افتتاح الدورة الأولى لمجلس الوزراء في الرياض

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد إليكم الله، الذي بفضله تتم الصالحات، وبعونه وقدرته تنجح المساعي، وتحقق الآمال، ونصلي ونسلم على نبينا محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي جاءنا من عند الله بما كفل لنا خير الدنيا والآخرة.
أما بعد: فكل منا قدر ويقدر مقدار الفاجعة العظمى التي فجعنا بها بوفاة مجدد مجدنا، وباني أساس دولتنا الوالد العزيز عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، قدس الله روحه، وتغمده برحمته، وجعل مثواه جنات النعيم، فلقد أعاد لنا، بفضل الله، مجد آبائنا وأجدادنا، وأسس دولتنا، فكان لها مركزها بين العالمين، كما كان له، رحمه الله، من المنزلة في العالم ما تعلمون، وإن ما تركه لنا من التراث من السمعة العظيمة في محافل العالم نعتبره ركنا من أركان مفاخرنا، تتحدث به الأيام والعصور، ولقد كان عزاؤنا الوحيد، بعد هذه الفاجعة، ما من الله به علينا، إذ وهبنا فضيلة الصبر والتجلد في ساعة الفاجعة، فلم يذهلنا هول المصاب عن الواجب للسير في الخطي التي رسمها لنا، رحمه الله، وقد واسى جراح قلبنا ما رأيناه من التفافكم حولنا، وشدكم أزرنا، ومبايعتكم لنا بقلوبكم قبل أيديكم، وما أحاطنا به الشعب من تأييد ومبايعة على السمع والطاعة، على سنة الله ورسوله، وهذا يذكرنا بما فعله أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الخلفاء الراشدين، فكان ذلك العزاء الوحيد لنا، ولكم، ولشعبنا، وكان حافزاً جديداً حدانا إلى مواصلة الليل والنهار؛ للعمل على ما فيه النهوض ببلادنا، وإسعاد شعبنا.

لقد كان همنا، منذ تولينا مقاليد الأمور، أن نعتصم بكتاب الله، ونهتدي بهدى رسول الله، وسنة خلفه من السلف الصالحين، ثم نتبع سيرة والدنا العظيم في السياسة والإدارة، وفي كل مجال من مجالي الإصلاح سلك سبيله، وفتح لنا طريقه؛ لنتعهد ما شيد، ونتم ما بدأ فيه من أعمال، ونقوم بكل ما نستطيعه لما فيه مصلحة بلادنا وشعبنا. لقد جعل الإسلام الأمر شورى بين المسلمين، فأول ما عقدنا العزم عليه هو أن نجعل منكم، إخواننا وأبناءنا ووزراءنا، موضع ثقتنا ومشورتنا؛ لنتعاون معكم على النهوض بأعباء الحكم في هذه البلاد، فأنشأنا هذا المجلس "مجلس الوزراء" ليكون مصدراً لجميع أعمالنا التي نقوم بها في خدمة هذه الدولة، وسيكون أي عمل في الدولة مصدره ومرجعه منكم، وإليكم، على أساس ما يقوم به كل منكم من أعباء، وكلنا الأمر فيها إليه طبقاً للأنظمة المقررة له، وإننا لننتهز هذه الفرصة الأولى لافتتاح هذا المجلس الموقر؛ لنرسم لكم، ونبين المنهاج الذي سنسير عليه في حياتنا المقبلة بحول الله وقوته.

1- إن أول ما يهمنا جميعاً هو الاعتصام بحبل الله المتين، وأن نتخذ من الوسائل في داخل بلادنا ما يمكن روح التوحيد الخالص في قلوب أفراد الشعب كافة؛ حتى يخلص الجميع العبادة لله وحده، وسنسير في ذلك بهدي كتاب الله في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة في كل مجال، وعلى الأخص في المدارس. وسنحرص بحول الله على مراقبة ذلك، وحث الناس على كل ما يأمر به الشرع الإسلامي، ومنعهم عن كل ما ينهى عنه؛ لأن في ذلك خير الدنيا والآخرة، ولأنه ليس شيء من الخير إلا دعا له الإسلام؛ وليس شيء من الشر إلا ونهى الإسلام عنه.
