خطاب الملك سعود بمناسبة مرور ثمان سنوات على تبوئه عرش البلاد 1961م

– وأحاطت بجلالته قلوب الملايين من مختلف الطبقات في المدن والصحارى وفي القرى النائية والقريبة وتوجهت إلى الله العلى القدير مبتهلة إليه جل وعلا أن يعينه على الخير ويمده بالنصر ويأخذ بيده له البطانة الصالحة ، ويهديه إلى كل ما يحبه ويرضاه . ويختار الصراط المستقيم .

ومضى العام تلو العام وفي كل عام بل وفي كل شهر وأسبوع ويوم وليلة يتلقى الشعب بشائر التقدم والإصلاح ويرى بأم عينيه شواهد البناء والتعمير والتنمية وتطور البلاد من حسن إلى أحسن في جميع المرافق والمصالح والمشروعات التي لم تعد خافيه على أحد في الداخل والخارج – فشمل ذلك التعليم بمختلف مراحله العالية والمتوسطة والابتدائية والتحضيرية. واستوى في ذلك البادية والحاضرة والجيش وأسلحته وكتائبه وأفواجه برا وبحرا وجوا . والطرق في الشمال والجنوب والشرق والغرب . والمواصلات برقا وبريدا واتصلت أمهات المدن بالقرى وبالعالم العربي والإسلامي وتجاوز ذلك إلى العالمين القديم والجديد في شتى بقاع الأرض ومن وراء البحار.

وكذلك الصحة .. فأقيمت وشيدت المستشفيات الكبرى والمستوصفات وأعدت جميع أسباب العلاج وانتشرت وسائله لا في البلاد الكثيرة السكان بل تخللت سيارات الإسعاف والمعالجة بطون الأودية ورؤوس الجبال في أقاصي البادية متجولة في كل قبيلة وعشيرة تيسيراً لها وتخفيفاً عن أن يتكلف المرضى الحضور إلى العواصم والمدن البعيدة عن قراهم وربوعهم الشاسعة والممتدة آلاف الأميال عبر الصحراء.

وعممت المدارس والمساجد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. وجعل التعليم والعلاج ( مجانيا ) وبذلت الأموال الطائلة في سبيل تشجيع الطلاب وضوعفت البعثات إلى البلاد الخارجية للتخصص في مختلف فروع الحياة . من عسكرية وبوليسية وطبية وأدبيه واجتماعية واقتصادية وحقوقية ، وانطلقت الجموع الغفيرة من عامة الشعب وخاصته ينهلون من معين لا ينضب للتثقيف والتشييد وكلهم شوق وتلهف لبناء مجتمع مثالي رفيع يقدر رسالته في رفع منار الدين الحنيف وحفظ كيان البلاد المقدسة ومواكبتها لركب الحضارة السليمة من أوضار التحلل والإباحية والرجوع إلى ما كن عليه السلف الصالح في صدر الإسلام من عزة وكرامة وصلاح وفلاح وضوعفت العناية بتوفير حياة أنهض ومجتمع أرقى مع المحافظة على الحدود الشرعية والشيم والأخلاق العربية الأصيلة.

ويضيق بنا المقام لو ذهبنا نحصى ثمرات هذه الجهود الكبرى المتواصلة التي قامت بها حكومة حضرة صاحب الجلالة أيده الله خلال الأعوام الماضية القليلة حتى ليحسب المعقب أن ما تم حتى الآن ما كان يمكن أن يرى في فترة زهيدة لا تعد شيئا مذكورا في أعمار الأمم والشعوب . ومن ذلك هذه ( الصحافة ) التي أخذت مكانها في موكب الجهاد على طريق لا حب لا بنيات فيه ولا ثنيات !! وإنها لمفخرة بمظهرها ومخبرها وأهدافها ومنها المجلات العلمية والأدبية والعسكرية والبوليسية والتجارية وحسبي دليلا عليها هذا العدد من هذه الصحيفة التي تحمل أكرم الأسماء وتحيى تراث العرب القدامى في " سوق عكاظ " يوم كان هذا السوق مباءة للشعراء والأدباء وأصحاب اللسن وأرباب البيان من قبائل عدنان وقحطان يتناشدون فيه بمفاخرهم ومآثرهم وإنتاجهم الخالد العتيد.

