آخر خطاب للملك سعود بمناسبة مرور عشر سنوات على تبوئه عرش البلاد 1964م



رجب 1383-1964م
"آخر خطب الملك سعود إلي شعبه "

الملك سعود يوجه كلمة إلى شعبه في الذكري العاشرة لإرتقائه العرش

شعبنا العزيز:-
أنه من دواعي سرورنا وغبطتنا أن نتحدث إليكم في هذا  اليوم الذي تحل فيه الذكرى العاشرة لتسلمنا مقاليد الأمور. ففي تاريخ الامم والشعوب مناسبات واحداث ترسم لها الطريق وتوضح المعالم في خط سيرها نحو ادراك امجادها وتحقيق اهدافها ومن الجدير بكل امة ناهضة أن تستذكر في هذه المناسبات ماقطعت من أشواط وحققت من مراحل وان تستعرض ماصابت من نجاح وما صادفت من عقبات في سيرها الدائب نحو أداء رسالتها فتتخذ من تجارب ماضيها عظة وعبرة لمستقبلها وتستمد منها طاقة متجددة في منطلقها نحو أهدافها .
وخير مانستهل به الحديث حمد الله على نعمه التي لاتحصى ثم الصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولقد كان من فضل الله أن من علينا بنعمة الصحة والعافية واعادانا إلى وطننا العزيز وشعبنا الوفي معافين سالمين لنتابع رسالتنا في خدمة الدين والوطن  فله الحمد والمنة وأننا  نستمطر شآبيب الرحمة على مجدد أمجادنا ومنشئ نهضتنا الوالد العزيز جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل جعل الله مثواه جنات النعيم وأبناء وطننا الأوفياء . أننا منذ أن شاءت العناية الالهية والبيعة العامة أن تؤول الينا مقاليد الأمور مازلنا عاملين على تصريف شؤون البلاد مهتدين بكتاب الله وسنة  رسوله والسلف الصالح فهل هناك مبادئ ندين بها في علاقتنا وتحكم سلوكنا اسمي من الاسلام الذي يمثل الحق والعدل في أروع صورهما . فنحن نتبع خطى منشئ المملكة جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله في إعلاء كلمة الحق والدين ونشر الوية العدل بين الناس وتحقيق الامن والاستقرار لهم وتهيئة أسباب الرفاهية  والتقدم للبلاد في كافة الميادين . ولقد كان من ثمار هذه السياسة أن انجزت الدولة في السنوات العشر الماضية العديد من المشروعات الدفاعية والثقافية العمرانية والصحية والزراعية والاجتماعية التي عاد نفعها على جماهير الشعب وادت الى رفع مستواه الصحي والثقافي والاجتماعي ولم تزل الدولة عاملة على الإستكثار من هذه المشروعات مستهدفة النهوض بالبلاد وشعبها والسير بهما حثيثا نحو مدارج التقدم والعمران والحق ان بلادنا العزيزة لاتسير حثيثا فحسب وانما هي تقفز قفزات واسعة جبارة وكأنها في سباق حضاري مع الزمن ونظرآ لما للاماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة في قلوبنا وقلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فقد عنيت الدولة بالنهوض بها وحرصت على عمارتها لتعود مبعث النور كما كانت في أيام السلف الصالح مصدر البر والهداية فاقامت فيها من المشروعات و العمارة ما تظهر اثارة بادية للعيان و نحن ماضون في تنفيذ المزيد من هذه المشروعات و الاستكثار منها حتى تصبح مرافق الاماكن المقدسة في مظهرها و في توفر اسباب اداء الفريضة و الزيارة جديرة بما لها من معنى روحي راسخ لدى المسلمين باق على الزمان . و استهدافاَ لنفس الغاية تم الاتفاق مع البلدين الشقيقين المملكة الأردنية الهاشمية و الجمهورية العربية السورية على اعادة تسيير خط سكة الحديد الحجازي تسييراً للحجاج و تنشيطاً للحركة التجارية . شعبنا الوفي ان هذه البلاد الاسلامية تحرص كل الحرص على توثيق اواصر المحبة و التعاون مع كافة الشعوب و خاصة البلاد الإسلامية في جميع ارجاء المعمورة و في كافة المجالات التي تخدم مصلحة الدين و الدنيا و لهذه الغاية ابتغينا كل وسيلة للاستكثار من الروابط مع تلك البلاد و الشعوب و تعاونت بلادنا و اياها على حل مشاكلها و ادراك امانيها وامالها القومية ما استطاعت الى ذلك سبيلا كما عملت على توطيد العلاقات الروحية و الثقافية و الاقتصادية بينها و بين المملكة العربية السعودية . و تبادلت معها البعثات التمثيلية و اوفدت اليها و استقبلت منها الوفود و ساهمت في انشاء رابطة العالم الإسلامي سبيلا لدعم هذه العلاقات و كشفا عن مجالات جديدة للتعاون المثمر للخير المشترك ثم انشأت الجامعة الاسلامية في مدينة رسول الله صل الله عليه و سلم و فتحت ابوابها لشباب البلاد الاسلامية من كل حدب و صوب وسيلة لبلوغ المستوى اللائق في علوم الدين الحنيف و التفقه في العلوم العربية و الحضارة الاسلامية و لم تزل حكومتنا ماضيه في هذا السبيل غير مدخرة جهد ولا ضانة بأية تضحية ادراكا للغاية المنشودة .

