ستة عقود على زيارة الملك سعود
تولى المغفور له الملك سعود الأول عرش المملكة العربية السعودية في التاسع من نوفمبر 1953 خلفا لوالده المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي وافته المنية في ذلك اليوم من بعد حياة حافلة بالجهاد والكفاح في سبيل توحيد شبه الجزيرة العربية وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار فيها. وقد شهد عهد الملك سعود الذي استمر مذاك وحتى الثاني من نوفمبر 1964 تطورات متسارعة على المستويات العربية والاقليمية والدولية استدعت من جلالته القيام بالكثير من الجولات في داخل وطنه وخارجه. ففي الداخل قام بجولات كثيرة في ربوع بلاده الشاسعة لتفقد أحوال رعيته والاطمئنان عليهم والنظر في ما يستطيع تقديمه إليهم. كيف لا وهو القائل «إذا كان عهد والدي عهد التوحيد فسيكون عهدي لمحاربة الفقر والجهل والمرض». وفي هذا السياق كتب أحد الكتاب السعوديين ما معناه أن الملك سعود كان معطاء بسخاء، حيث كان يوزع على المواطنين في جولاته النقود الفضية والكسوة بعد أن رأى أحوال الناس البائسة، ثم فتح باب التعليم على مصراعيه للبنين والبنات، وفتح جامعتين في الرياض والمدينة، وبدأ عصر التنوير الصحي بالانتقال من العلاج بالكي وشعوذة المعالجين بالتمتمة وتحضير الجن إلى العلاج العصري، ثم سدد جميع المديونيات المتعلقة بالدولة، «وهكذا بدأ البنيان على هدى من الله وثبات في الأصول والفروع، فكان عهده بمثابة الانطلاقة الأولى لما تمم من البنيان في عهد من خلفه من الملوك وهي المرحلة الأصعب من وجهة نظري في ظل تنازع الأهواء والقلاقل والفتن التي كانت تحيط بالجزيرة العربية». إضافة إلى جولات جلالته الكثيرة داخل بلاده قام بالعديد من الزيارات الرسمية والخاصة للخارج. بل لا نبالغ لوقلنا إنه خلال الأعوام الخمسة الأولى من عهده، أي ما بين 1954 و1959، قام جلالته بزيارات لم ينافسه فيها من حيث العدد أي من خلفائه. ففي عام 1954 زار القاهرة والكويت وكراتشي والأردن والمملكة المتوكلية اليمنية تلبية لدعوات تلقاها من الرئيس محمد نجيب، والشيخ عبدالله السالم الصباح، والسيد غلام محمد، والملك حسين بن طلال، والإمام أحمد حميد الدين على التوالي. وفي عام 1955 زار جلالته قطر، وإيران، والكويت، وكراتشي ودلهي تلبية لدعوات من الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، والشاهنشاه محمد رضا بهلوي، والشيخ عبدالله السالم الصباح، والرئيس إسكندر ميرزا، والجواهر لال نهرو على التوالي. وفي عام 1956 سافر جلالته إلى القاهرة في التاسع من مارس لعقد قمة مع الرئيسين المصري جمال عبدالناصر والسوري شكري القوتلي، عاد بعدها إلى جدة على متن اليخت المصري «الحرية». وفي 13 نوفمبر من العام نفسه سافر جوا إلى بيروت بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون للمشاركة في أعمال مؤتمر القمة العربي الثاني، وفي طريق عودته إلى بلاده عرج على سوريا والأردن برا. أما عام 1957 فقد شهد أيضا جولات رسمية كثيرة للعاهل السعودي في الخارج، ففي 21 يناير من ذلك العام قام جلالته بزيارته الأولى للولايات المتحدة كملك، وفي طريق عودته منها إلى بلاده توقف في كل من مدريد والرباط وتونس وطرابلس الغرب، حيث