سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فقد علمت أن خادم الحرمين حفظه الله قدوة صالحة قد أمر بإقامة ندوة عن الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وأنّه شرّفكم بتنفيذها، فأحببت التّذكير ببعض فضائله:
أ - كما كان الإمام محمد بن سعود وولي عهده الإمام عبد العزيز وولي عهده الإمام سعود أوّل من حمل راية تَجْدِيد الدّين منذ القرون المفضّلة الإمام محمد بن عبد الوهّاب رحمهم الله جميعاً ونَشْر التّوحيد والسّنّة ومحاربة الشرك والبدعة وهَدْم أوثان المقامات والمزارات من العراق إلى بحر العرب ومن الخليج إلى البحر الأحمر(1158-1229)؛ وكما كان تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود(1235-1249) مجدِّد الدّين والدّعوة بعد عدوان الدّولة العثمانية ومرتزقتها على الدّولة والدّعوة عام1234، (العدوان الذي شَبَّهَه د. صالح العبود رئيس الجامعة الاسلامية بالحرب الصّليبيّة في مقدِّمته لكتاب الدعوة إلى الله في جزيرة العرب للكاتب، بل العدوان الذي وَصَفه بالحرب الصّليبيّة: د. زكريا بيّومي أستاذ التّاريخ الحديث في جامعة المنصورة بمصر في مجلة المنار الجديد المصريّة عدد18 في محرّم1423 لأنه عدوان على الدّين الحقّ)؛
فإنّ الملك عبد العزيز وولي عهده سعود(1319-1384) رحمهما الله جَدَّدا الدّين والدّعوة والدّولة ونَشَرا التّوحيد والسّنّة وحارَبَا الشرك والبدعة ووَضَعا أسس الدّولة السّعودية الحديثة.
ب - وممن أدرك اعتماد الملك عبد العزيز - بعد الله - على نجله وولي عهده سعود رحمهما الله في نشر الدّين والدّعوة:
شيخ الدّعوة في مصر إلى التّوحيد والسّنّة ومحاربة الشرك والابتداع في الدّين (محمد حامد الفقي) إذ وصف سعوداً رحمه الله (أمير العلماء وعالم الأمراء) في مقدّمته للطّبعة الأولى من (جامع الأصول)، وهو أوّل ما طبَعَتْه دولة التّوحيد والسّنّة من أمّهات كتب الحديث، وكانت هي الطّبعة الأولى للكتاب في تاريخ الاسلام.
ج - وثابَرَتْ دولة الدعوة على منهاج النبوة في عهد الملك عبد العزيز وولي عهده سعود رحمهما الله على طبع مئات المُجَلَّدات من المراجع الشرعيّة لأوّل مرّة في تاريخ الإسلام، ومنها: تفسير ابن كثير والمغني والشّرح الكبير والإنصاف وغيرها كثير.
د - ووفق الله الملك سعود للثبات على نهج والده المُجَدِّد في خدمة علوم الشّريعة من الكتاب والسّنة وفقه الأئمّة الأُوَل، والدّعوة إلى شرع الله، وتحكيمه في الاعتقاد والعبادات والمعاملات دون تغيير ولا تبديل ولا انحراف، ومن أهمّ ذلك:
1) وَضْع أساس جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلاميّة في أوّل سنة من ولايته المباركة بافتتاح كليّة الشريعة بالرّياض سنة1373، وهي أقدم كلّيّات الجامعة ومعها المعاهد.
2) الاستمرار في رعاية كلّيّة الشريعة بمكّة المباركة وإيوائها في قصره بالزّاهر، ووضعها تحت إدارة شيخ الدّعوة إلى التّوحيد والسّنّة بمكّة (عبد الله خيّاط) وهي أوّل كلّية للشريعة أو غيرها في جزيرة العرب، وقد أنشأها سعود عام1369.
3) تمويل ورعاية جمع وطبع فتاوى ابن تيمية لأوّل مرّة في37 مجلّداً خدمة عظيمة منه للإسلام والمسلمين لم يُسْبَق إليها.
4) إنشاء الجامعة الاسلاميّة بالمدينة النّبويّة لطلاب العلم الشرعي من أقطار الأرض (85% غير سعوديين)، وآثرها بـ28 بيتاً من قصره في المدينة،
ولا يزال قصره ومسجده أهمّ مباني الجامعة ومركزها الرئيسي.
5) تطوير أعمال الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر) في مؤسّسة حكوميّة مستقلّة لا تقلّ في ميزانيتها وفروعها وعدد موظفيها عن بعض الوزارات ولكنّها تفوقها جميعاً في ارتباطها بالكتاب والسّنّة والفقه في الدّين والتميّز على العالم.
هـ - ووفّق الله الملك سعود رحمه الله إلى الانتقال بالدّولة والمجتمع إلى مرحلة جديدة من الحضارة والإدارة العصريّة لم يكن لها مثيل في المنطقة من قبل، ومن أهم مظاهرها:
1) إنشاء أوَّل جامعة في جزيرة العرب: (جامعة الملك سعود بالرّياض).
2) توسعة المسجد الحرام (والمسجد النّبوي) لأوّل مرّة بعد العمارة العبّاسيّة.
3) سفلتة الطريق بين الدّمام والرّياض باتّجاه مكّة والمدينة.
