شعبي العزيز:
أحييكم بتحية الإسلام … وأجد من واجبي في هذا اليوم الذي نودع فيه العام الثاني ونستقبل العام الثالث من توليتي لمقاليد الأمور في هذه المملكة العزيزة - أن أتوجه بقلب خالص لله بحمده ، وشكره على نعمائه علينا وعليكم من هذا الأمن الشامل والتوفيق الذي وفقنا فيه للقيام بما في وسعنا لما فيه مصلحة بلادنا وشعبنا ، ومصلحة العرب والمسلمين ، وما كان لنا لولا توفيق الله وفضله أن نجتاز هذه المراحل من الإصلاح والعمل الدائم لما فيه مصلحة شعبنا وبلادنا.
فقد كان من فضل الله علينا أن تمكنا من توسعة الحرم النبوي الشريف ، والمبادرة لتوسعة الحرم المكي ، والعمل على فتح الطرق بين المدن والقرى ، وتفجير المياه وتحسين الزراعة ، وتسهيل العمل لكل عامل ، وتنمية التجارة ، وتيسير وسائل العيش للشعب.
كما قمنا بتنظيم الأمور الطبية ، وإنشاء المستشفيات والمستوصفات وكذلك إنشاء المعاهد الدينية والعلمية والمدارس والكليات في شتى أنحاء البلاد وقمنا بما هو واجب علينا ، من رعاية المنكوبين ، ومواساة الضعفاء في البلاد.
وسعينا في كل مجال لإنعاش الجهاز الحكومي ، وتنظيمه بتأسيس مجلس الوزراء لينظر في تصريف شئون البلاد المختلفة.
ونظمت للبلاد ميزانية مالية تمكنا فيها من موازنة الدخل والخرج واحتفظنا باحتياطي للطوارئ . كما أن أمامنا مشاريع كثيرة عمرانية ضخمة لازدهار البلاد وتقدمها.
وإن نعم الله علينا في هذا أكثر من أن تحصى . وكل ما علينا في مثل هذا الموقف هو شكر نعمة الله والاستزادة منها.
وأجد من واجبي في هذا الموقف . أن أوصى نفسي وشعبي بتقوى الله ومراقبته في السر والعلانية ، والتزام شرائعه في القيام بما أمر به واجتناب ما نهى عنه ، ليكون ذلك مدعاة لرضاء ربنا ، وسبباً في معاونتنا.
لقد كان سعينا لا صلاح بلادنا بكل ما نستطيع من وسائل . ولم يكن شئ من ذلك مانعا لنا عن العمل السياسي المجدي لما فيه مصلحة العرب ، وجمع كلمتهم بعقدنا مع شقيقتنا مصر - زيادة على ما بيننا وبينها من صلات سياسية واقتصادية. كان لها الأثر الفعال في حياة البلدين - اتفاقاً عسكرياً . كان حلقة قوية في تقوية دفاع العرب ضد أي عدوان أو اعتداء ، يراد به بعد الحلف العسكري الذي كان بين مصر وسوريا . وكذلك مساعينا مجدية وإيجابية مع شقيقتنا سوريا.
شعبي العزيز:
لقد علمتم ما كان من العدوان الغادر من حكومة بريطانيا على أطراف مملكتنا واحتلالها لمنطقة البريمى بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار . لم نعلم لذلك سبباً ، فقد كنا أوفياء بعهودنا – حينما عقدنا اتفاقية التحكيم معهم . ولكنهم نقضوا اتفاقية التحكيم بأنفسهم في مناسبات عدة من ضغط واستعمال القوة ، وإرهاب الآهلين بشتى وسائل الإرهاب ولكن أعيتهم الحيل للوصول لأغراضهم وأهدافهم ولم نعلم سبباً موجباً لأن ينقض الإنكليز عهودهم ومواثيقهم ، ولم أجد تعليلا لهذا إلا أنهم ضاقوا ذرعاً بنا فلم يتمكنوا من أن يجعلونا متكأً لهم في أغراضهم الاستعمارية ، وأغراضهم الحربية ، التي لا تتفق مع مصالح بلادنا ، ولا مصالح المسلمين والعرب ، فقد دعونا للدخول في أحلافهم . ودعونا أن نسير في ركابهم فأبينا إلا أن نكون في ركاب المصالح العربية الإسلامية ، غير عابئين إلا بما يمليه علينا صالح ديننا ، وبلادنا وعروبتنا فبيتوا هذا العدوان لنا انتقاماً من " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " .
هذا ولا يفوتنا أن نشير هنا بصورة وجيزة ، لما قمنا به مع الإنكليز في وقت نشوب الحرب العالمية ، إذ فتحنا لهم بلادنا لمساعدتهم وقمنا بتأييدهم بكل ما كان في إمكاننا وقد عرضنا بلادنا للانتقام ، إذ كنا لا نملك أي مدفع مضاد للطائرات ، أو طائرة مقاتلة تدفع عنا صولة من يعتدي علينا ،كل ذلك كان مروءة منا ، ووفاء للصداقة التقليدية التي تربطنا بهم.
وكان جزاؤنا من هذه الصداقة ، وهذا الوفاء انتهاك حرمة بلادنا والاعتداء على كياننا في الوقت الذي يدعون فيه محبتهم للسلام ، وتأييد ميثاق هيئة الأمم ومجلس الأمن.
وإننا لنهيب بالشعب البريطاني ، بأن يعي ما قلناه ويتساءل عن الحقيقة ، وما تنسبه حكومته إلينا من اتهام باطل وما قامت به ضدنا من أعمال ، ثم يوازن بين الاثنين ، كما أننا نزلنا على رغبتها بقبول التحكيم بعد ما كنا نصر على الاستفتاء ، كل ذلك رغبة منا للوصول إلى حل شريف ودي معها ولا زلنا نبغي التحكيم إذا أعيدت الأمور إلى ما كنت عليه بالبريمى قبل الحادث الغادر.
شعبي العزيز:
لقد أبهج قلبي ما لقيته من حماس وغيرة ، واستعداد للتضحية أمام هذا الاعتداء الغاشم ، وإننا لعاملون بحول الله وقوته ، لإرجاع حقوقنا كاملة غير منقوصة مستنفذين الوسائل السلمية للوصول لأهدافنا ...
وسنعمل في كل مجال لرد العدوان عن بلادنا ... بكل ما نستطيع من جهد وقوة...
هذا وأن تلك الاعتداءات التي مازال اليهود يقومون بها على البلاد العربية المتاخمة لفلسطين ، قد أثارت اهتمامنا ، وشدت عزيمتنا على المضي في الاستعداد لكل عون يتطلبه الموقف إذا حزب الأمر.
وأرجو الله أن يمن علينا وعليكم بهدية وتوفيقه ، وأن يجمع كلمتنا مع إخواننا العرب والمسلمين لما فيه عزنا جميعاً ، ولما فيه دفع العدوان عنا جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله؛
ربيع الأول 1375 - نوفمبر 1955
الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر
فؤاد شاكر