خطاب الأمير سعود لأبناء شعبه في مكة المكرمة

إخواننا أبناء بلادنا المقدسة
لم تطاوعنا أنفسنا أن نغادر بلادكم، الحرمين الشريفين، دون أن نودعكم، محيين فيكم تلك العواطف النبيلة، شاكرين لكم، من صميم قلوبنا، ما لقيناه منكم على اختلاف طبقاتكم، من حفاوة بالغة، وإخلاص صادق، في حلنا وترحالنا، منذ وجودنا بين ظهرانيكم. أغادر هذه البلاد المشرفة، التي عظمها الله بأن جعل فيها الكعبة بيته الحرام، قبلة خالدة للمسلمين، وفرض حجها ووضعها مكاناً مباركاً، وهدى للعالمين، وكرمنا، فوق ذلك، بأن اتخذ منها منزلاً لوحيه وكتابه، ومنبثقاً لنور رسالته. أجل أغادر هذه البلاد المقدسة الحافلة بأقدس الذكريات، وأجمل مشاعر الله، وقلبي مفعم بالحمد والثناء عليه، تعالى، على ما يسر لنا من أداء فريضة الحج، مع ما من به علينا من عون وتوفيق، لاستتباب وسائل الأمن والصحة والراحة لحجاج المسلمين، مما مكنهم من أداء مناسكهم، على أحسن ما يرام. ولن ننسى ما قام به أبناء هذه البلاد، من مساعدة لنا، تجاه إخوانهم الحجاج، مقدرين لهم ذلك أحسن تقدير، آملين منهم أن يكونوا على الدوام، عوناً لحكومتهم، فيما أخذته على عاتقها، من واجب الأعمال، والإصلاح في جميع مرافق البلاد الحيوية؛ لتعيش في عز ومنعة، وتنهض إلى المستوى اللائق بكرامتها، بين الأمم والعالم. وإذ نودعكم في هذه الساعة، نود أن نؤكد لكم أن زيارتنا لهذه البلاد المقدسة، وشعوركم الحي، الذي أظهرتموه نحونا، خلالها، قد أحدثا في نفسي أبلغ الأثر، وعادت علينا تلك الزيارة، التي طالت مدة خمسة أشهر، بأنجع الفوائد، حيث مكنتنا من الاجتماع بكم، مراراً، ومن التعرف بأحوالكم كثيراً، ومن درس حاجات البلاد عن كثب، ومشاهدة ما يسهل لنا أن نخطو خطوات عملية، في إصلاح حالة بلادنا. ولا يمكننا أن نكتم عليكم، أننا كلما شعرنا بدنو هذه الزيارة، كلما اشتد ألمنا. غير أن ما تخللها، من آثار الغبطة والابتهاج، وفوائد الخبرة والاطلاع، مما يخفف عنا وطأة البعاد. خاصة وإننا مغادرون بقعة مباركة، إلى بقعة سعيدة أخرى منها، ومودعون إخواناً كراماً هم منا بمنزلة عين عزيزة لنا؛ لنلتقي بإخوان كرام آخرين، هم منا بمثابة عين عزيزة أخرى وكلهم في نظرنا سواء، وشعورنا بالواجب نحوهم واحد، وكلاهما كتلة متراصة، ولله الحمد، يمد بعضها بعضاً تسند إحداهما الأخرى، تربطهما رابطة الأخوة الإسلامية، يجمعهم كتاب واحد، يردهم إلى خالق واحد، ورسالة سامية واحدة. ولم ندخر وسعاً، من جانبنا، لعمل الخير لجميعهم، وإعمار بلادهم، تحت رعاية جلالة الملك المعظم، حفظه الله، وحسن توجيهاته.
��������� وسنصل، بإذن الله، إلى تحقيق ذلك، ما بقينا متضامنين، حكومة وشعباً، ومادامت قلوبنا سليمة، ونفوسنا صالحة، لا رائد لنا سوى الإيمان بالله والصالح العام. ونختم كلمتنا هذه، بأن أهيب بكم إلى اتباع خير وسيلة لسعادتكم الدنيوية والأخروية، وهي التمسك بدين الإسلام، والاعتصام بأحكام القرآن. هو النور الهادي، والمرشد الأمين، والداعي إلى الحق والعدل، وهو الذي يرسم لنا طريق الحياة السعيدة، وسبيل الإصلاح و الفلاح والسلام الدائم. وأخيراً، لا بد لنا من أن ننوه بلسان التقدير والإعجاب، بما أبداه إخواننا أبناء هذه البلاد، في مختلف الفرص، من شعور عميق، يفيض بالحب والإخلاص، لجلالة مولانا الملك المعظم، أعزه الله، وأبقاه ذخراً ثميناً لبلادنا المحبوبة خاصة، وللإسلام والعرب عامة. والسلام.
ام القرى