الملك سعود والشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن محمد بن عثمان القرعاوي

الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن محمد بن عثمان القرعاوي



هو العالم الجليل ، والمرشد المصلح النبيل الصادع بكلمة الحق ، الورع الزاهد ، الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن محمد بن عثمان القرعاوي ، ولد في 11 ذي الحجة عام 1315 هـ بعد وفاة أبيه بشهرين في مدينة عنيزة - السعودية ، فنشأ يتيما ، وقام بتربيته ورعايته عمه عبد العزيز القرعاوي ، كما كانت أمه تحن عليه ، وتأيمت بعد أبيه ، وقامت مع عمه برعايته على أكمل وجه ، واشتغل في عام 1328هـ مع عمه بالتجارة في التغريب للشام ، فسافر معه في جلب الإبل والملابس ، وعاد إلى عنيزة ، فصار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي ، وفتح دكانا للبيع والشراء ، وكان صدوقا في المعاملة ، وفي الصباح والليل يلازم مشايخه ، وهي تجربة لم تستمر ولم تكن مثمرة ، حتى تغريه بالاستمرار فيها ، حيث صرفه عنها شغفه بالعلم .
بعض صفاته ، وما قيل فيه :
لكل إنسان صفات خُلقية وخَلقية تميزه عن غيره ، وتنعكس على شخصيته وأعماله ، والشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - بانت عليه صفات عديدة تميزه عن غيره .
يقول عنه الشيخ عبد الله البسام رحمه الله - عضو هيئة كبار العلماء سابقاً - قد أجمل صفاته بقوله : وكان آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان يتجول في أسواق عنيزة وشوارعها لهذه الغاية ، فلا يرى متخلفا عن الجماعة في المسجد ، أو امرأة لابسة شيئا من زينتها ، إلا علاه بعصاه ، وزجره بلسانه ، حتى صار له هيبة وسطوة ، يحذره منها الكسالى والمتهاونون ، وفي عدة مرات يفتح مكتبا لتعليم الأطفال القرآن الكريم ، والكتابة والحساب مجانا لوجه الله تعالى ، كما يوجه الكبار منهم إلى مبادئ العلوم ، وأنا كنت من الأطفال الصغار الذين دخلوا في كتابه - رحمه الله تعالى - فكان لا يأذن لنا بالخروج حتى نؤدي الصلاة في أوقاتها ، وهو يلاحظنا عن اللعب في الصلاة ، ثم يخرج بعد ذلك لأداء الصلاة في المسجد .
أما الشيخ محمد القاضي في ترجمتـه لحياته ، فقد وصفه بصفـات عديدة ، منها قوله : العالم الجليل ، والمرشد المصلح النبيل ، الصـادع بكلمة الحق ، الورع الزاهـد . كما وصفه برخامـة الصوت ، والتجويد لكتاب الله ، والبر بوالدته ، وحب الإصـلاح بين الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وفي عام 1386هـ فقد بصره ، وضعفت قواه ، وأرهقته الشـيخوخة .
يقول عنه الشيخ عمر أحمد جردي مدخلي - وهو من خاصة طلابه بعدما ذكر صفاته الخُلقية : ... نشيط في جسمه ، قوي في بدنه ، لا يستطيع أحد من طلابه في ذلك الوقت أن يقوم بما يقوم به من نشاط علمي وعملي ، كث اللحية ، أعطاه الله من الذكاء والفراسة الشيء الكثير ، داعيا إلى الله بالحكمة واللين والرفق ، عالما ورعا ، زاهدا مخلصا ، صابرا محتسبا في دعوته إلى الله تعالى ، وكان - رحمه الله - سلفي العقيدة : عقيدة أهل السنة والجماعة ، أما الفروع فلا يتقيد فيها بمذهب من المذاهب الأربعة فقد كان مذهبه مذهب السلف الصالح ، إذا صح الحديث فهو مذهبه ، وكان يقوم الليل مع كثرة متاعبه طيلة النهار بالتدريس ، وجزء من الليل ، وكان ينام أحياناً على الحصير بالمسجد ، وكان يحب المساكين ويكرمهم ، وكان يعطف على الأرامل والأيتام ويواسيهم ، وكان يحب طلبة العلم حبا لله ، وفي الله ، وقد لقي من المتاعب والمكائد والحسد ما الله به عليم ، لكنه - رحمه الله - قابله بالصبر والاحتساب . وفي مواصلته الحديث عن الشيخ القرعاوي ، حسب معرفته الشخصية يقول : وفي الأعوام الأخيرة قام ببناء المساجد في جهات متعددة من جوامع وغيرها كثير ، لا أستطيع حصرها ، ولقد حفر آبارا كثيرة للشرب ، وقد بذل جهدا كبيرا بالشفاعة عند الحكومة لتوظيف بعض الطلبة ، ومشايخ القبائل ، فاجتمعت في هذه المنطقة بفضل الله ثم بأسبابه نعمة الدين والدنيا معا ، وكان محسنا كبيرا كريما ، ويحب أهل الكرم ، وقد أوصى بثلث ماله عند موته في المشاريع الخيرية ، في بناء المساجد ، وحفر الآبار ، وغيرها من أعمال الخير ، والحمد لله قد نفذ من الثلث الشيء الكثير ، وذلك من حسن نيته - رحمه الله - وحسن تدبير وصيه ولده الأكبر الشيخ محمد - حفظه الله ، وكثر أمثاله من الأولاد الأبرار الأتقياء .
رحلاته في طلب العلم :
كابد الشيخ القرعاوي مشاغل الحياة ، جريا وراء لقمة العيش ، ولم يتفرغ لطلب العلم إلا على كبر ، فكان من القلة الذين جعل الله في علمهم بركة ، وفي إخلاصهم وصدقهم مع الله نتيجة ، وذلك بتفتح السبل ، وتذليل الصعاب ، وسرعة النتائج ، حيث دأب - رحمه الله - على الإخلاص والنصح والدعوة ، منذ كان شابا في عنيزة ، ومع تلاميذه في أول مدرسة افتتح في مسقط رأسه للتعليم : قراءة وكتابة ، يقول عن نفسه : أني لما رجعت من الهند في 22 رمضان سنة 1357 هـ ، وقدمت الرياض ، أقمت عند شيخي الفاضل العلامة : محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ، أقرأ عليه للمرة الثالثة ، وأما الرابعة فكنت مستمعا ، وأما الخامسة فلم أجده لأنه كان بمكة يومئذ ، وقد ذهبت إلى الأحساء عند فضيلة الشيخ عبد العزيز بن بشر ، وإلى قطر عند فضيلة الشيخ محمد بن مانع ، فقرأت عليهما كليهما في الحديث .

وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد آل مانع ، كما رحل إلى بريدة فلتقاه عن الشيخ عبد الله بن سليم ، وعمر بن سليم أيضاً ، وترك التجارة وانصرف إلى طلب العلم ، فرحل إلى الهند للتزود من العلم ، وذلك عام 1334 هـ ، والتحق بالمدرسة الرحمانية بدلهي ، وتلقى علم الحديث عن علماء السنة في الهند ، فلما جاءه خبر مرض والدته بعد سنة من وصوله ، عاد إلى عنيزة ولكن توفيت قبل وصوله ، ثم جد في طلب العلم ، وصار يقوم برحلات إلى العلماء الكبار في أوطانهم وأمكنة عملهم ، وفي خلالها يعود إلى بلده عنيزة ، ثم عاد إلى الهند لإكمال دراسته ، فتلقى علم الحديث عن الشيخ عبد الله بن أمير القرشي الدهلوي ، وأجازه إجازة مطولة في كتب الحديث في رحلته الأخيرة عام 1355 هـ ، ثم عاد عام 1357 هـ ، وقد سافلا أيضاً للعلم إلى مصر ، وفلسطين ، ثم إلى الشام " سوريا " ، ثم إلى الأردن ، وأخيراً إلى العراق والكويت ، ثم رجع إلى بلاده .

