المرصد الصحفي يقدم للمهتمين والمهتمات بالدعوة النسائية أبرز ما كتب عن المرأة في الصحف والمجلات سلباً أو إيجاباً


بعد مجهودات كريمات الملك سعود لتوثيق حقبة تاريخية مهمة ... ذاكرة السعوديات تستعيد بدايات النهضة التعليمية النسائية

الكاتب:
هل تستطيع المرأة إعادة صياغة التاريخ؟... سؤال يطرح نفسه لمن يتابع جهود صاحبات السمو الملكي من الأميرات من كريمات الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود وكريمات ثاني ملوك الدولة السعودية الثالثة، الملك سعود، والملك فهد بن عبدالعزيز، أول وزير للتعليم في السعودية، وأخيراً خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، من خلال تشريف حرمه الأميرة حصة بنت طراد الشعلان حفلة إصدار كتاب «صور سيرة الملك سعود»، ومعرض الصور المصاحب له والذي احتضنه المتحف الوطني بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي برعاية الأميرة نوف بنت عبدالعزيز أخيراً. مشهد بهو المتحف الوطني ليلة اليوم الثاني من هذا الشهر، كان مهيباً ومكتظاً بكل الفئات العمرية التي وجدت في حفلة التدشين، وقدر عدد الحاضرات بما يربو على 800 سيدة وفتاة، وبدا التلاحم مع هذه التظاهرة من عدد كبير جداً من منسوبات السلك التعليمي والأكاديمي والتربويات والإعلاميات وحشد من سيدات المجتمع وزوجات السفراء في السعودية، وأخذت ذاكرة السعوديات في تلك الليلة تستعيد بدايات النهضة التعليمية للفتاة، بعد اجتهاد كريمات الملك سعود في إعادة توثيق وتدوين حقبة تاريخية غابرة ومشاركة الأميرة فهدة في تجميع كتاب الملك المصور.
لم يكن الهدف من الحفلة استعراض كتاب «صور سيرة الملك سعود» والمعرض المصاحب له فقط، فما أذهل الحاضرات هو رؤية متعلقاته الشخصية التي بلغ مجموعها أكثر من 50 قطعة، بينها نموذج للتاج الذي كان يهديه لكل سيدة تلد له مولوداً أنثى، ويقابل ذلك للسيدة التي تلد له مولوداً ذكراً إهداؤها مسدس، ليحمل كل من الأبناء هديته معه طوال عمره، نظاراته التي اشتهر بها في صوره، وعصاه وسيفه وخنجره وكرسيان، إضافة إلى عقاله، وغيرها من القطع التي يتاح وللمرة الأولى للأجيال مشاهدتها، جمعتها الأميرة لطيفة بنت سعود من أبناء وكريمات المليك الراحل لعرضها.

معاناة مع التوثيق
قبل افتتاح المعرض شاركت المختصة في العلوم السياسية الأميرة فهدة بنت سعود في الندوة العلمية لتاريخ الملك سعود، التي اختتمت أعمالها نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقدمت دراسة تتعلق بـ «توثيق تاريخ الملك سعود بن عبدالعزيز»، عبرت من خلالها عن المعاناة التي واجهتها أثناء إعداد الدراسة، وقالت لـ «الحياة»: «إن ذلك ناتج عن ندرة الوثائق الخاصة بفترة حكم الملك سعود في المكتبات والمؤسسات السعودية، ولن نبالغ إن قلنا إن الكتابة عن تاريخه من أصعب أنواع الأبحاث في التاريخ العربي الحديث لانعدام الوثائق التي تثبت مواقفه العربية والإسلامية والعالمية كملك حكم السعودية 11عاماً، والمتمثلة في الخطابات المتبادلة مع الرؤساء والملوك والمعاهدات التي وقعها مع دول عربية وأجنبية وانعدام مراسلاته فترة ولايته للعهد 20 عاماً, ومن قبلهما فترة حروبه إلى جانب والده الملك عبدالعزيز وماصاحبها من مراسلاته مع شيوخ القبائل والتي توثق  دوره فارساً وقائداً وحاكماً لنجد».
وأضافت: إلى ذلك انعدام قدرتها على توثيق رسائله المتبادلة مع والده خلال تلك الفترات، الأمر الذي أدى إلى «عدم القدرة على توثيق الثقة التي أولاها الملك الأب لابنه ونوعية العلاقة الوثيقة بينهما، وفي كل الأحوال تعتبر الوثائق البريطانية أكبر مرجع تاريخي للمنطقة»، وتعزو الأميرة فهدة ذلك إلى أن هذه الوثائق إما وثائق متوافرة ويصعب الحصول عليها أو غير متوافرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر «الرسائل والوثائق الرسمية والأوامر والمراسيم الموجودة في المركز الوطني التابعة لديوان مجلس الوزراء، والوثائق الموجودة في إمارة منطقة الرياض، والمحكمة الشرعية، إضافة إلى الملفات الموجودة في محفوظات وزارة المالية، والوثائق الموجودة لدى الوزارات المختلفة منذ إنشائها».
مشددة على أن غياب الأفلام والصور والتسجيلات الصوتية المتوافرة لدى وزارة الإعلام والكتب والكتيبات الرسمية المطبوعة من وزارة الإعلام خلال فترة حكم الملك سعود، ووثقت افتتاح المشاريع الداخلية والمنجزات لم تتوافر لها.
كما تؤكد مبررات ذلك بقولها: «لأنها سحبت، وعلى وزارة الإعلام إتاحتها وإعادة نشرها، وقد واجهتني صعوبات جمة في تجميع الصور للكتاب بشكل شخصي بسبب امتناع وزارة الثقافة والإعلام عن تقديم المساعدة، وظهر كتاب حياة الملك سعود المصور بفضل تعاون الكثير من الجهات والأفراد، وكانت هنالك الكثير من الوثائق التي تعتبر بمثابة رصد قيّم للمعلومات وخسارتها كانت على حساب التاريخ المهم للوطن، والحصول على مثل تلك الوثائق من الباحثين أمر غير متيسر، فالعادة أن تكون ذريعة تلك الجهات عند الطلب هو أن الاطلاع على وثيقة لها علاقة بموضوع تاريخي يمكن أن يكشف أوراقاً سرية».