شعبنا العزيز : انه منذ قيام الدولة العربية السعودية قد اخذت حكومتنا في دعم علاقتها بدول العالم العربي و حرصت على زياداتها نموا و تثبيتا في جميع المجالات و كانت هذه البلاد حكومة و شعبا تواكب في كثير من العطف و التأييد الايجابيين سير النهضة العربية نحو استكمال اسباب مقوماتها  ولقد تعاونا مع الحكومات و الشعوب العربية تعاونا صادقا بناء في جميع الميادين على اساس المصالح المتبادلة في اطار احترام استقلال و سيادة كل دولة و نظامها الاجتماعي و السياسي و ساهمنا في اعمال جامعة الدول العربية سبيلا لنمو هذا التعاون و تعميق اسبابه و تبادلنا الزيارات مع كثير من روؤساء الدول العربية و عقدنا العديد من المعاهدات مع الدول العربية استهدافا لهذه الغاية ثم ساهمنا في نطاق الجامعة العربية و الامم المتحدة على تحقيق اهداف الشعوب العربية المكافحة لنيل حريتها و استقلالها و لم ندخر اي وسع في مساندة اخواننا العرب في كل كربة نزلت بهم ورد كل عدوان تعرضو له متحملين التضحيات عن طيب نفس صدورا عن شعورنا العميق بوحدة الام و امال و مصائر الامة العربية و لقد التزمنا دوما بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية و نظم الحكم فيها و ما طرا عليها من تغييرات باعتبار ان هذه الشؤون هي من صميم حقوق الشعوب وحدها فهي دون غيرها صاحبة الكلمة الاخيرة في  تقرير مصيرها على هدى مصالحها و اننا لنأسف اشد الاسف و الالم يحز في نفوسنا لما اصاب العلاقات العربية في الاونة الاخيرة من ترد و سوء حال لدرجة ان العربي اخذ يقتتل مع اخيه العربي و ان الدماء العربية الزكية احذت تسيل في اكثر من مكان في الوطن العربي مما صدع الجبهة العربية و باعد بينها و بين تحقيق امانيها في وحدتها المنشودة و امالها في العزة و المنعة و لقد عملنا منذ وقوع احداث اليمن في العام الماضي على حقن الدماء بين الاخوة الاشقاء و كان موقفنا من هذه الاحداث انها من صميم الشؤون الداخلية التي تهم شعب اليمن وحده و قد شجبنا كل تدخل خارجي في شؤون اليمن من اي مصدر آت و تمسكنا بضرورة وقف هذا التدخل منبهين للاخطار التي ينطوي عليها تفاقم الموقف في اليمن نتيجة لوصول السلاح و العتاد و المقاتلين من الخارج بكميات كبيرة . وقد تعرضت بعض اجزاء بلادنا للعدوان بسبب موقفنا هذا . ولما عقد اتفاق لفض الارتباط منذ حوالي ستة شهور التزمت حكومتنا باحكامه ولكنه لم يحترم من الجانب الاخر الذي وقعه . و رغبة منا في وضع حد لهذه الحالة الخطيرة و لوقف اراقة دماء الأشقاء الاعزاء علينا . فقد وافقت حكومتنا اخيرا على تمديد هذا الاتفاق لفترة شهرين اخرين استهدافا لوقف التدهل الخارجي في شؤون اليمن و ترك اليمنيين يسوون خلافاتهم الداخلية بانفسهم و يقررون الذي يرتضونه بمحض اختيارهم دون اي مؤثر خارجي و سعيا لتحقيق الامن و السلام في المنطقة و هي الامنية التي عملت حكومتنا و لا تزال تعمل جاهدة لتحقيقها و اننا لنناشد اخوتنا قادة العالم العربي ان يفضوا خلافاتهم و ان يعملو على لم شملهم و رأب صدعهم و افتتاح عهد جديد من التعاون المخلص و التكافل النزيه و التعاضد الحق المستمد من التراث الاسلامي الخالد الذي توارثه اهل الحق و النابع من فطرة الله التي فطر الناس عليها و اننا لنمد يد المحبة و الإخاء لاخواننا قادة العرب في كل مكان للتعاون و اياهم على ما فيه خير الامة العربية.