إنتقاله لمنطقة جنوب السعودية :

لازم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقاً فترة ، وحج معه ، وبعد أداء المناسك ، طلب الملك عبد العزيز - رحمه الله - من سماحته أن يوجه إلى الجنوب مرشدا ومعلما ، لأمور الدين ، فوجه الشيخ عبدالله القرعاوي إليه ووصاه بالإخلاص في دعوته ، وبتقوى الله في السر والعلن ، وقيل أنه هو الذي طلب من الشيخ ذلك ، وندعه يتحدث عن ذلك فيقول: وفي اليوم العشرين من صفر توجهت لجازان ، وأخذت منه بضاعة ، وتوجهت لصامطة ، ثم تجولت بجهات صامطة ، ونزلت دكانا في نفس صامطة ، ووضعت فيه البضاعة التي معي ، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن الكريم ، وثلاثة الأصول ، والأربعين النووية ، والتجويد والفرائض وآداب المشي إلى الصلاة ، كان ذلك في 21 ربيع الأول عام 1358هـ فكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة اليمن ، وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة ، توجهت إلى فرسان ، وفتحت فيه مدرسة ، ومنه توجهت إلى مزهر قرية الحكميين " الحكامية " ففتحت فيها مدرسة ، في أول رجب وأصلحت مسجدها ، وهو أول مسجد أصلحت بتهامة وفي غرة شعبان توجهت إلى صامطة ، ففتحت المدرسة بها ثانيا ، في بيت ناصر خلوفه ؛ لأنه لا يستطيع المشي وهو من خيار الطلبة وأكبرهم ، فأردت أن لا يتكلف ، وفيها استقريت حتى الآن .

علاقة الحكومة بمدارس الشيخ القرعاوي :

رغم ما كابده الشيخ القرعاوي رحمه الله من مشكلات سببها نفثات الحاسدين ، وتلبيس المغرضين ، فإن الحكومة وفقها الله أرسلت لجانا عديدة للوقوف على الحقيقة ، فكتبت تقارير تنبئ عن إعجابها بالمدارس وتدعو لتشجيعها ومساندة الشيخ القرعاوي في عمله لصدقه وإخلاصه وسلامة مقصده ، فكان لذلك أثر حسن لدى المسئولين في الدولة . . فالملك عبد العزيز - رحمه الله - ارتاح لعمل القرعاوي وأمر له بمكافأة تعينه على مسيرة العمل عام 1367 هـ . والملك سعود - رحمه الله- ولي العهد يومئذ في عام 1363هـ تفضل ببعث إعانة كبيرة للشيخ جعلها عادة سنوية وأوصى به أمراء الجهات وقضاتها . والأمير خالد السديري في عام 1362هـ وقبل أن ينتقل من إمارة جازان قد توسط عند الحكومة بطلب إعانة للطلبة ، فجاء الأمر بصرف ثلاثمائة ريال 300 شهريا . فكانت تصرف من مالية "صامطة " لثلاثين طالبا . كما تبرع الأمير خالد بقيمة الدفاتر والأدوات المدرسية على حسابه ، والأمير محمد بن أحمد السديري لما جاء لجازان عام 1364هـ سلك مسلك أخيه خالد بالمساعدة والتأكيد على القضاة وأمراء المقاطعة بمساعدة الشيخ القرعاوي . ثم فيما بعد عين الشيخ عبد الله القرعاوي معتمدا للمعارف بمنطقة جازان 1373 هـ ولكنه استقال في نفس السنة ، واستمر في مدارسه . وهكذا استمرت رعاية الحكومة لمدارس القرعاوي ، التي شملت منطقة كبيرة من البلاد ، حيث أمر الملك سعود - رحمه الله- بأن يكون لها ميزانية مستقلة عام 1374هـ ، وأن يسند إشرافها إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - لكنه اعتذر بمشاغله الكثيرة ، فقال الملك سعود رحمه الله ، عند زيارته لأبها في مجلس عام : " مدارس القرعاوي أنا المشرف عليها ". وقد اتخذ القرعاوي لها مقرا في مكة ، لتكون الإدارة قريبة من وزارة المالية والجهات الحكومية ذات العلاقة ، حيث كلفت وزارة المالية ممثلا ماليا ينظم صرفها على الطلاب والمدرسين والموظفين . وفي عام 1371هـ أمر ولي العهد- رحمه الله - بصرف تكاليف بناء المدرسة والجامع القديم بصامطة ، على مالية جازان ، ويروي تبعية المدارس وأمر الملك سعود بشأنها ومقابلته مع الشيخ القرعاوي . . كما كانت وزارة المعارف بتوجيه أول وزير لها عام 1373 هـ سمو الأمير فهد - آنذاك - تولي مدارس القرعاوي عناية خاصة بالاهتمام والمتابعة وتحديد المستوى . وقد بلغت ميزانية المدارس التي أمرت بها الحكومة لمدارس القرعاوي ذلك الوقت خمسة ملايين من الريالات . نظرا لأن أعمال الشيخ القرعاوي توسعت ، وجهوده تواصلت في منطقة كبيرة وواسعة من بلادنا الغالية ، كما امتد أثرها في اليمن حيث أسس طلابه اليمنيون مدارس في قراهم بجهودهم الذاتية كما عمل شيخهم .