وفي مجال العمران – شيد جلالته وجدد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة وجدد " الصفا والمروة " والمسجد الحرام بمكة المكرمة ودعم ( بيت الله العتيق ) بمقادير لا تحصى من ملايين الريالات ولا تخطر على البال لعظمها وضخامتها مؤثرا بذلك المشاعر الحرام .. ومهابط الوحى .. والمجد الخالد .. وابتغى بذلك وجه الله أولا ثم خدمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وأنه لعمل ضخم عظيم لم ينهض به حتى اليوم منذ ألف وأربعمائة حول خلت غير " سعود " ابن عبد العزيز . حفظه لله .. وأيده بروح من عنده.

وفي مجال الإصلاح الداخلي أخذت البلديات وأمانه العاصمة بمكة والرياض تحث الخطى نحو التكامل والتطور والتنظيم بما لا يجحده المنصفون والشهود العدول من كل أمة وتحدث بذلك واثني عليه القريب والبعيد ووفود الحجيج القادمة والعائدة بحيث أصبحت الأوضاع السائدة والمشاريع القائمة محل إعجاب الجميع وتقديرهم دون مجاملة أو مصانعة .. وهي في تقدم مضطرد حتى تبلغ الغاية من ذلك بعون الله وتوفيقه وبرعاية ولاة الأمور والناصحين العاملين من رجالنا المخلصين وفي مجال تمهيد سبل الحج وتوفير وسائل الراحة والطمأنينة والانتقال المريح .. والإقامة الهانئة الراغدة لم تأل حكومة جلالته في بذل الملايين العديدة في تعبيد الطرق وإنشاء المظلات وتيسير المناهل والمنازل والفنادق والمنازه والمدن الخاصة بنزول الحجاج برا وبحرا وجوا – واحاطتهم بما لا عهد لهم به من قبل من الرعاية والعناية والحفاوة والتكريم . على اختلاف بلدانهم وأجناسهم ولغاتهم ..

وبالرغم من الازدحام الذي يلازم اجتماع اكبر عدد من الحجاج من شتى بقاع الأرض . فإن تقدم الحركة والمرور والمواصلات قد ضمن ولله الحمد والمنه سلامتهم وأمن حاجتهم وجعل كل حاج مطمئنا إلى أنه يمارس شعائره ويؤدى مناسكه في جو هادئ أمين .. وأية مقارنة بين ما كانت عليه الحال قبل هذا العصر السعودي الزاهر وبين ما كان يقاسيه الحاج في الاراضى المقدسة من الشظف والخوف والظمأ..

والكرب العظيم .. تظهر بوضوح مدى التطور الحثيث والتقدم الملموس في كل ما يمت بالحج والحجاج بصلة .. ومع ذلك فالنية متجهة إلى زيادة الخدمات التي تجعل السبيل إلى أداء الفريضة ميسرة سهلة ممتعة.

لا في بطون الفيافي ولا في المدن الكبيرة فحسب بل وفي ( الموقف ) الأعظم ( عرفات ) فهى تشجر وتخطط وتقام بها أعمدة الكهرباء وأنابيب الماء.. والماء المثلج الذي يباح مجانا لك صادر ووارد.

كل ذلك من خزينة الدولة وعلى حسابها – ولا يؤخذ في مقابله قرش واحد من الحاج الذي كان يشترى قربة الماء في عرفات أو في المزدلفة أو في منى – بدينار – كما حكاه ابن بطوطة وابن جبير في رحلتيهما المعروفتين .