قام في الفترة ما بين 10 ــ 23 فبراير بزيارات رسمية لهذه العواصم تلبية لدعوات تلقاها من الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والملك محمد بن يوسف، والباي محمد الأمين، والملك محمد ادريس السنوسي على التوالي. وفي 24 فبراير زار القاهرة مجددا لعقد قمة مع الرئيسين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي والعاهل الاردني الملك حسين ومفتي فلسطين الحاج امين الحسيني. وفي 18 مايو من العام نفسه قام بزيارته التاريخية الى المملكة العراقية بدعوة من نظيره الملك فيصل الثاني وولي عهده الأمير عبدالإله بن علي. وفي الثامن من يونيو حل جلالته في عمان بدعوة من الملك حسين وغادرها في 14 منه. وفي 19 يوليو عقد لقاء قمة مع الامبراطور هيلاسيلاسي في أسمرة. أما رحلات جلالته في عام 1958 والأعوام التالية حتى تنازله عن العرش فقد كان معظمها رحلات للعلاج والنقاهة. فقد غادر جدة في يوليو 1957 في رحلة علاجية إلى ألمانيا، وفي طريقه إليها توقف في بيروت وأثينا. أما في طريق عودته إلى بلاده في سبتمبر من العام ذاته فقد توقف في سويسرا، ثم زار سوريا. وتكررت رحلة جلالته العلاجية إلى ألمانيا في يوليو 1959، إذ غادر جدة على متن اليخت «أدرياتيك» الذي عبر قناة السويس حيث إلتقى بالمشير عبدالحكيم عامر نيابة عن الرئيس عبدالناصر في البحيرات المرة، ومنها توجه الى جزيرة كورفو اليونانية حيث التقى بعاهل اليونان الملك بول. وفي طريق عودته زار مصر للقاء عبدالناصر في أغسطس من نفس العام. وفي 26 نوفمبر 1959 قام بزيارة إلى قطر بدعوة من حاكمها الشيخ علي آل ثاني، وزارها مرة أخرى في 6 فبراير 1961. وفي 21 نوفمبر 1961 قام جلالته بزيارة أخرى طويلة إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوصات طبية والإلتقاء بالرئيس الامريكي جون كينيدي. وفي طريق عودته إلى عاصمة ملكه توقف في مدريد وقام بزيارة رسمية للمغرب تلبية لدعوة من نظيره المغربي الملك الحسن الثاني. وفي الأول من يونيو 1962 غادر جدة إلى إيطاليا للاستشفاء، ثم زار ألمانيا لقضاء فترة نقاهة. لكن هل كان للبحرين نصيب في زيارات الملك الماراثونية تلك؟ بالتأكيد، وذلك انطلاقا من الروابط ذات الجذور التاريخية العميقة بين البلدين والشعبين الشقيقين والأسرتين الحاكمتين. ففي يوم السبت السابع من شعبان 1373 للهجرة الموافق للعاشر من أبريل 1954، أي بعد أقل من نصف عام على اعتلائه العرش، غادر الملك سعود الرياض بالطائرة متوجها إلى الظهران ليتحرك منها في اليوم التالي إلى البحرين في أول زيارة له كملك إلى الجارة الصغيرة لبلاده وذلك تلبية لدعوة من المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. كانت تلك الزيارة الملكية فرصة لاستعادة الكثير من الذكريات والوشائج التي ربطت البلدين وحكامهما الكرام من آل سعود وآل خليفة على مدى حقبة زمنية طويلة. ذلك أنّ العلاقات بين البلدين بدأت في عهد الدولة السعودية الأولى (1744 ــ 1818)، وتوطدت في عهد الدولة السعودية الثانية (1843ــ1891) حينما زار الأمير سعود بن فيصل بن تركي البحرين في عام 1870 وقام أثناء الزيارة بإهداء الشيخ عيسى بن علي سيف جده المسمى بـ «الأجرب» توكيدا للصداقة بين الأسرتين