2- أما سياستنا الخارجية فإننا نترسم فيها خطي والدنا العظيم، وأول ما يهمنا فيها هو العمل على جمع كلمة العرب، وتأييد مصالحهم في جامعتهم ضمن ميثاقها، وضمن معاهدة الدفاع المشترك. وقد أبلغنا الوفد الذي مثلنا في جامعة الدول العربية، في أول اجتماع لها بعد استلامنا مقاليد الحكم، أن يعلن عزمنا الأكيد على مناصرة العرب، والتعاون معهم في أي ميدان، وفي أي مجال ممكن لمنع العدوان عنا جميعاً، والتعاون على تحقيق ما فيه الخير والمصلحة لنا جميعاً، ونحن سنسير بعون الله في دعوة البلاد العربية كافة لجمع كلمتها، وتوحيد قواها لما يجمع شمل العرب، ويحفظ استقلالهم، ويرد غائلة العدوان عنهم من أي جهة كانت.
وقد تسابقت وفود أكثر الدول العربية الشقيقة إلينا؛ لتعزيتنا وتهنئتنا، ومشاركتنا الضراء والسراء، فلاقينا من مواساتهم ما أشعرنا أن المصاب كان مصابنا جميعاً، وقد انتهزنا هذه الفرصة فتبادلنا الآراء والأفكار معهم لما فيه مصلحة العرب. وكان آخر ذلك ما سعدنا به من زيارة حضرة صاحب الجلالة أخينا الملك حسين، الذي اجتمعنا به في "بدنة" حيث واسانا في مصابنا، وهنأنا بتولينا عرش مملكتنا، وتبادلنا شعور المودة والامتنان بيننا، وكذلك فإننا نشعر في قرارة نفسنا بالسرور العظيم للعلاقات الودية القائمة بيننا وبين الدول الإسلامية الصديقة؛ وأخص بالذكر منها دولة الباكستان التي قام رئيسها العظيم، السيد غلام محمد، بزيارتنا لمواساتنا في مصابنا، وتهنئتنا بارتقائنا عرش هذه المملكة، ولتأييد صلاتها الودية، وتعاوننا مع حكومة باكستان الصديقة العزيزة. وإنه ليسرنا أن نقوم بكل عمل فيه جمع لكلمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كلنا يعلم ذلك السرطان، الذي أنشئ في جسم البلاد العربية، فقام بأفظع ما عرفه التاريخ من الإجرام حيث قتل وشرد ما يقرب من مليون مسلم عربي من فلسطين، ذلك السرطان هو الصهيونيون من اليهود، الذين عرف التاريخ إجرامهم منذ القدم حتى اليوم، وهم لم يكتفوا بما قاموا به من إجرام، بل إنهم يعدون العدة لعدوان جديد على البلاد العربية، تمثلها اعتداءاتهم المتكررة على حدود البلاد العربية المجاورة لهم، وهم في وضعهم الحاضر لا يهددون البلاد العربية المجاورة لهم فحسب، بل يهددون العرب في بلاد العالم كله. ونستطيع أن نقول أكثر من ذلك، فإنهم يهددون الإسلام والمسلمين في أقطار الأرض كافة، ونحن عاملون مع الدول العربية، ومع من يتفق معنا من الدول الإسلامية الدفاع عن أنفسنا ضد هذا العدوان، والله ناصرنا بحوله وقوته.
إن سياستنا العامة، خارج نطاق الدول العربية، هي السعي الدائم لتحسين علاقاتنا السياسية مع الجميع، وأنا، بعون الله، عاملون على تقوية هذه الصلات الودية مع كل الدول، التي تظهر الصداقة، وترغب فيها معنا.
