المطارات، واحنا فى هذه المطارات كنا حاطين طائرات هيكلية مصنوعة من الخشب.
واستطعنا.. استطعنا فى هذا الوقت ان احنا نحافظ على سلاحنا الجوى.. محطات إذاعة الأعداء بتقول إيه؟ إنهم قضوا على السلاح الجوى، فعلاً هم ضربوا كل المطارات، فعلاً وقعت فينا خساير فى المعدات، الضرب طبعاً أثر، ولكن الكلام انهم قضوا، دا كلام فارغ. أول امبارح فى معركة بورسعيد فى عمليات الإنزال ظهرت الطائرات المصرية فى المعركة.. طلعت ودخلت فى المعركة الصبح وبعد الظهر، وابتدأ الذعر فى إنجلترا، والتلغرافات تيجى وتقول: إن الطيارات الروسى كانت بتشترك؛ لأن احنا قضينا على الطيران المصرى.
امبارح الأخبار جاية من لندن، وبيقولوا: إن فيه لغز؛ قاذفات القنابل المصرية الـ "إليوشن" مش لاقيينها ودايرين يدوروا عليها مش عارفين فين.
إذن طلعنا من هذه المحنة برضه وهذه المعركة ما حققناش هدف العدو؛ الجيش رجع متماسك، قادر على القتال بشدة وبعنف، طيراننا النهارده متماسك، بحريتنا قامت بعمليات انتحارية، البحرية المصرية بتحارب البحرية الإنجليزى والفرنساوى، والضباط طلعوا، وأبلغت ان طالعين ضباط على أنهم طالعين يعملوا عمليات انتحارية ومش راجعين.. طالعين كلهم كانوا على هذا الأساس وعلى هذا العمل، وقاموا بواجبهم؛ ناس منهم استشهدوا وناس منهم رجعوا، لكن بدى أقول لكم: إنهم كانوا طالعين على أساس انهم مش راجعين، وكانت دى الروح اللى بيحارب بها السلاح البحرى.
إذن - يا إخوانى - هذا العدوان كان يهدف إلى أغراض.. أولاً: احتلال مصر، وهذا الهدف لم يمكن أن يتحقق؛ لأن قاتلت مصر؛ الجيش والشعب رجل واحد.
كانوا عايزين يقضوا على وحدتنا زى زمان.. ما قدروش، بل إن وحدتنا زادت.. النهارده كل واحد فينا قلبه على قلب أخوه يمكن أكتر من الأول، كل واحد فينا بيشعر انه هو وأخوه فى معركة.. اتحاد البلد بقى أقوى مما كان. كانوا عايزين يقضوا على الجيش؛ فشل هذا الهدف، الجيش سليم، الخسائر اللى حصلت فيه فى المعدات من عربات عوضت من عندهم.
الجيش طبعاً قاتل، وفى القتال تحمل خسائر.. دماء زكية أريقت، ناس ضربت أروع أمثلة فى البطولة فى سبيل حماية وطنها، وفى سبيل حماية شرف مصر.. قاتل قتال مرير، ولكنه استطاع أن يحقق الهدف اللى أعطى إليه يوم الأربع؛ انه يعود إلى القنال، لنوحد الجبهة ضد التحالف الإسرائيلى - الإنجليزى - الفرنسى.
البحرية قامت بأعمال بطولية فى السويس وفى البحر الأبيض، وكبدت العدو خسائر.
"إيدن" لم يحقق أهدافه، وقال: إنه جاى يدافع عن قنال السويس، كل اللى عمله انه سد قنال السويس، والنهارده ابتدوا هم يقللوا من البترول، ويشتكوا ان البترول انقطع؛ طبعاً البترول منع عن انجلترا وعن فرنسا بواسطة عدوان انجلترا وعدوان فرنسا.
احنا ماسكين القنال من يوليو، ومشى فيها أكثر من ٣٠٠٠ مركب، وقفت الملاحة فى القنال بفعل العدوان الإنجليزى والعدوان الفرنسى؛ اللى جم ضربوا المراكب اللى ماشية فى القنال، واللى كسروا كوبرى الفردان على القنال علشان يمنعوا عودة الجيش؛ والجيش رايح سينا سابوه ما تعرضولوش، والجيش راجع من سينا تكاتفوا عليه علشان يضربوه.
إذن "إيدن" لم يحقق هدفه.. الشعب متحد، كله قوة وتصميم وإيمان، القومية العربية أصبحت فعلاً بعد أن كانت قولاً.
الجيش المصرى متماسك لم يستطع "إيدن" أن يحقق غرضه، البحرية المصرية متماسكة، الطيران المصرى اللى بيدوروا عليه لازال موجودا، ومستنى دوره فى القتال.