4) زيادة عدد الوزارات لتشمل أهمّ الخدمات العصريّة.
5) إسناد الجديد من الوزارات لوزراء من خيرة المثقفين من الشباب.
6) تخطيط وتنفيذ مباني الوزارات جميعاً على طريق المطار.
7) إنشاء أوّل إسكان حديث لموظّفي الدّولة بالرّياض الملزّ.
8) تنفيذ عدد من مشروعات المياه في الخرج والأفلاج وتيماء والأحساء وغيرها لأوّل مرّة في التّاريخ.
9) إنشاء عدد من المشروعات الطّبّية من أهمّها المستشفى المركزي بالشميسي في الرّياض ولا تزال له الصّدارة في المملكة المباركة.
10) إصدار النّظم الإداريّة التي تحتاجها الدّولة الحديثة ولا يزال العمل الحكومي ينفّذ بموجبها حتى اليوم.
11) وكان الملك سعود ساعد والده الأمين رحمه الله في إنشاء وتطوير الأجهزة الأمنيّة العسكريّة المختلفة.
12) وكان ساعد والده الأمين (رحمهما الله) في إنشاء وتطوير الطّيران المدني السّعودي، والخطّ الحديدي بين المنطقة الشرقيّة والرّياض، بل عهد إليه والده بالتنفيذ منذ1368.
13) وكان الملك سعود رحمه الله أوّل من استعمل المقاطعة التّجاريّة في صالح العرب فأوقف بيع البترول عن المشاركين في العدوان الثلاثي على مصر عام1956.
14) وفي هذا السّبيل وللغرض نفسه فتح الملك سعود رحمه الله مطارات المملكة العسكريّة ملاذاً للطّائرات المصريّة أثناء العدوان الثلاثي غير ملتفت للخطر العسكري الأوروبي والإسرائيلي على السّعوديّة.
15) وتشجيعاً للعلم والعلماء أمر رحمه الله بتمويل مدارس الشيخ/ عبد الله القرعاوي رحمه الله في جيزان وما حولها.
16) وكان الملك سعود رحمه الله يعطي في الدّاخل والخارج عطاء من لا يخشى الفقر فسُمِّي بحقّ: (أبو خَيْرَيْن).
زار تيماء فنال كلّ رجل وامرأة وطفل من أهلهما عطاءه.
وزار تبوك فذُكِر له حال جزيرة صغيرة في البحر الأحمر يعيش أهلها على صيد السّمك ليس فيهم موظّف فأمر بصرف راتب شهري لكلّ عائلة في الجزيرة، واقترحت جهة مختصّة أن يكون الراتب الشهري 30ريالاً، فزادها أحد الكتاب - عمداً أو سهواً - صفراً من اليمين، وجاءت موافقة الملك سعود رحمه الله على صرف300ريال شهريّاً لكلّ عائلة، ولما روجع في ذلك (إذ كان راتب أمير المنطقة 1200ريال) قال رحمه الله: هذا عطاء الله فأمْضُوه.
17) وزرته رحمه الله مرّة واحدة في الحويّة ضمن وفد معلّمي وطلاب دار التّوحيد بالطّائف، وتحدّث الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع رحمه الله، وتحدّث ممثل المعلّمين، وتحدّث ممثّل الطّلاب، ثم تحدّث الملك سعود رحمه الله فتميّز حديثه (على الجميع) بالأمر بطاعة الله ورسوله والنّهي عن معصية الله ورسوله وخصّ أحد الأحكام الشّرعيّة بنصيب أكبر من الحديث، وختم حديثه بأهمّية العلم والعمل الشرعي في حياة الفرد والجماعة، ولأن الوفد وفد العلم الشرعي في المنطقة فقد أَخْبَرَنَا بأنّه أثابه الله أمر بتخصيص طائرة لنقل الطّلاّب بعد انتهاء العام الدّراسي وإسكانهم في ضيافته بالرّياض ثمّ نَقْل كلّ منهم إلى بلده، وركبت مع زملائي الطّائرة لأوّل مرّة في حياتنا وكان السّفر بالطّائرة لا يزال نادراً، ونزلنا في ضيافة أمّ قبيس بالرّياض حتى تمّ نقْلُ كلٍّ منّا إلى قريته وأهله.
18) وقد بنى الملك سعود رحمه الله ما بنى، وأنجز ما أنجز، وانفق ما أنفق للدّين والدّنيا وللعلم والعمل في وقت لم يتجاوز فيه إنتاج المملكة من النّفط (المصدر الوحيد للدّخل): مليون برميل في اليوم، ولم يتجاوز سعر البرميل: دولاراً و80سنتاً.
19) وكان للملك سعود رحمه الله طموحات عظيمة في العلم والعمل في الإدارة والاقتصاد والسّياسة تحقق كثير منها وعَجِزَت الميزانية والإدارة التّنفيذيّة الناشئة عن تحقيق بعضها.
20) وكان للعرب يومها يهيمون - كعادتهم اليوم - في أوهام القوميّة والاشتراكيّة فلم يعوا فضل الله بالملك سعود ولا فضل الله عليه، ولكن الله لا يضيع أجر المصلحين، اللهم ارفع درجاته في الصّالحين.
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه الرسالة رقم/70 في1427/5/7هـ