نِصيحَة ملكية كِرَيمة إلى حّجاج بيتِ الله الحرام 1952م

وبعد فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأصلى واسلم على محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم إنني أحب أن أنتهز هذه الفرصة المباركة التي جمعنا الله فيها بكم في أحب البقاع إليه وأفضل الشهور عنده وأبرك المواسم لديه فأبادر بتهنئة كل واحد منكم تهنئة إسلامية أخوية صادرة من صميم قلبي على ما منَّ الله به علينا جميعاً من أداء هذا الركن الإسلامي العظيم وهو الحج إلى بيت الله الحرام تلبية لنداء إبراهيم الخليل عليه السلام يوم أذن بأمر ربه في الناس بالحج إلى هذه البنية المباركة ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام . وهذه النعمة تستحق منا ومنكم الشكر الصادق والحمد الخالص لله وحده المنعم المتفضل على الجميع والموفق إلى صالح الأعمال وأطيبها ، فله وحده لا شريك له شكرنا ودعاءنا ونسكنا وصلاتنا وصيامنا وحجنا واستعانتنا واستغاثتنا نسأله تعالى أن يجمع على التوحيد الذي أرسل به الأنبياء والرسل إلى جميع البشر قلوبنا ، وعلى الأيمان الصادق نفوسنا وأن يطهرنا من أوضار الخطايا والذنوب وأن يتقبل منا ومنكم ما قصدناه سبحانه وتعالى به يوم يممنا شطر بيته الحرام ويوم ترسمنا هدى نبيه في مناسك الحج وشعائره محرمين ملبين . ثم أنني أحب أن أوصى نفسي أولا ثم أوصيكم بتقوى الله في السر والعلن والأقوال والأعمال وأن يعلم كل منا أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وأن هذا الضعف والوهن والتفكك مما منى به المسلمون في بلدانهم المختلفة اليوم ومنشأها كلها عدم فهمهم الفهم الصحيح لدينهم الإسلامي العظيم ولمبادئه الإصلاحية الحقيقية ولتباعدهم عن روح القرآن والسنة النبوية السنية واقتصارهم في عباداتهم وأقوالهم و أفعالهم على قشور من الفهم أكثرها بعيد كل البعد عن روح الإسلام وحقيقته وما يرمي إليه من التوحيد الخالص لله وحده الذى أشار إليه في محكم كتابه قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ثم من العزة والمنعة والمجد للمسلمين في حياتهم المشار إليها في الكتاب العزيز بأنها لله ولرسوله وللمؤمنين وإلى المبادئ الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح يوم كانوا سادة الدنيا ينشرون فيها الدعوة إلى الله على هدى وبصيرة ويجمعون على الخير والتقوى والعزة صفوف المسلمين ويوحِّدون كلمتهم ويلمون شعثهم ويرشدونهم إلى سواء السبيل .

وإنني لأضع واجب كل ذلك اليوم على عاتق علماء المسلمين أولا ثم على عاتق زعمائهم وقادتهم و كبارهم فهؤلاء مسئولون أمام الله ثم أمام الناس عن كل تقصير يقع فيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لأنهم ورثة الأنبياء ولأنه لو قام كل واحد منهم بما يجب عليه من الإخلاص لله وحده في دعوته لما وصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه اليوم من الجهل والتخاذل والتباعد والتفرقة والوهن . هذا وإن الدين النصيحة وإنني إذ أنصح نفسي أولا يجب علىّ أن أتوجه بهذه النصيحة والكلمة إلى كل من ستصل أو تنتهي إليه مبتهلا إليه تعالى في موقفنا هذا أن يوفقنا وإياكم جميعاً إلى كل مافية خيرنا ونهضتنا في أمور ديننا ودنيانا ثم أطلب من كل واحد منكم أن يشعر أنه في بلاده وبين أهله وعشيرته فنتساعد كلنا على حفظ النظام في أيام الحج ونتعاون فيما بيننا لما يريح الجميع هذا وإن أبوابنا مفتوحة لكل ذي حاجة أو شكوى أو مظلمة أو عون أو مساعدة في حدود طاقتنا وما نستطيعه فليتصل بنا وبدوائرنا الخاصة وبكل دائرة من دوائر الحكومة المسئولة من يحب ، لتساعده على ما يريد سواء ذلك بالبرقيات أو بالرسائل أو بأية وسيلة أخرى فكل ما يرفع إلينا نطلع عليه ونهتم به ونحيله إلى جهات الاختصاص مزوداً بأمرنا المستعجل فيما نراه عنه وإننا إذ نطلعكم جميعاً على ذلك نأمل أيضاً في أن يقدر الكل المسئوليات العظيمة التي نضطلع بها في هذه الأيام من السهر ليلا ونهارا على كل صغيرة وكبيرة من شئون مئات الألوف منكم المتدفقين إلى أم القرى في هذا الموسم الجليل وتأمين راحتهم في حلهم وترحالهم بما لا ندعى له الكمال ولكنه الجهد المستطاع وإننا لنتوجه إليه تعالى مخلصين أن يكتب السلامة والعافية والصحة والقبول لنا ولكم وأن يكتب لنا شرف خدمتكم في هذا البلد الحرام كل عام – إن شاء الله – وأن يحفظكم برعايته ويكلأ كم بعنايته حتى تعودون إلى بلدانكم فرحين مستبشرين معافين في دينكم ودنياكم والسلام على كل واحد منكم ورحمة الله وبركاته.



أخوكم سعود

مكة المكرمة في يوم الثلاثاء الثامن من ذي الحجة سنة 1372.

(ذو الحجة سنة 1372 هجرية)

الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر
فؤاد شاكر