الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، له الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، أحمده حمد الشاكر لنعمائه، والطالب المزيد لنا وللمسلمين جميعاً من أفضاله، وأصلي وأسلم على خير أنبيائه، الذي جاءنا بالبينات والهدى، فما ترك من خير إلاَّ أمرنا به، ولا شر إلاَّ ونهانا عنه، أوضح لنا المحجة وأبان لنا الطريق، فمن عصاه وخالف هديه فعلى نفسه جنى، نسأله سبحانه أن يثبتنا على هدي نبيه، وأن يلزمنا العمل بشريعته.
إخواني: هذه الأيام من أيام الله، أكرمنا الله بها لنحج بيته الحرام، ونقف في مشاعره العظام؛ لنذكر اسم الله، ونشهد منافع لنا في دنيانا وآخرتنا، فأهلاً بكم من إخوان آخى الإسلام بيننا، وجعل وجهتنا وقلوبنا خمس مرات في اليوم والليلة تتجه إلى هذا البيت العتيق، فنسأل الله الذي ولى وجوهنا شطر هذا البيت أن يجمع قلوبنا على ما يرضيه، ويعز به الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إخواني، أجد من الواجب علي في مثل هذه الأيام المباركة أن أنادي إخواننا، وأدعوهم بدعوة إبراهيم الخليل، التي دعا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في إخلاص العبادة لله وحده، فندعوه ولا ندعو غيره، ونعبده ولا نعبد غيره، ونستعين به كما أمرنا إياك نعبد وإياك نستعين، لا نعبد سواك، ولا ندعو غيرك، ولا نستعين إلاَّ بك، هذا الذي أدعوكم ونفسي إليه، وأسال الله أن يثبتنا على دينه، وأن يأخذ بنواصينا إلى الإيمان الصادق، ويحجزنا عما نهانا عنه من شرك أو ضلال أوبدعة.
إخواني، اجتمعتم في هذا البلد الأمين من كل فج عميق، كل منكم يحدوه الإيمان بالله وحده كما يحدوه التعارف إلى إخوانه المسلمين، والتعاون معهم على البر والتقوى فيما يحفظ للإسلام كيانه، وللمسلمين عزتهم وسيادتهم التي نص سبحانه وتعالى عليها في كتابه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ .
أخواني، إن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كانوا، ولا يزالون، يجاهدون ويجالدون أعداءهم الذين يتربصون بهم الدوائر، من رجال الاستعمار وأتباعه، وليس لنا في هذه الموقف إلاَّ الثبات والاعتصام بكتاب الله، والصبر على الشدائد، وأن يشد بعضنا أزر بعض، حتى نتمكن من القضاء على كل من يريد بأي بلد من البلاد الإسلامية والعربية سوءاً.
إخواني، إن القوة التي يجب أن نعتصم بها هي الإيمان الصادق، والعقيدة الراسخة، واليقين بالنصر من عند الله، وإن نبذل جهدنا لإزالة الخلافات التي تفرق صفوفنا، وتطمع فينا الأعداء.
إخواني، إن مشاكل المسلمين والعرب غير خافية على أحد منا، فهؤلاء إخواننا أهل فلسطين، لا يزال لاجئوهم في العراء، يقاسون آلام الحرمان، وهؤلاء إخواننا في الجزائر يجاهدون ويقاتلون بثبات وإيمان صادق شهد لهم به العدو قبل الصديق، وهؤلاء إخواننا في جنوب الجزيرة، وفي جنوبها الشرقي يقاسون من الاستعمار ما ليس بخاف عليكم.
وهناك مكائد وحبائل تحاك في السر والعلانية من أعداء الإسلام والعرب من الصهيونية العالمية، التي سخرت قوى الاستعمار في جميع أنحاء المعمورة لمصالحها وأغراضها، وتسلطت على الدول الكبرى؛ لترغم العرب على أن يقروا لهذا المغتصب بحق الاغتصاب، وأن نعترف للمجرم بجرائمه، وعندما قامت هذه الحركات الصهيونية الأخيرة بمناوراتها إزاء باخرة عربية، ظناً منها أنها ستدرك أغراضها بالدس والمؤامرات، وجدتنا في صف واحد نقاوم بكل قوانا هذا العدوان الأثيم، وهذه المؤامرات المكشوفة، فأرتدوا على أعقابهم خاسرين حينما تبين لهم أن العرب عند الشدائد والمحن يد واحدة، وأنه عندما يدعو الداعي للقيام بواجبهم أجابوا غير هيابين ولا وجلين.
إخواني، هذا مثال بسيط أذكر فيه كل مسلم وعربي، وأضعه أمام أصدقائنا وأعدائنا؛ ليعلموا أن العرب والمسلمين يعرفون واجبهم عند الشدائد والمحن، إن كل ما أرجوه من كل مسلم وعربي أن يراقب الله سبحانه، وأن يعمل على جمع الصفوف، ومقاومة الاستعمار، والعمل للمحافظة على مبادئ الإسلام الدينية والاجتماعية؛ فإن فيها النجاة، والحياة السعيدة والرغيدة في الدنيا والآخرة.
إخواني، إنه لا يوجد أي مبدأ من المبادئ السامية العالية الكفيلة بسعادة البشر لم يكفلها ديننا، من أجل ذلك رضينا بالله رباً، وبمحمد صلوات الله وسلامه عليه نبياً ورسولاً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن دستوراً لا دستور لنا سواه، ولا هدى لنا إلاَّ هدى نبينا صلوات الله وسلامه عليه. انظروا ما فعل الإسلام بمتبعيه. قال صلى الله عليه وسلم: بعثت للأسود والأحمر . وبلال الحبشي وصهيب الرومي لهما من الحقوق وعليهما من الواجبات ما لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. هذا بينما الذين يدعون الكمال في المدنية ينكرون على صاحب اللون أن يكون له من الحقوق ما لهم، فديننا والمبادئ السامية التي علمنا إياها نبينا العربي القرشي صلوات الله وسلامه عليه، لا تحتاج زيادة عليها لمستزيد، نأخذها ونتبعها، ونعض عليها بالنواجذ.
وعلى كل منا أن يعمل في محيطه، للمحافظة على مبادئ الإسلام وقواعده، وعلينا أن نقوي عزائمنا في الثبات لمساعدة إخواننا الذين يرزحون تحت براثن الاستعمار، وأن نجمع كلمتنا، ونوحد صفوفنا، فإن الاختلاف لا يزيدنا إلاَّ ضعفاً، وأن الوفاق قوة وباس لنا، وإني أدعو الله في هذا الموقف كما دعوته في العام الماضي والذي قبله أن يكون عوناً لإخواننا أهل فلسطين ليثبتوا ويصبروا ويصابروا؛ حتى يقيض الله لهم الرجوع لأوطانهم سالمين غانمين، حكاماً مستقلين في ديارهم بعد إخراج العدو المغتصب منها، وأن يؤيد إخواننا أهل الجزائر والجنوب العربي بنصر من عنده؛ لتعود بلادهم خالصة لهم. كما أساله تعالى أن يأخذ بيد كل بلد إسلامي أو عربي يسعى لنيل حريته واستقلاله، أرجو الله في ختام كلمتي هذه في هذا الموقف أن يجعل حجنا مبروراً، وسعينا مشكوراً، وأن يعيدكم إلى أوطانكم سالمين غانمين برضوان الله وبرحمته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ام القرى