ليه قبلنا إيقاف القتال؟ احنا حينما استنكر العالم كله - العالم الحر - العدوان فى ٢ نوفمبر.. أما استنكر العالم العدوان، وأخذت الأمم المتحدة؛ الجمعية العامة، قرار بإيقاف القتال، مصر اللى بتنادى بالسلام وافقت على إيقاف القتال؛ لأن معنى هذا أن فرنسا وإنجلترا - المعتدين، مجرمين الحرب - معزولين عن العالم كله.
قام العالم كله فى كل مكان ضد العدوان، وضد تجار الحروب، قاموا قادة العالم جميعاً فى كل مكان ضد تجار الحروب؛ العالم الآسيوى - الإفريقى، فى أوروبا نفسها.. التأييد من كل مكان.
الدول مستعدة تحارب معانا، الضمير العالمى يستنكر عدوان "إيدن" وعدوان فرنسا.. انعزلت إنجلترا وفرنسا، وزى ما قلت لكم: فيه جزء من شعب فرنسا، أحرار فى فرنسا، وأحرار فى إنجلترا بيقاوموا العدوان.
وأظن كلكم شفتم كلام الأحرار فى هذه البلاد بيدمغوا العدوان، وبيقولوا طبعاً إن حكاية انكم رايحين تخلصوا مصر من إسرائيل لا يمكن ان واحد يقبلها، ولا يمكن ان واحد يقتنع بها، أنتم لكم أهداف استعمارية، وأنتم لكم أهداف عدوانية. قبلت مصر إيقاف القتال، ولم تقبل إنجلترا إيقاف القتال، ولا إسرائيل ولا فرنسا.
وبعدين كانت إنجلترا وفرنسا حينما رفضوا إيقاف القتال، وإسرائيل، بيعتقدوا ان مصر لقمة سائغة، كانوا بيهملوا الضمير العالمى، كانوا بيلعبوا بالنار. مقاومة مصر الباسلة، واستشهاد أبنائها فى سبيل أراضيها كانت أول عامل من عوامل هزيمة "إيدن"، ومن عوامل هزيمة العدوان.
وفى اليوم التالى قامت روسيا بإنذار بريطانيا وفرنسا، وأبلغت أن روسيا أرسلت إلى بريطانيا وفرنسا عن تصميمها لمحو العدوان البريطانى - الفرنسى بالقوة إذا لم ترجع بريطانيا وفرنسا المعتدية عن غيها. وبعد هذا اتصلْت برئيس أمريكا "أيزنهاور" وقلت.. بلغته عن الموقف وموقف مصر، وطلبت منه أن أعرف ما هو موقف أمريكا - قبل كده قبل الإنذار الروسى، وبعد الإنذار الروسى - وعلمت أن الرئيس الأمريكى يقاوم هذا العدوان، وأن أمريكا ستعمل بكل الوسائل لتقضى على الروح العدوانية فى فرنسا وفى إنجلترا، ولتوقف هذه الأعمال الهمجية.
إذن احنا النهارده فيه دولتين كبار واقفين معانا: روسيا التى هددت وأعلنت، وأمريكا التى أبلغتنى أنها تقاوم العدوان.
بقية العالم كله منعزل وبيدمغ هذا العدوان.. "نهرو"، "تيتو"، "سوكارنو".. كل قادة العالم الأحرار بيدمغوا هذا العدوان، بيدمغوه بالإجرام، بيقولوا: إن هذا عمل ضد الإنسانية.
النهارده - يا إخوانى - حينما أقول لكم: ان احنا موقفنا بعد عشر أيام أقوى مما كان؛ أعنى ما أقول.. الشعب متحد، الخطة الاستعمارية تبددت وتكسرت، كان العامل الأساسى فيها مقاومة شعب مصر اللى كتبت عنها جرائد العالم جميعاً.
القومية العربية تحققت، وأصبحت عملاً بعد ما كانت قولاً، الجيش المصرى والطيران المصرى، والبحرية المصرية قوية متماسكة، لم يستطع الإنجليز أن ينفذوا خطتهم.
اثنين من الدول الكبرى ضد العدوان؛ روسيا وأمريكا، روسيا هددت فعلاً بأنها ستمحق هذه الدول؛ هذا هو الموقف.
الأمم المتحدة قامت بعمل مستمر.. "همرشولد" لما وجد ان إنجلترا وفرنسا وإسرائيل رفضوا إيقاف إطلاق النار، ومش عايزين يسمعوا الكلام اللى أجمعت عليه شعوب العالم كله، أعلن أنه مستقيل، وأنا بعثت له وقلت له: احنا مش عايزينك تستقيل، احنا عايزينك تقف تحارب معانا معركة السلام، معركة الإنسانية، معركة الحرية.
قالوا.. قالوا: إن مصر حتنسحب من الأمم المتحدة، قلت: إن مصر مش حتنسحب، ولكن مصر تقاتل بكل سلاح؛ الأسلحة السياسية والأسلحة العسكرية.