الحاكمتين. ولاحقا توطدت العلاقة حينما قام الأمير عبدالله بن فيصل بزيارة مماثلة في عام 1887. ويذكر لنا التاريخ الموثق أن الأمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي كان قد زار البحرين في عام 1876، توقف في البحرين في عام 1891 لزيارة حاكمها المغفور له الشيخ عيسى بن علي والتشاور معه وهو في طريقه مع عائلته -كان في عدادها ابنه الملك المؤسس عبدالعزيز- من الرياض إلى الكويت. وبعد أن توفي الإمام عبدالرحمن في عام 1928 ونجح ابنه عبدالعزيز في استعادة ملك أجداده قرر الأخير بصفته ملكا للحجاز وسلطانا لنجد وملحقاتها أن يقوم بأول زيارة له إلى البحرين من أجل الالتقاء بمن كان يصفه بـ «الوالد» وهو الشيخ عيسى بن علي. ونلمس هذا بصفة جلية من الرسائل التي كان الملك يبعثها إلى عظمته، مخاطباً إياه بعبارة «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم، بهي الشيم الوالد المكرم الشيخ عيسى آل خليفة، سلمه الله تعالى وأدام بقاءه». وقد تمت الزيارة في 25 فبراير 1930 أي بعد ثلاثة أيام من القمة التاريخية التي عقدها الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل الأول بن الشريف حسين على ظهر البارجة البريطانية «لوبين» التي كانت راسية في عرض البحر شمال البحرين، علما بأن الملك عبدالعزيز كان قد وصل إليها من ميناء رأس تنورة على متن السفينة «باتريك ستيوارت» التابعة لشركة «كيبل أند واير لس» فيما وصل الملك فيصل اليها على متن سفينته «نرجس». وهناك روايات كثيرة حول محاولات بذلتها حينذاك السلطات البريطانية في بوشهر والبحرين لعرقلة لقاء الزعيمين السعودي والبحريني، وذلك عبر إرسال رسالة إلى عبدالعزيز مفادها أن الشيخ عيسى مريض ولا يمكنه الالتقاء به، وإرسال رسالة أخرى إلى الشيخ عيسى مفادها أن عبدالعزيز قد صرف النظر عن النزول في البحرين لارتباطات طارئة. غير ان اللقاء تم كنتيجة لإصرار الشيخ عيسى بن علي على رؤية الشاب الذي سبق أن رآه صبيا في العاشرة من عمره مع والده الإمام عبدالرحمن بعد أن وحد الجزيرة العربية وأدى دورا تاريخيا مشرفا، ناهيك عن إصرار أنجال الشيخ عيسى -حمد ومحمد وعبدالله- على أن تتم الزيارة رغم أنف الإنجليز. ومما يذكر في هذا السياق أن الشيخ حمد بن عيسى استقل بنفسه مركبا إلى عرض البحر وصعد إلى سفينة الملك عبدالعزيز ليدعوه إلى النزول على أرض البحرين، نافيا لجلالته أكاذيب الإنجليز. وبعد انتهاء هذه الزيارة الميمونة تولى الشيخ حمد نيابة عن والده توديع الملك عبدالعزيز عند شاطئ الزلاق، حيث دعاه الأخير لأداء فريضة الحج. وفي الثاني من مايو عام 1939 أعاد الملك عبدالعزيز الكرة فانطلق بحرا من فرضة الخبر نحو المنامة فوصلها قبل مغرب ذات اليوم برفقة 300 فرد من الامراء والحاشية. والذين عاصروا تلك الفترة أكدوا أن المنامة ازدانت بالأعلام والزينات بشكل غير مسبوق، وبلغت الحفاوة بالملك عبدالعزيز من قبل الشيوخ الذين وفدوا لتحيته، أنهم ألقوا في طريق الموكب العظيم العبي والمشالح التي كانوا يرتدونها ليمر فوقها الموكب تشريفاً وتعظيماً للضيف الكبير. لم تكن زيارة الملك سعود في عام 1954 المشار إليها آنفا هي الأولى له إلى البحرين، فقد سبقها ست زيارات حينما كان وليا