أما الأمن فحدث عن البحر ولا حرج ، فهو مضرب الأمثال في جميع الأقطار .وان المرء ليسقط منه الشئ الهين أو الضئيل – والثمن القيم – فلا يجسر احد على التقاطه من موضعه حتى يعود إليه صاحبه ويأخذه دون خوف أو وجل .. والويل للمعتدى أو المتطفل عليه أن مسه بسوء.. وهو ما لا تعرفه البلدان الراقية في كل زمان ومكان . وذلك إحدى ثمرات أقامه الحدود الشرعية – والاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه. وهي منة كبرى نحمد الله عليها – فما كا لأمن نعمة تشكر ( وما راء كما سمعا ).

وهناك حقول شتى منحتها حكومة جلالته اكبر الاهتمام . لتطوير الصناعة والزراعة والتعدين والتصنيع .. والإنتاج الثمر المفيد ، وإنها لتعمل في صمت وإصرار على تأمين " الاكتفاء " في كل ما تحتاجه البلاد من طعام وكساء ودواء ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وهي إلى ذلك لم تدع فرصة تمر دون أن تبذل قصارى الجهد في إعانة كل بلد عربي أو إسلامي من بلاد الله الواسعة . بكل ما أوتيت من قوة وحول وطول والشواهد على ذلك لا يجهلها بعيد أو قريب . ولم تزل تدعو إلى الله على بصيرة – وشعارها ( إنما المؤمنون أخوة ) . و" لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" ..

وقد أحيا جلالة الملك سعود المعظم وفقه الله سنة الاجتماع إلى مختلف وفود العالم الإسلامي والعربي في موسم كل عام .. واتاح لهم عقد مؤتمر الرابطة الإسلامية وتوطيد علائق المودة والقربى وصلات الأخوة النامية .. وتبادل الرأي فيما يصلح به حال كل بلد وكل مجتمع إسلامي والدعوة إلى الله ورسوله وإلى العقائد الصحيحة. والأخلاق الكريمة والتعاون على البر والتقوى وإزالة أسباب الفرقة والخلاف .. ولم يضن على ذلك بالمال والجاه والنفس والنفيس .. وقد وعد الله عباده الصالحين ودعاته المهتدين وحزبه المفلحين بالنصر والظفر والتعضيد والتأييد . ووعده الحق – وهو ولى المتقين . وان مواقف جلالته الخالدة في الانتصار لقضايا العروبة والإسلام وتضحياته الكبرى في ذلك لا يجحدها إلا مكابر حاقد .. ففي فلسطين وفي الجزائر وفي عمان – وفي كل بلد كابد وجاهد وكافح وناضل كان جلالته أول مبادر إلى إسعافه والى إعانته وإغاثته ونصرته بالغالي والرخيص . وما يريد بذلك ثناء ولا شكورا إلا الأجر العظيم ممن بيده ملكوت السموات والأرض وهو عليم بذات الصدور واليه عاقبة الأمور.

( وقل اعملوا ، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون – ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يهدى الله بك رجلا خير لك من حمر النعيم " وهذا شأن جلالته دائما وأبداً وفي الداخل وفي الخارج ، وقد بذل الكثير وما يزال يبذل في سبيل الله ما نرجو أن يزيد به علوا في الأرض وحسن ثواب الآخرة " وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وختاما نسأل الله العلي القدير أن يؤيده بنصره ويمده بتوفيقه ويطيل في عمره حتى تقر عيونه بما يحبه الله ويرضاه .. وان يحفظ سمو لي عهده العظيم رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز المعظم فهو عضيده ويمينه وسيفه المصلت على رقاب أعدائه ، وأنه للعلم الفرد والطود الشامخ والقائد الحكيم والسياسي المحنك والله لا يضيع اجر المحسنين . ونبتهل إليه تعالت أسماءه أن يلم بهما شمل العرب والمسلمين ويكف عنهم بأس الذين كفروا ويمحق المعتدين ، أنه نعم المولى ونعم النصير".

بقلم الأستاذ : أحمد بن إبراهيم غزاوى