وإننا آسفون أن تكون هناك مشكلة بيننا وبين الحكومة البريطانية الصديقة، لم نتمكن من الوصول إلى تسوية فيها حتى الآن، ونحن عاملون ما فيه الجهد للمحافظة على كياننا، وسيادتنا، وحقوقنا الموروثة بالتفاوض مع الحكومة البريطانية؛ لإنهاء المشكلة بالطرق السلمية، ولنا وطيد الأمل بالوصول إلى حلها بصورة ودية إن شاء الله.
3- لقد كان همنا تقوية جيشنا؛ وأنه عماد الدولة، وعليه، بعد الله، يتوقف حفظ كياننا واستقلالنا في الداخل والخارج؛ ولذا فإن الجيش سيخصص له قسم عظيم من الميزانية، ونحن نعمل في كل ميدان لإكثار عدد الجنود، وتدريبهم تدريباً فنياً، والاستزادة من الأسلحة اللازمة لهم.
4- لقد وجهنا عناية خاصة لما فيه خير شعبنا بمحاربة الجوع والفقر والمرض، ولقد عانت بعض مناطق بلادنا متاعب اقتصادية بسبب انحباس الأمطار، فعملنا على نقل قسم كبير من البادية إلى حواضر المدن، وعملنا على تأمين حاجتهم من العيش، ونحمد الله الذي حل هذه الأزمة بفضله بما من علينا من الغيث، الذي سيكون مساعداً لإزالة هذه الأزمة.
كما أننا اتخذنا من الترتيبات ما يساعد على مساعدة الفقراء في تأمين معائشهم، ونأمل أن المشاريع العمرانية التي سنقوم بها في البلاد ستوجد أعمالاً كثيرة تدر الخير على البلاد، وتوجد أعمالاً واسعة النطاق لسائر أفراد الشعب.
5- ولقد وجهنا عنايتنا أيضاً لرفع المستوى الصحي في البلاد، وقامت وزارة الصحة بإنشاء المستشفيات العامة والمستوصفات، وستقوم بكل ما في استطاعتها لمعالجة المرضى، ورفع المستوى الصحي، وبناء مستشفيات ومستوصفات في سائر أنحاء المملكة.
6- ولقد أنشأننا وزارة للمعارف للنهوض بالعمل على تعليم الشعب أمر دينه أولاً، ثم ما ينفعه في دنياه ثانياً، وسنخصص لها في الميزانية قسطاً كبيراً؛ لتقوم بنشر العلم في كافة أنحاء البلاد.
7- وكذلك أنشأنا وزارة للزراعة تعمل للنهوض الزراعي في أنحاء المملكة كافة، ولدينا، ولله الحمد، مناطق زراعية غنية، لا تحتاج إلا إلى المعاونة والتنظيم حتى تؤتي أكلها وثمرها؛ حيث تغذي بلادنا، ويمكنها أن تعاون في تغذية بلاد أخرى بعد ذلك، إن شاء الله.
8- ولقد أنشئت وزارة المواصلات، وهي دائبة على العمل في النهوض بما عهد إليها به، وسيكون من مهامها تأمين المواصلات في أنحاء مملكتنا الفسيحة الأرجاء. ولقد تمت دراسة مد خط حديد من الرياض ماراً بالوشم، فالقصيم، فالمدينة المنورة، فجدة، ثم ينتهي في مكة المكرمة.
ولقد وضعت التصاميم اللازمة لهذا المشروع، وسيباشر العمل فيه؛ لأهميته الحيوية في أول فرصة ممكنة، ولقد كان أهم ما فكرنا فيه تأمين المواصلات بيننا وبين البلاد العربية؛ فاتصلنا بحكومتي الأردن وسورية الشقيقتين؛ لإعادة سكة حديد الحجاز، فاستجابت الحكومتان لدعوتنا، وعقد في الرياض مؤتمر تم الاتفاق فيه على الأسس التي يعود الخط بموجبها إلى سيرته الأولى، وبعثنا بهيئة فنية لدراسة الخط ووضع تقرير عن تكاليف إصلاحه؛ لنتعاون مع الدولتين الشقيقتين على إعادته، وسنضع برنامجاً تدريجياً لافتتاح الطرق في مختلف أنحاء المملكة.