للعهد: لعل أشهرها الأولى التي تمت في التاسع من ديسمبر 1937 بدعوة من حاكم البحرين آنذاك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وانتهت بعودة جلالته إلى الرياض عن طريق الأحساء في 19 ديسمبر منه. والثانية التي كانت برفقة والده الملك عبدالعزيز الذي وصل إلى البحرين في الثاني من مايو 1939 وغادرها بحرا إلى الخبر فالظهران في السابع منه. والثالثة التي تمت في 13 يونيو 1940 في طريق عودته مع بعض إخوانه الأمراء إلى الرياض جوا من زيارة لهم إلى كراتشي وبومباي. ويضيف البعض إلى زيارات الملك سعود الست زيارة سابعة، ويعنون بذلك زيارته في فبراير من عام 2009 من خلال «معرض الملك سعود المتنقل» الذي حط رحاله في البحرين كأول محطة له خارج المملكة العربية السعودية بتنظيم ودعم من أبناء وبنات الملك الراحل. ما يهمنا هنا هو ما حدث على هامش الزيارة الرابعة للملك سعود إلى البحرين والتي حلت ذكراها الستون في أبريل المنصرم. حفلت الزيارة بترحيب رسمي وشعبي لم تشهد البحرين له مثيلا من قبل، خصوصا وأنها تزامنت مع افتتاح قصر القضيبية العامر بعد تجديده وتحديثه ليكون ملائما لإقامة الملك والوفد المرافق له من الأمراء والوزراء والأعيان. لكن أبرز ما حدث أثناء تلك الزيارة إطلاق جلالته فكرة إنشاء جسر يربط الخبر على الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية بجزر البحرين، وتأكيده على أهمية المشروع، وإبداء استعداد بلاده للمساهمة في حصة كبيرة من نفقاته. جاء ذلك أثناء كلمة ألقاها جلالته خلال مأدبة أقامها على شرفه الوجيه حسن المديفع في مزرعته بمنطقة الجفير بالمنامة، بالقرب من الموقع الحالي للسفارة الصينية. وطبقا لما أوردته مجلة «صوت البحرين» في الصفحة 64 من العدد السابع للسنة الرابعة الصادر في رمضان 1373 للهجرة فإن الملك قال أمام حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وبحضور الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وأولاده والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وأولاده، والشيخ حمود بن صباح آل خليفة والعديد من وجهاء البحرين وأعيانها ما نصه: «إن الروابط بين البحرين والمملكة قوية، ويجب أن نعمل على توثيقها، وقد كلمتُ عظمتكم من قبل بشأن مد جسر بين الخبر والبحرين، ولاأزال عند رأيي بضرورة إنشاء هذا الجسر. آمل أن تدرسوا هذا المشروع، وستساهم المملكة بقسط كبير من مصاريفه». ثم أردف جلالته قائلا: «إن الوعي القومي آخذ في الازدياد، وإن الشعوب العربية متيقظة اليوم، وأن من واجبنا أن نفهم ذلك، فنحن راع وكل راع مسؤول عن رعيته». وأضافت المجلة «وكان جلالته عند إدلائه بهذا التصريح يقاطع بالتصفيق بعد كل عبارة يتفوه بها». وحينما كان الملك على وشك مغادرة البحرين تفضل بتوجيه رسالة وداعية إلى البحرين كان عنوانها «من الملك سعود بن عبدالعزيز إلى إخوانه في البحرين». وقد جسدت تلك الرسالة ما كان الملك سعود يكنه لشعب البحرين وشيوخها ورجالاتها من حب ومودة. ومما ورد فيها «أنني أقدر لإخواني في البحرين وانا أغادر هذه البلاد العزيزة كل هذه العواطف الصادقة التي لمستها وسمعتها، آملا أن يوفق الله الجميع لما فيه الخير والسعادة والسؤدد للبلاد العربية عامة ولهذين القطرين خاصة».
