في عام 1957 ألقى الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- كلمة في هيئة الأمم المتحدة أكَّد خلالها أن البشرية علّقت أكبر الآمال وأعزها على الأمم المتحدة، بما بشّر به ميثاقها منذ أكثر من أحد عشر عاماً بفجر عهد جديد من السلام والحرية والأمل بين جميع الشعوب، ولقد وجدت مبادئ الميثاق في الأمم المتحدة تجاوباً صادقاً وترحيباً حاراً من أمتي، ونحن قوم مسالمون بطبعنا، ولا شك أن الكثيرين منكم يعرفون أن معنى الإسلام هو السلام، وأن تحيتنا اليومية هي تمني السلام بعضنا للبعض الآخر.
مبادئ التعاون الدولي
وشدَّد الملك سعود -رحمه الله- على أن شريعتنا الإسلامية قد سجّلت منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً أن الناس سواسية، وقد خلقهم الله شعوباً وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا، فوضعت بذلك مبادئ التعاون الدولي، والسلم الدائم، والأمن المتبادل، وقواعد رد العدوان ونصرة المظلوم.
وقال سموه نؤمن بالقيم الإنسانية والروحية، وبالمثل الأخلاقية، وبحق كل إنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة، والتعاون المثمر الصادق بين البشر لخيرهم المشترك.
تنظيم علاقات الشعوب
ومضى الملك سعود -رحمه الله- في القول: من أجل هذا كان من الطبيعي أن يحدونا الرجاء، وتصبح مبادئ الأمم المتحدة الدستور المنظم لعلاقات الشعوب لا فرق بين كبيرها وصغيرها، وأن تزول أسباب المنازعات بين الدول، فتتحرر من الخوف وخطر العدوان، وتنصرف إلى الأعمال الإنشائية، والوصول إلى بناء مجتمع سعيد، ولكن سياسة السيطرة والتمسك بالنزعات العتيقة البالية هي التي كثيراً ما ألقت بالإنسانية في أتون الحروب وسببت الآلام والدمار والاضطراب في نفوس، فتنكبت مبادئ العدالة التي أتى بها ميثاق الأمم المتحدة، وبذلك ضلت السبيل القويم، وأخطأها التوفيق، وبهذه السياسة الخاطئة يكمن أصل حالة التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار التي تتردى فيه الإنسانية الآن، وهي علة الحرب الباردة التي نشهدها اليوم، ومنها التسابق في التسلح الذي يستنزف كثيراً من موارد البشرية، ويوجهها إلى أعمال التدمير والتخريب، وهي أساس ما عاصر الأمم المتحدة من عدوان وقتال وضغائن وأحقاد في بعض مناطق العالم.
شرور الأزمات
وأضاف الملك سعود -رحمه الله- أن الرجوع إلى حظيرة الأمم المتحدة، ورد علاقات الدول والشعوب إلى مبادئها وتعاليمها، والتمسك بأحكام ميثاقها نصاً وروحاً، وتمكين الشعوب المطالبة بحقها في الحرية والاستقلال من تقرير مصيرها، هو السبيل الوحيد لتجنيب الإنسانية شرور الأزمات، وويلات الحروب، وافتتاح عهد جديد من السلام الحقيقي، والتفاهم المتبادل في علاقات الأمم، عهد تسوده المحبة والتعاون الصادق لخير البشرية جمعاء.
إحياء الآمال
وقال الملك سعود -رحمه الله-: من حسن حظ الإنسانية فقد شهدنا في هذه المنظمة في الأيام الأخيرة انطلاقاً أحيا الآمال، وأعاد إلى النفوس بعض الثقة، ولمسنا منها تصميماً مشكوراً على التمسك بمبادئها، والسير بها في الاتجاه القويم، وكان للجهود التي بذلها ويبذلها أمينها العام مستر داج همرشلد أثر محمود نحو هذه الغاية تستحق التقدير والثناء، وخالص الرجاء أن تثابر الأمم المتحدة على التمسك بمبادئها، وعلى استلهام مثل العدالة، واحترام حقوق الإنسان التي أكدها ميثاقها في كل أعمالها، مع الإصرار في عزم وتصميم على أداء رسالتها السامية، والمحافظة على الأمن والسلام الدوليين، وبذلك ستعيد هيبتها، وتصبح موئل الإنسانية عن حق وجدارة
٢٠٢٣