بعد كده.. بعد أن تطور الموقف وأصبح العالم كله ضد إنجلترا وفرنسا، وظهرت الحرب العالمية فى الأفق؛ وافقت إنجلترا وفرنسا على إيقاف إطلاق النار.
امبارح أنذر "أيزنهاور" إسرائيل أنها يجب أن تعود فى الحال. أول امبارح إسرائيل قالت: إنها ستبقى، وأنذر "بولجانين" إسرائيل انها يجب أن تعود فى الحال، بالليل أعلنت إسرائيل أنها ستعود وسترجع إلى ما وراء الحدود.
النهارده - يا إخوانى - هل انتهت المعركة؟ إن المعركة لم تنته؛ إننا نجابه - أيها المواطنون - قوى الغدر والظلم والاستعمار وتجار الحروب. إننا نقاوم اليوم، ومعنا العالم أجمع؛ معنا العالم أجمع ضد العدوان، وضد إجرام الحروب، وضد تجار الحروب.
إن المعركة لم تنته.. إن المعركة لازالت قائمة.. إن الاستعمار لم يستطع حتى الآن أن يحقق أهدافه؛ بأن يستعبدكم ويتحكم فيكم وفى رقابكم.. إن الاستعمار حتى الآن لم يحقق أهدافه بأنه يتمكن من مصر، ويخلى حكومة مصر حكومة تابعة له.
إن الاستعمار هزم، ومصالحه فى هذه المنطقة أصيبت بأضرار كبار؛ أضرار عظام. هل سيعود الاستعمار أدراجه؟ هل الاستعمار مش حيتربص بنا تانى؟ المعركة - يا إخوانى - لازالت قائمة.
هناك معركتان: معركة سياسية ومعركة عسكرية.. قرارات الأمم المتحدة اللى طلعت أول امبارح احنا لسه ما رديناش عليها، لازلنا ندرسها كلمة كلمة. مصر لن تقبل أى شىء يؤثر فى سيادتها أو يؤثر فى كرامتها.. مصر ستصمم على المحافظة على سيادتها وعلى استقلالها، وعلى أراضيها وعلى كرامتها. مصر فى هذه المعركة السياسية ستكون على حذر؛ سنكون على حذر حتى لا نؤخذ بالخديعة حينما لم يستطيعوا أن يأخذونا بالقوة.. سنكون على حذر فى المعركة السياسية؛ حتى لا نؤخذ بالخديعة ولا نؤخذ بالغدر؛ كما أخذنا بالغدر فى المعركة العسكرية، أما معركتنا العسكرية فنحن على أتم الاستعداد؛ كلنا بنستعد، كل فرد فى البلد بيستعد، قواتنا بتستعد.
الإنجليز بيقولوا: إن قال جايبين معاهم فنيين بيجوا يصلحوا القنال.
احنا أعلنا طبعاً إن طالما هناك قوة أجنبية، جندى أجنبى فى مصر؛ لن نبدأ فى إصلاح القنال ولن نبدأ فى تطهير القنال؛ لأن هذا يؤثر على خططنا الدفاعية ضد الغدر، فقد أخذنا بالغدر مرة، ولا يمكن أن نؤخذ بالغدر مرة أخرى.
هذا - أيها المواطنون - هو موقفنا اليوم.. عزم وتصميم وإيمان.
هذا - أيها المواطنون - هو شعارنا اليوم؛ إننا نريد السلام، ولن يفرض علينا الاستسلام.
هذا - أيها المواطنون - شعارنا اليوم؛ اتحاد وقوة، وعمل وتصميم، وكفاح وجهاد. إن العالم كله يساندنا.. الأحرار فى كل مكان، وحينما أقول لكم: إن العالم اليوم يمر بأخطر فترة فى تاريخه قد تصيب الإنسانية جميعها، أحب أن أعلن للعالم أجمع أن مصر لم تكن سبباً فى هذا؛ لأن مصر لم تعتد على أحد، ولكنها دافعت عن سيادتها. إن الذين يتسببون اليوم فى تهديد الإنسانية هم تجار الحروب؛ المعتدون الذين اعتدوا على أوطاننا، والذين اعتدوا على أراضينا.
إن شعارنا اليوم أيها الإخوان.. أيها الإخوة.. أن نتجه إلى الله ليملأ قلوبنا بالإيمان، ويملأ قلوبنا بالتصميم.
إن شعارنا اليوم أن نتجه إلى الله ليشد فى أزرنا، ويعيننا على مقاومة الطغاة المعتدين.
إن شعارنا اليوم.. سنقاتل.. سنقاتل دفاعاً عن أوطاننا، ولن نفرط فى سيادتنا.
إن شعارنا اليوم - أيها المواطنون - إننا إذا أردنا السلام، وإذا فرض علينا القتال فلن يستطيع أى فرد أن يفرض علينا الاستسلام، والله يوفقكم ويوفق مصر.
والسلام عليكم ورحمة الله.