تولى المغفور له الملك سعود الأول عرش المملكة العربية السعودية في التاسع من نوفمبر 1953 خلفا لوالده المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي وافته المنية في ذلك اليوم من بعد حياة حافلة بالجهاد والكفاح في سبيل توحيد شبه الجزيرة العربية وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار فيها. وقد شهد عهد الملك سعود الذي استمر مذاك وحتى الثاني من نوفمبر 1964 تطورات متسارعة على المستويات العربية والاقليمية والدولية استدعت من جلالته القيام بالكثير من الجولات في داخل وطنه وخارجه. ففي الداخل قام بجولات كثيرة في ربوع بلاده الشاسعة لتفقد أحوال رعيته والاطمئنان عليهم والنظر في ما يستطيع تقديمه إليهم. كيف لا وهو القائل «إذا كان عهد والدي عهد التوحيد فسيكون عهدي لمحاربة الفقر والجهل والمرض». وفي هذا السياق كتب أحد الكتاب السعوديين ما معناه أن الملك سعود كان معطاء بسخاء، حيث كان يوزع على المواطنين في جولاته النقود الفضية والكسوة بعد أن رأى أحوال الناس البائسة، ثم فتح باب التعليم على مصراعيه للبنين والبنات، وفتح جامعتين في الرياض والمدينة، وبدأ عصر التنوير الصحي بالانتقال من العلاج بالكي وشعوذة المعالجين بالتمتمة وتحضير الجن إلى العلاج العصري، ثم سدد جميع المديونيات المتعلقة بالدولة، «وهكذا بدأ البنيان على هدى من الله وثبات في الأصول والفروع، فكان عهده بمثابة الانطلاقة الأولى لما تمم من البنيان في عهد من خلفه من الملوك وهي المرحلة الأصعب من وجهة نظري في ظل تنازع الأهواء والقلاقل والفتن التي كانت تحيط بالجزيرة العربية». إضافة إلى جولات جلالته الكثيرة داخل بلاده قام بالعديد من الزيارات الرسمية والخاصة للخارج. بل لا نبالغ لوقلنا إنه خلال الأعوام الخمسة الأولى من عهده، أي ما بين 1954 و1959، قام جلالته بزيارات لم ينافسه فيها من حيث العدد أي من خلفائه. ففي عام 1954 زار القاهرة والكويت وكراتشي والأردن والمملكة المتوكلية اليمنية تلبية لدعوات تلقاها من الرئيس محمد نجيب، والشيخ عبدالله السالم الصباح، والسيد غلام محمد، والملك حسين بن طلال، والإمام أحمد حميد الدين على التوالي. وفي عام 1955 زار جلالته قطر، وإيران، والكويت، وكراتشي ودلهي تلبية لدعوات من الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، والشاهنشاه محمد رضا بهلوي، والشيخ عبدالله السالم الصباح، والرئيس إسكندر ميرزا، والجواهر لال نهرو على التوالي. وفي عام 1956 سافر جلالته إلى القاهرة في التاسع من مارس لعقد قمة مع الرئيسين المصري جمال عبدالناصر والسوري شكري القوتلي، عاد بعدها إلى جدة على متن اليخت المصري «الحرية». وفي 13 نوفمبر من العام نفسه سافر جوا إلى بيروت بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون للمشاركة في أعمال مؤتمر القمة العربي الثاني، وفي طريق عودته إلى بلاده عرج على سوريا والأردن برا. أما عام 1957 فقد شهد أيضا جولات رسمية كثيرة للعاهل السعودي في الخارج، ففي 21 يناير من ذلك العام قام جلالته بزيارته الأولى للولايات المتحدة كملك، وفي طريق عودته منها إلى بلاده توقف في كل من مدريد والرباط وتونس وطرابلس الغرب، حيث قام