(أم القرى العدد 1526 في 7 ذو الحجة 1373 الموافق 6 أغسطس 1954)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونشكره، ونعوذ بالله شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ونصلي ونسلم على خير أنبيائه، ونستفتح بالذي هو خير. أهلاً بكم إخواننا، وأبناء ديننا، ومرحباً بالجامعة التي تجمعنا، كلمة التوحيد الخالص، شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، وشرفاً وكرماً لهذا البيت العتيق، الذي نؤمه في جميع أقطارنا وبلادنا، وإليه حجبنا، وفي ملاذه أنخنا، نستغفر ربنا، وندعو ليزيل الإصر عنا. فمن هذه البقعة المباركة انتشر الإسلام؛ بل انتشرت الدعوة إلى الله منذ أن أقام نبينا إبراهيم، عليه السلام، قواعد هذا البيت العتيق، فإلى هذا البيت نتجه في صلواتنا، وإليه نسعى مكبرين مهللين، نطوف حوله، ونسعى في جنباته بين الصفا والمروة؛ لنذكر اسم الله، ونجدد توبتنا إلى الله؛ لنتبرأ من الذنوب والآثام، ونخرج منها عاقدين العزم على طاعة ربنا، والتمسك بديننا. كل عرض في هذه الحياة الدنيا زائل، وليس لنا ما نعتصم به إلاَّ عفو الله، ورحمته بما نقدمه من إخلاص العبادة لله وحده، والعمل بكتابه، واتباع سنة نبيه، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. جاء الإسلام بالحنيفية السمحاء، لا غلو ولا جفاء، جاء متمما للشرائع، ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) .
جاء نبينا محمد، صلوات الله وسلامه عليه، بالإسلام، ولم يترك طريقاً من طرق الخير إلاَّ هدانا إليه، وأمرنا باتباعه، ولم يترك سبيلاً من سبل الشر إلاَّ أخبرنا به، ونهانـا عنه؛ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
إخواني المسلمين، في هذا الموقف، وما يحيط بنا من أخطار، ومحن في ديننا ودنيانا، ليس لنا ملجأ ولا منجى بعد الله إلاَّ بالاعتصام بكتاب الله، وهدى رسوله، وذلك بإخلاص العبادة لله وحده؛ فلا نعبد غيره، ولا ندعو غيره، لا من نبي مرسل، ولا ملك مقرب. قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ . قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ . فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . هذه الأيام أيام الإسراع إلى الله بالإخلاص والتوبة، والإنابة إليه، بذلك أوصيكم ونفسي، لنفر من ذنوبنا وآثامنا إلى الله؛ لعله أن يقبل توبتنا، ويصلح أمورنا، ويغير ما بنا، وأن ينقلنا من ذل التفرق إلى عزة الاجتماع والوحدة. جاء الإسلام فنقلنا من الضعة والمهانة إلى أعلى الدرجات؛ فكنا أمنع الناس جانباً، وكنا القادة، وكنا الهداة الداعين إلى الله؛ وما تغير ما كنا عليه إلى ما صرنا إليه إلاَّ بعد الفرقة، وتسرعنا في تفضيل العاجل على الآجل؛ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وتكالبت الأعداء على الإسلام والمسلمين، وانهالوا عليهم من كل ناحية وصوب؛ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، وقلوبهم، وأيديهم، وقواهم، ودسائسهم، ومكرهم، وخداعهم، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره. يجمعنا في هذا المحفل، إخوان لنا من كل بلد وصوب، كل منا يعلم مشاكله ومتاعبه التي يقاسيها في دينه ودنياه، من الظلم والطغيان بيد الأعداء، الذين يتربصون بالإسلام والمسلمين وبالعرب الدوائر، وليس لنا في هذه المواقف، وهذه الزعازع إلاَّ الثبات والصبر؛ وأن نكون بذلك مصداقاً لقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فبالثبات والصبر، وبالتوكل على الله، والعمل الدائم الدائب، وبعقل وحزم بغير وهن ولا خور نمشي قدماً في سبيل غاياتنا؛ لنصل إلى مبتغانا من العزة والكرامة، حتى نعيش آمنين في بلادنا على ديننا، وأوطاننا، ومحارمنا، وأولادنا.
لقد أنشأ الغدر والظلم هذا السرطان الصهيوني من اليهود في جسم العرب، وجسم الإسلام، فكان ضغثا على أبالة، بجانب ذلك العدوان الذي يلقاه المسلمون والعرب في مشارق الأرض ومغاربها. خطوب ومحن كلها امتحان من الله، ليميز الخبيث من الطيب؛ وليعلم الذين صدقوا ويعلم المنافقين. ونحن باستطاعتنا، بحول الله وقوته، أن نقوى إيماننا، ونستطيع جمع كلمتنا، ونستطيع الصبر على تحمل المشاق، ونستطيع التباعد عما يلوحه لنا عداؤنا من أعراض زائلة لتفريق كلمتنا؛ حتى نكون يداً مسخرة لهم، يقتل بعضنا بعضاً، وأعداؤنا ينظرون لنا من وراء الستار ضاحكين هازلين. إن ما أدعو المسلمين والعرب إليه، وأدعو نفسي هو العمل مع مجموع المسلمين والعرب، والتعاون في كل ناحية من النواحي لتوحيد أهدافنا، ولا هدف لنا إلاَّ سلامة أنفسنا، ومصافاة من يصافينا، واتقاء شر من يريد الاعتداء علينا، وأن نرى في كل عدوان على أي جنب من جنباتنا عدوانا علينا، بهذا ارتبطنا في جامعتنا العربية، وبهذا تعاقدنا في ميثاق الضمان الجماعي. وهذا الذي أسعى إليه؛ لنجمع كلمة الدول العربية عليه، بل أسعى وراء هذا لجمع كلمة الدول الإسلامية عليه، لا نريد عدواناً على أحد، ونريد أن نعيش في بلادنا آمنين مطمئنين. وما تجشمت المشاق في الأسفار التي قمت بها منذ تبوأت عرش هذه المملكة، إلاَّ لأعمل على جمع كلمة العرب والمسلمين؛ لنتعاون مع من يريد التعاون معنا لحفظ السلم والأمان في بلادنا، ومنع العدوان عن أي منا، ولسنا أعداء لأحد، ولكنا أعداء من يريد الاعتداء علينا، ويريد الشر بنا.
إني أخوكم الحارس المتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، يشرفني، ويبعث العزة في نفسي أن أكون الأخ المخلص لكم، الذي يفتح قلبه وصدره لكم، يعمل جاهداً معكم، في كل ما فيه نصرة لديننا، وإعلاء لكلمة الله، لا تأخذني في الله لومة لائم، ولا أبالي بما يصيبني إذا كنت أعمل مخلصاً لرفع كلمة الله، ونصرة قومي الذين أعتز بهم، وأعمل جاهداً لكل ما فيه مصلحة لي ولهم، وكل ما أرجوه من ربنا أن يوفقنا جميعاً لجمع كلمتنا، ولم شتاتنا، وحزم أمورنا بصدق وإخلاص؛ حتى نصل لغايتنا. هذه هي خطتي، وهو ما أدعو المسلمين والعرب إليه؛ وليس لنا في هذا المقام إلاَّ أن نبتهل إلى الله، مخلصين له الدين، أن يؤلف قلوبنا لما فيه مرضاته، وما فيه العز، والكرامة لنا جميعاً، وأن يتقبل حجنا، ويرد المغتربين منا إلى أوطانهم، سالمين فائزين برضوان الله وقبوله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ام القرى