9- إن العمود الفقري للدولة، لانتظام مصالحها، والذي تقوم عليه الحياة العامة والخاصة، هو المال، وبغير تأمين موارد كافية للدولة، وبغير تنظيم مصرف هذه الأموال، لا يمكن أن يستقيم لنا أمر، أو ننجح في أي عمل عمراني أو تجاري أو اقتصادي.
وكلنا يعلم كيف تأسست وزارة المالية في هذه الدولة، وما هي الأعباء التي أرهقت كواهلها، وقد مر علينا وقت كانت كل أعباء المشاريع العمرانية والاقتصادية والزراعية والصناعية وغيرها، بل وحتى العسكرية أيضاً، على عاتق وزارة المالية، وهذا بالطبع حمل تنوء به العصبة أولو القوة، فضلاً عن فرد أو أفراد. لذلك أخذنا على عاتقنا تخفيف الأعباء عن هذه الوزارة، وجعلها وزارة للمالية بالمعنى الصحيح؛ بحيث تتولى جمع كل واردات الدولة، كما تتولى صرفها ضمن الميزانية المعتمدة، وما كان يجوز في السابق، لضيق الموارد، وقلة المشاريع العمرانية التي كنا نضطلع بها، لا يجوز اليوم بعد اتساع الموارد، وتعدد المشاريع العمرانية التي ينبغي النهوض بها، لذلك أمرنا بإعداد ميزانية للدولة تعرض على مجلسكم لمناقشتها وإقرارها، وأمرنا بجعلها ثلاثة أقسام، قسماً لموازنة دوائر الدولة ومصالحها، وقسماً ثانياً يخصص للمشاريع الإصلاحية العمرانية التي ستعرض على مجلسكم لإقرارها، وقسماً آخر للاحتياط والطوارئ.
10- وبالنظر لرغبتنا في تعاون شعبنا معنا، في كل ما يتعلق بما له مصلحة فيه، أمرنا أن يكون في كل بلدة من بلداننا مجلس إداري، يجتمع برئاسة أمير البلدة، وقاضيها، مع رؤساء الدوائر، ووجهاء البلدة؛ لبحث الأمور، التي تتعلق بمصلحة البلد نفسها، ضمن نظام مخصص لذلك.
كما أمرنا بتعميم تأسيس مجالس بلدية، تنظر في الشؤون البلدية؛ للنهوض بكل بلدة بما يصلح شأنها، ويقوم عمرانها.
وبالإضافة إلى ذلك فقد قررنا وضع برنامج مستقل، موزع على سنوات خمس، للمشروعات الكبرى للإنشاء والإصلاح والتعمير. وسيعرض عليكم عند إعداده للمناقشة، والموافقة عليه، إن شاء الله.
ولتأمين سير العمل بدقة أمرنا أن يؤسس، بين دوائر هذا المجلس، ديوان للمحاسبة العامة، سنكون نحن المرجع الأعلى، وسيتولى أمر هذا الديوان مراقب عام بصلاحيات نص عليها في نظام هذا المجلس، يراقب جميع واردات الدولة، ومصاريفها. كما أمرنا تشكيل ديوان تابع للمجلس سميناه "ديوان المظالم"، وسنحيل إليه كل شكوى ترفع إلينا، وكل مظلمة نراها، أو نخبر عنها؛ لإعطاء كل ذي حق حقه، وليطمئن شعبنا بأفراده وقبائله أن بابنا مفتوح لسماع شكواه، وإنصاف مظلومه.
وقد أمرنا بإنشاء شعبة في هذا المجلس للخبراء؛ لمعاونة المجلس في النواحي الفنية لنشاط الدولة.
والذي نبتهل به إلى الله سبحانه، وندعوه مخلصين، هو أن يمدنا بعونه وفضله وتوفيقه للوصول إلى أهدافنا، فيما يصلح أمرنا في دنيانا وآخرتنا، إنَّه تعالى سميع مجيب، وهو نعم المولى، ونعم النصير.
والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.
ام القرى