(أم القرى العدد 1469 في 14 شوال 1372 الموافق 25 يونيه 1953)
الحمد لله الذي أجزل لنا نعمه، وهدانا صراطاً مستقيماً، وشرح صدورنا لاتباع أوامره، ويسر لنا صوم شهره، ونسأله جزيل الثواب، ونرجو منه حسن المآب، ونصلي على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. وبعد فإنني أنتهز هذه الفرصة الثمينة المباركة، فابعث باسم جلالة مليكنا المفدى، وباسمي إلى عموم العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها التبريك بإتمام فريضة الصيام، والتهاني الخالصة بعيد الفطر المبارك، أعاده الله عليهم جميعاً اليمن والإقبال. لقد انقضى الشهر المبارك، والعالم الإسلامي عامة والعربي خاصة في فترة عصيبة من فترات الجهاد دفاعاً عن حقوقهم، وذبا عن حياضه، وتحقيقاً لأمانيهم العادلة. فمن أقصى المغرب إلى مصر، ومن شواطئ فلسطين إلى تخوم الصين، يعاني المسلمون شتى المصاعب والمتاعب بدرجات متفاوتة، ويجابهون الأخطار المتتابعة من نواحي مختلفة، ويتنادون لدفع الأذى، ويستصرخ بعضهم بعضاً؛ للنهوض في وجه العدوان، وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن العالم الإسلامي اليوم أصبح هدفاً، لمبادئ هدامة، لا تتفق مع تعاليم دينه، ولا تنسجم مع مبادئه، وفوق كل ذلك أخذ ينتشر بين ظهرانيه من أنواع المفاسد والموبقات، المنهي عنها في جميع الأديان، والمتفق على أذاها لدى عموم علماء الأخلاق؛ مما هو أضر على كيانهم، وأبلغ في النيل منهم، وأقدر على إضعافهم وإذلالهم من غارات المغيرين، ومظالم الظالمين. وما للمسلمين في جميع ذلك من ملجأ ولا معاذ، وما لهم في جهادهم من سلاح، ولا لمطلبهم من وسيلة، إلا الرجوع إلى ما قام عليه مجدهم الخالد، وما بنوا عليه عزهم الغابر، وما أشادوا على أسسه مدنيتهم المزدهرة، وما أنشأوا به قوتهم الكاسحة، وهو كلمة لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والأخذ بما أمر به الله، والعمل في سبيل الله، بهذا سادوا، وعدلوا، وبنوا فأحسنوا البناء، نشروا وبنوا الحضارة القوية في الشرق والغرب، وبه كتبوا على صفحات التاريخ العالي مجداً مؤثلاً. ففي كلمة الإسلام هذه، وفي الأخذ بما دعت إليه من أخوة خالصة، وحق صريح، وتعاضد متين، واتحاد آرائهم سلاح أمضى من كل الأسلحة، وقوة لا تدانيها قوة، بها نهضوا، وهم أضعف الأمم. وبها كتبت لهم آيات النصر، وهم قلة بلا حول ولا طول، وبها نشروا ألوية العرفان في أنحاء العالم، وكانوا قبلها أبعد الناس عن أسباب العلم، ووسائل الحضارة. ونحن إذ نحتفل اليوم بهذا العيد، عيد الفطر المبارك، وصوم شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن هدى للناس، نعود بالذكرى إلى ما كنا عليه، وما ألنا إليه، ولا نجد ما ندفع به عنت ما أصبحنا فيه إلا قوة ما كنا عليه بكلمة التوحيد، وكتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، به نهضنا فسرنا، وأمنا المظالم، ونشرنا العدل والحق في الناس، ومن جراء التراخي بذلك. وعدم الأخذ به، والقيام بمقتضياته، ضعفنا وذللنا، ونهشتنا أنياب المظالم. نسأل الله العزيز الرحيم أن يلهمنا العودة إلى كلمته، والعمل بكتابه، والأخذ بسنة رسوله، وأن يهدينا سواء السبيل، ويجعل لنا من بركة صيامنا وقيامنا وتلاوتنا نوراً يضيء لنا سبلنا، ويوحد كلمتنا، ويزيد أواصر أخوتنا، ويبين لنا سبل الحق والأنصاف بين الناس، إنه سميع مجيب.
ام القرى