في الفترة ما بين 10 ــ 23 فبراير بزيارات رسمية لهذه العواصم تلبية لدعوات تلقاها من الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والملك محمد بن يوسف، والباي محمد الأمين، والملك محمد ادريس السنوسي على التوالي. وفي 24 فبراير زار القاهرة مجددا لعقد قمة مع الرئيسين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي والعاهل الاردني الملك حسين ومفتي فلسطين الحاج امين الحسيني. وفي 18 مايو من العام نفسه قام بزيارته التاريخية الى المملكة العراقية بدعوة من نظيره الملك فيصل الثاني وولي عهده الأمير عبدالإله بن علي. وفي الثامن من يونيو حل جلالته في عمان بدعوة من الملك حسين وغادرها في 14 منه. وفي 19 يوليو عقد لقاء قمة مع الامبراطور هيلاسيلاسي في أسمرة. أما رحلات جلالته في عام 1958 والأعوام التالية حتى تنازله عن العرش فقد كان معظمها رحلات للعلاج والنقاهة. فقد غادر جدة في يوليو 1957 في رحلة علاجية إلى ألمانيا، وفي طريقه إليها توقف في بيروت وأثينا. أما في طريق عودته إلى بلاده في سبتمبر من العام ذاته فقد توقف في سويسرا، ثم زار سوريا. وتكررت رحلة جلالته العلاجية إلى ألمانيا في يوليو 1959، إذ غادر جدة على متن اليخت «أدرياتيك» الذي عبر قناة السويس حيث إلتقى بالمشير عبدالحكيم عامر نيابة عن الرئيس عبدالناصر في البحيرات المرة، ومنها توجه الى جزيرة كورفو اليونانية حيث التقى بعاهل اليونان الملك بول. وفي طريق عودته زار مصر للقاء عبدالناصر في أغسطس من نفس العام. وفي 26 نوفمبر 1959 قام بزيارة إلى قطر بدعوة من حاكمها الشيخ علي آل ثاني، وزارها مرة أخرى في 6 فبراير 1961. وفي 21 نوفمبر 1961 قام جلالته بزيارة أخرى طويلة إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوصات طبية والإلتقاء بالرئيس الامريكي جون كينيدي. وفي طريق عودته إلى عاصمة ملكه توقف في مدريد وقام بزيارة رسمية للمغرب تلبية لدعوة من نظيره المغربي الملك الحسن الثاني. وفي الأول من يونيو 1962 غادر جدة إلى إيطاليا للاستشفاء، ثم زار ألمانيا لقضاء فترة نقاهة. لكن هل كان للبحرين نصيب في زيارات الملك الماراثونية تلك؟ بالتأكيد، وذلك انطلاقا من الروابط ذات الجذور التاريخية العميقة بين البلدين والشعبين الشقيقين والأسرتين الحاكمتين. ففي يوم السبت السابع من شعبان 1373 للهجرة الموافق للعاشر من أبريل 1954، أي بعد أقل من نصف عام على اعتلائه العرش، غادر الملك سعود الرياض بالطائرة متوجها إلى الظهران ليتحرك منها في اليوم التالي إلى البحرين في أول زيارة له كملك إلى الجارة الصغيرة لبلاده وذلك تلبية لدعوة من المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. كانت تلك الزيارة الملكية فرصة لاستعادة الكثير من الذكريات والوشائج التي ربطت البلدين وحكامهما الكرام من آل سعود وآل خليفة على مدى حقبة زمنية طويلة. ذلك أنّ العلاقات بين البلدين بدأت في عهد الدولة السعودية الأولى (1744 ــ 1818)، وتوطدت في عهد الدولة السعودية الثانية (1843ــ1891) حينما زار الأمير سعود بن فيصل بن تركي البحرين في عام 1870 وقام أثناء الزيارة بإهداء الشيخ عيسى بن علي سيف جده المسمى بـ «الأجرب» توكيدا للصداقة بين الأسرتين