حصيلة الجهد الدعوي :

ويمكن إجمال المدارس التي فتحها الشيخ القرعاوي في أنحاء المملكة وفقا للإحصائيات الواردة في الكتابات عن حياة الشيخ القرعاوي وأعماله في المنطقة . . كما يلي :
1 - يقول الشيخ موسى السهلي في كتابه عن القرعاوي ، ودعوته في جنوب المملكة : وقد بلغ عدد المدارس حسب علمي- في أوج توسع العمل فيها ، وحسبما ذكره سماحة شيخنا: ألف وثلاثمائة وعشر مدارس .
2 - أما الشيخ علي بن قاسم الفيفي في كتابه : السمط الحاوي لأسلوب القرعاوي ، في نشر التعليم في جنوب المملكة ، فقد أورد رأيين:
الأول: نسبه إلى الشيخ أحمد بن يحيى النجمي : بأن المدارس بلغت في عام 1376هـ مائتان وألف مدرسة " 1200 " بها نحو مائة ألف طالب ، وكان يكافئ الطالب المبتدئ بريالين وخاتم القرآن بعشرة ريالات شهريا .
الثاني : نسبه إلى الشيخ إبراهيم بن عبد الله زكري ، وهو من معاوني الشيخ المقربين إليه ، حيث أخبره أنه بلغ عدد المدارس في أوج ازدهارها في عام 75 1376هـ ثمانمائة وألفي مدرسة(2800) ولكنه انخفض العدد بعد ذلك . ثم أردف قائلا: وفي رسالة بعث بها إلي الشيخ بتاريخ 16 7 1375هـ ذكر فيها أنه رتب في أبها والقنفذه والطائف وتوابعها تسعمائة مدرسة .
3 - والشيخ عمر أحمد جردي يرى أن المدارس في عام 1376هـ ، وهو أول عام فتحت فيه المدارس في نجران بأمر من الملك سعود ، قد بلغت ألفين ومائتي مدرسة ، فيها خمسون ألف طالب ، وفيها خمسة عشر ألف طالبة . بثلاثة آلاف مدرس ومدرسة .
4 - وفي موطن آخر ينقل عن الشيخ القرعاوي بأن اللجنة التي جاءت عام 1376هـ لتفقد المدارس ، لم يقف أعضاؤها في تجوالهم ، إلا على ألف وخمسمائة مدرسة ، وبقي منها سبعمائة وخمسون مدرسة لم يتجولوا عليها ولم يشاهدوها ، حيث سافروا من صامطة يوم 17 8 1376هـ ، والمدارس التي لم يتجولوا فيها ، أوضح تفاصيلها الشيخ القرعاوي . وفي إيراد ذلك بيان عن المناطق التي شملها نشاط الشيخ القرعاوي في تعليمه ودعوته- رحمه الله - وهي :
1 - جازان 220 مدرسة غالبها في الجبال .
2 - منطقة عسير وتهامة 200 مدرسة .
3 - منطقة القنفذه 140 مدرسة .
4 - منطقة تهامة غامد وزهران 95 مدرسة .
5 - منطقة الليث 50 مدرسة .
6 - مدينة جدة 30 مدرسة غالبها ليليات .
7 - مكة المكرمة 10 مدارس .
8 - جهة القصيم عنيزة وبريدة 25 مدرسة غالبها نسائية .
فأصبح مجموع المدارس 770 مدرسة ومجموع التلاميذ للأولاد والبنات 75000 طالب وطالبة ؛ منهم عشرة آلاف تلميذ وتلميذة بالمدارس العلمية .
5 - أما في اليمن فإن تلاميذه حرصوا على نشر العلم في بلادهم ، وكان أولها في عام 1373 هـ عشرين مدرسة بمدينة حرض وما حولها ، وبلغت في أنحاء اليمن عام 1375 هـ 86 ستا وثمانين مدرسة ، منها خمس مدارس للبنات .
ومن هذا العرض الموجز ، ندرك أن الشيخ عبد الله القرعاوي يعتبر رائد التعليم والدعوة في جازان وما حولها في مناطق الجنوب ، ويعترف كثير من طلبة العلم هناك بفضله وأعماله ، وإيقاظه للمنطقة ، وانتشال أهلها من براثن الجهل ، ومهاوي البدع والمنكرات . كما يعتبر رحمه الله ، رائدا في تعليم المرأة هناك ، ورائدا في توفير المكتبات ، والترغيب في المطالعة والتأليف ، ورائدا في توفير السكن الداخلي للطلاب الغربـاء ، ليدخر جهـدهم للعلم ، حيث أخذ الفـكرة من مدارس الهند التي تعلم فيهـا ، أو زارها كالمدرسة الرحمانيـة بدلهي . وهو نموذج للتواضع ، فريد في البذل والحرص والمتابعة ، مع الحلم ، حيث احتذى بعض طلابه منهجه ، وهان عليهم السفر لأي مكان في سـبيل العلم: أخذا وعطاء ، وتحملا من أجله . كما يعتبر أستاذ جيل ، وداعية مجددا بالرفق واللين والحكمة والصبر ، وهذه سـمات العلماء وأخلاقهم ، في حبهم للخير والمساعدة ، وفي حرصهم على الدعوة إلى الله سـبحانه ، واهتمامهم بتعليم الناس أمور دينهم .
أمضى الشيخ القرعاوي واحدا وثلاثين عاما في منطقة الجنوب ، كلها حركة دائبة : في التعليم والدعوة . ترك خلالها آثارا جليلة ، حيث أيقظ الله به خلقا كثيرا من نومة الجهل ، وغمامة الأهواء ، فالمنطقة كانت تغط في سبات عميق ، وتتخبط في ظلمات داكنة من الشرك والبدع ، وبعض أبنائها إن لم يكن جلهم يتعلقون بأصحاب القبور والسحرة ، وما يتبع هذا من المعاصي والآثام . وقد عانى الشيخ في هذا السبيل ما الله به عليم ، فصبر وصابر ، وهذب نفوس وطباع من حوله ، من طلاب وجلساء ، حتى برزت الثمار ، وظهرت النتائج في الغرس: طلابا نجباء ، ومدرسين وقضاة ، ودعاة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وغير هذا من ثمار يانعة يلمس أثرها في ذلك اليوم وحتى الآن .