ابناء شعبنا الاعزاء : لقد كانت علاقتنا مع دول العالم الاخرة في السنين الماضية مستوحاة من رغبتنا الصادقة في التعاون المثمر و في دعم قضية السلام العالمي ووقف تسابق التسلح و فض الخلافات بين الدول بالطرق السلمية اننا لننادي ببذل الاموال المبددة في التسلح و حرب الاثير و الدعايات الهدامة المغرضة في مكافحة البؤس و الفقر و الجهل و التخلف.

انا نكافح الاستعمار بشكليه القديم و الجديد و نتمسك بحق الشعوب الطبيعي في تقرير مصيرها . اننا ندعو الى التعاون المتكافئ المثمر البناء و تقوية الهيئات و المنظمات الدولية التي تعمل لدعم السلام ورفاه بنى الانسان نحن ندعو لنبذ المادية الجامحة التي طغت على البشرية و العودة الى القيم الروحية السامية و الاحتكام الى موازين العدل و الحق . و المساواة في علاقات الشعوب سبيلا الى رفاهيتهم و سعادتهم و تعايشهم السامي الاخوي و انه ليطيب لنا في هذه المناسبة التفاؤول بعقد معاهدة حظر التجارب النووية الجزئية و نعتبرها دليل تغلب الحكمة و التقدير السليم و نرجو ان تكون مؤذنة باستمرار تحسن الجو الدولي و بافتتاح عهد جديد من التعاون الخالص بين الشعوب لمصلحة بني البشر اجمعين و لقد إستأنفت حكومتنا العلاقات الدبلوماسية مع كل من المملكة المتحدة و فرنسا بعد ان زالت الاسباب التي كانت قد ادت الى قطع هذه العلاقات و خالص ما نرجوه ان يكون استئناف هذه العلاقات بشيرا بافتتاح عهد جديد من التعاون المثمر المتكافئ بين بلادنا و بين هاتين الدولتين للخير المشترك و لدعم السلام العالمي . اننا لم نزل نوالي قضية البريمي و المناطق المتنازع عليها كل اهتمامنا و الامل وطيد في ان تسفر المساعي المبذولة في نطاق الامم المتحدة عن حل مرض لهذه القضية يعيد الحق الى نصابه و اننا لنذكر هذا اليوم اخواننا عرب فلسطين و ما وقع عليهم من بغي و عدوان بانتزاع وطنهم منهم و سلب اموالهم و انتهاك مقدساتهم و تشتيتهم في الارض ظلما و عدوانا على مرئى و مسمع من دول العالم و المنظمات الدولية . و عرب فلسطين ممن وفدو الى هذه البلاد يعيشوون فيها اعزاء مكرمين لا فرق بينهم و بين السعوديين . نتمسك بحق عرب فلسطين في وطنهم و استرداده و ازالة الظلم و العدوان الواقع عليهم . و تعويضهم عما فقدوه و لن يهدء لنا بال حتى تحل قضيتهم حلا عادلا يعيد الحق الى نصابه و الامن و السلام الى المنطقة . ان لنا اخوة في عمان يجاهدون لنيل حقهم في تقرير مصيرهم و لقد نادينا ولازلنا ننادي بالاعتراف بهم بحقوقهم الشرعية نزولا على حكم الواقع و اقرار بما كفلته لهم المبادئ الدولية من حقوق .

ابناء شعبنا الاوفياء : اننا اذ نحمد الله على ما وفقنا اليه في السنوات العشر الماضية من خدمة رسالة الدين و اشاعة العدل بين الناس و التزام الحق لنتضرع الى الله تعالى ان يهبنا من الصحة و العافية ما يعيننا على متابعة رسالتنا لخير شعبنا الوفي و امتنا العزيزة و تحقيق المزيد من الخير و الرفاهية . و جرياً على عادتنا السنوية في مثل هذه المناسبة فقد امرنا باخلاء المسجونين الذين سجنو بسبب العجز عن الوفاء بدين او دية و سوف نتحمل دفع المبالغ المطالبين بها و نظرا ان السجن تهذيب للنفوس فقد امرنا كذلك باطلاق سراح المسجونين عن جرائم بسيطة و نسأل الله ان يوفقنا لما فيه خدمة بلادنا و شعبنا .
و السلام عليكم و رحمة الله بركاته.