الحاكمتين. ولاحقا توطدت العلاقة حينما قام الأمير عبدالله بن فيصل بزيارة مماثلة في عام 1887. ويذكر لنا التاريخ الموثق أن الأمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، الذي كان قد زار البحرين في عام 1876، توقف في البحرين في عام 1891 لزيارة حاكمها المغفور له الشيخ عيسى بن علي والتشاور معه وهو في طريقه مع عائلته -كان في عدادها ابنه الملك المؤسس عبدالعزيز- من الرياض إلى الكويت. وبعد أن توفي الإمام عبدالرحمن في عام 1928 ونجح ابنه عبدالعزيز في استعادة ملك أجداده قرر الأخير بصفته ملكا للحجاز وسلطانا لنجد وملحقاتها أن يقوم بأول زيارة له إلى البحرين من أجل الالتقاء بمن كان يصفه بـ «الوالد» وهو الشيخ عيسى بن علي. ونلمس هذا بصفة جلية من الرسائل التي كان الملك يبعثها إلى عظمته، مخاطباً إياه بعبارة «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم، بهي الشيم الوالد المكرم الشيخ عيسى آل خليفة، سلمه الله تعالى وأدام بقاءه». وقد تمت الزيارة في 25 فبراير 1930 أي بعد ثلاثة أيام من القمة التاريخية التي عقدها الملك عبدالعزيز وملك العراق فيصل الأول بن الشريف حسين على ظهر البارجة البريطانية «لوبين» التي كانت راسية في عرض البحر شمال البحرين، علما بأن الملك عبدالعزيز كان قد وصل إليها من ميناء رأس تنورة على متن السفينة «باتريك ستيوارت» التابعة لشركة «كيبل أند واير لس» فيما وصل الملك فيصل اليها على متن سفينته «نرجس». وهناك روايات كثيرة حول محاولات بذلتها حينذاك السلطات البريطانية في بوشهر والبحرين لعرقلة لقاء الزعيمين السعودي والبحريني، وذلك عبر إرسال رسالة إلى عبدالعزيز مفادها أن الشيخ عيسى مريض ولا يمكنه الالتقاء به، وإرسال رسالة أخرى إلى الشيخ عيسى مفادها أن عبدالعزيز قد صرف النظر عن النزول في البحرين لارتباطات طارئة. غير ان اللقاء تم كنتيجة لإصرار الشيخ عيسى بن علي على رؤية الشاب الذي سبق أن رآه صبيا في العاشرة من عمره مع والده الإمام عبدالرحمن بعد أن وحد الجزيرة العربية وأدى دورا تاريخيا مشرفا، ناهيك عن إصرار أنجال الشيخ عيسى -حمد ومحمد وعبدالله- على أن تتم الزيارة رغم أنف الإنجليز. ومما يذكر في هذا السياق أن الشيخ حمد بن عيسى استقل بنفسه مركبا إلى عرض البحر وصعد إلى سفينة الملك عبدالعزيز ليدعوه إلى النزول على أرض البحرين، نافيا لجلالته أكاذيب الإنجليز. وبعد انتهاء هذه الزيارة الميمونة تولى الشيخ حمد نيابة عن والده توديع الملك عبدالعزيز عند شاطئ الزلاق، حيث دعاه الأخير لأداء فريضة الحج. وفي الثاني من مايو عام 1939 أعاد الملك عبدالعزيز الكرة فانطلق بحرا من فرضة الخبر نحو المنامة فوصلها قبل مغرب ذات اليوم برفقة 300 فرد من الامراء والحاشية. والذين عاصروا تلك الفترة أكدوا أن المنامة ازدانت بالأعلام والزينات بشكل غير مسبوق، وبلغت الحفاوة بالملك عبدالعزيز من قبل الشيوخ الذين وفدوا لتحيته، أنهم ألقوا في طريق الموكب العظيم العبي والمشالح التي كانوا يرتدونها ليمر فوقها الموكب تشريفاً وتعظيماً للضيف الكبير. لم تكن زيارة الملك سعود في عام 1954 المشار إليها آنفا هي الأولى له إلى البحرين، فقد سبقها ست زيارات حينما كان وليا للعهد: لعل أشهرها الأولى