وفــاته رحمه الله :

في اليوم السابع والعشرين من شهر صفر عام 1389 هـ مرض الشيخ القرعاوي وهو في منطقة جازان الموافق ليوم الخميس ، وقد نقل على أثره للرياض ، وأدخل المستشفى المركزي بالشميسي ، فعلم به العلماء وطلاب العلم بالرياض ، وبعض المسئولين ، وجاءوا لزيارته والدعاء له بالشفاء .

وقد وافاه الأجل المحتوم في يوم الثلاثاء الثامن من شهر جمادى الأولى عام 1389 هـ عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاما ، وقد صلي عليه في مغرب ذلك اليوم بالجامع الكبير بالرياض ، ودفن بمقبرة العود بالرياض قبل وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم بحوالي خمسة أشهر ، وقد رثاه بعض تلاميذه بقصائد وكلمات . وفي مرض موته أوصى بثلث تركته في وجوه الخير والبر .
ويرى الشيخ محمد القاضي أنه في عام 1386 هـ فقد الشيخ القرعاوي بصره ، وضعفت قواه ، وأرهقته الشيخوخة فطلب الإحالة على التقاعد المعاشي ، وعاد إلى الرياض عام 1387 هـ ومعه عائلته وجعل يرتاد عنيزة ، والحجاز للحج والعمرة إلى وفاته.

المصدر: ملتقى اهل الحديث
ملتقى اهل الحديث