التي تمت في التاسع من ديسمبر 1937 بدعوة من حاكم البحرين آنذاك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وانتهت بعودة جلالته إلى الرياض عن طريق الأحساء في 19 ديسمبر منه. والثانية التي كانت برفقة والده الملك عبدالعزيز الذي وصل إلى البحرين في الثاني من مايو 1939 وغادرها بحرا إلى الخبر فالظهران في السابع منه. والثالثة التي تمت في 13 يونيو 1940 في طريق عودته مع بعض إخوانه الأمراء إلى الرياض جوا من زيارة لهم إلى كراتشي وبومباي. ويضيف البعض إلى زيارات الملك سعود الست زيارة سابعة، ويعنون بذلك زيارته في فبراير من عام 2009 من خلال «معرض الملك سعود المتنقل» الذي حط رحاله في البحرين كأول محطة له خارج المملكة العربية السعودية بتنظيم ودعم من أبناء وبنات الملك الراحل. ما يهمنا هنا هو ما حدث على هامش الزيارة الرابعة للملك سعود إلى البحرين والتي حلت ذكراها الستون في أبريل المنصرم. حفلت الزيارة بترحيب رسمي وشعبي لم تشهد البحرين له مثيلا من قبل، خصوصا وأنها تزامنت مع افتتاح قصر القضيبية العامر بعد تجديده وتحديثه ليكون ملائما لإقامة الملك والوفد المرافق له من الأمراء والوزراء والأعيان. لكن أبرز ما حدث أثناء تلك الزيارة إطلاق جلالته فكرة إنشاء جسر يربط الخبر على الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية بجزر البحرين، وتأكيده على أهمية المشروع، وإبداء استعداد بلاده للمساهمة في حصة كبيرة من نفقاته. جاء ذلك أثناء كلمة ألقاها جلالته خلال مأدبة أقامها على شرفه الوجيه حسن المديفع في مزرعته بمنطقة الجفير بالمنامة، بالقرب من الموقع الحالي للسفارة الصينية. وطبقا لما أوردته مجلة «صوت البحرين» في الصفحة 64 من العدد السابع للسنة الرابعة الصادر في رمضان 1373 للهجرة فإن الملك قال أمام حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وبحضور الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وأولاده والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وأولاده، والشيخ حمود بن صباح آل خليفة والعديد من وجهاء البحرين وأعيانها ما نصه: «إن الروابط بين البحرين والمملكة قوية، ويجب أن نعمل على توثيقها، وقد كلمتُ عظمتكم من قبل بشأن مد جسر بين الخبر والبحرين، ولاأزال عند رأيي بضرورة إنشاء هذا الجسر. آمل أن تدرسوا هذا المشروع، وستساهم المملكة بقسط كبير من مصاريفه». ثم أردف جلالته قائلا: «إن الوعي القومي آخذ في الازدياد، وإن الشعوب العربية متيقظة اليوم، وأن من واجبنا أن نفهم ذلك، فنحن راع وكل راع مسؤول عن رعيته». وأضافت المجلة «وكان جلالته عند إدلائه بهذا التصريح يقاطع بالتصفيق بعد كل عبارة يتفوه بها». وحينما كان الملك على وشك مغادرة البحرين تفضل بتوجيه رسالة وداعية إلى البحرين كان عنوانها «من الملك سعود بن عبدالعزيز إلى إخوانه في البحرين». وقد جسدت تلك الرسالة ما كان الملك سعود يكنه لشعب البحرين وشيوخها ورجالاتها من حب ومودة. ومما ورد فيها «أنني أقدر لإخواني في البحرين وانا أغادر هذه البلاد العزيزة كل هذه العواطف الصادقة التي لمستها وسمعتها، آملا أن يوفق الله الجميع لما فيه الخير والسعادة والسؤدد للبلاد العربية عامة ولهذين القطرين خاصة».