بواكير النهضة التعليمية
الأميرة صيته بنت سعود ذكرت لـ «الحياة»، أنها وشقيقاتها حظين بأب شغوف ومحب للعلم: «حرص على تعليمنا ونعد نحن أبناءه وبناته من أوائل من تحصلوا على التعليم في المملكة، ولفرط حبه للعلم كانت معلماتنا يقدمن له تقريراً عن تقدمنا الدراسي باستمرار، وفي كل عام كان حريصاً على مكافأة الناجح منا»، تضيف: «كان يخصص لنا من وقته لحضور حفلة نجاحنا السنوية، يحضرها مع ولي عهده الملك فيصل وكانت لنا بمثابة العيد نجتهد فيها ونقدم بعض الأناشيد والعروض المسرحية». لثلاث من بنات الملك سعود وجهودهن الأثر الأكبر في إحداث نقلة نوعية مفصلية في تاريخ تعليم الفتاة في السعودية بمساندة الملك سعود ودعمه، إذ تعد الأميرات نورة بنت سعود رئيسة «مبرة الكريمات», والأميرة موضي بنت سعود نائبتها، والأميرة حصة بنت سعود الأمينة  العامة على المبرة والمشرفة عليها، أول السعوديات الموجودات على رأس العمل لخدمة الشأن التعليمي للفتاة.
ولإجلاء اللبس الذي تردد حول انعدام قبول المجتمع السعودي تعليم الفتاة تقول الأميرة فهدة بنت سعود لـ «للحياة»: إن هذه القضية مثل أي قضية تستجد على المجتمع «كان يوجد المطالبون بزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس لتعليم بناتهم في تلك الفترة، ما شجع الملك على الموافقة على إنشاء «مبرة الكريمات» خارج أسوار الناصرية، والاعتراضات جاءت نتيجة ذلك»، كما تفيد بأنه: «فيما كانت مدرسة الكريمات بـدأت بـ (13) تلميذة «عام 1951» في قصر المربع, ونتيجة ارتفاع العدد عام 1956 إلى (480) تلميذة من جميع فئات الشعب والأسرة ومرافقاتهن، استوجب ذلك الانتقال إلى المبنى الجديد في الناصرية، ليصبح اسم المدرسة (معهد الكريمات) وفي يوم الثلثاء «7 - 8 - 1376هـ» (9 - 3 - 1957) افتتح الملك سعود مبرة كريمات الملك سعود».

تهديد الأميرة حصة
وتلفت الأميرة فهدة إلى أنه: «في العام الأول واجهت شقيقتي حصة إشكالية رفض بعض الأهالي تعليم فتياتهن، إذ تسلمت خطابات تهديد من الأهالي تطالب بإغلاق المبرة، ثم قاموا بتقديم اعتراضهم إلى الملك سعود، إلا أن قناعته بأهمية تعليم الفتاة أدت إلى وقوفه بجانب بناته ومساندتهن على خطوتهن الرائدة ما شجعهن على الاستمرار».
بعد عام بدأ التقبل التدريجي بأهمية تعليم الفتاة وأصبح عدد التلميذات 50 طالبة ما أحوجهن للانتقال إلى مبنى جديد في المربع، وشجعهن أيضاً وقتها الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف، وأمدهن بالمناهج التعليمية اللازمة للمدرسة، وبعد فترة ارتفع عدد التلميذات إلى 220 تلميذة  مايؤكد أن الجدل كان بين قوة معارضة وأخرى مساندة».  وتؤكد على أن الأميرة حصة تحتفظ ببعض الوثائق والخطابات وتضيف: «قيل في ذلك الوقت أن المبرة تخدم اليتيمات لامتصاص غضب الأهالي واستنكارهم للجديد، والواقع أن بنات الأسرة درسن فيها وتخرجن فيها، واستمرت تؤدي دورها حتى ضمت إلى الرئاسة العامة وتم تغيير مسماها إلى الابتدائية السادسة عشرة في المربع». حملت أخبار الصحف مع إشراق يوم الجمعة 21 ربيع الثاني1379هـ
خبر إنشاء «الرئاسة العامة لتعليم البنات»، كما صدر المرسوم الملكي في عام (1380هـ / 1960) لتعليم البنات وفتح المدارس في جميع أنحاء المملكة، وقوبل بالرفض في بعض مدن نجد ما أجل فتح المدارس فيها، مثل مدينة بريدة التي عارض بعض أهاليها فتح المدارس للفتيات وقام وفد منهم في أواخر عام (1381هـ / 1961) بزيارة إلى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار والمشرف العام على تعليم البنات في الرياض وطالبوه بعدم فتح مدارس في منطقتهم، فرد عليهم بقوله: «من له اعتراض فليقدمه إلى الملك شخصياً، واتجهوا إلى قصر الملك سعود الذي كان وقتها يزور الظهران وضربوا خيامهم جنوب الرياض، وبعثوا مندوبين عنهم إلى ولي العهد الأمير فيصل، ولكنه لم يستقبلهم وأرسل لهم مندوبه ابن غشيان، وأبلغهم برسالة ولي العهد التي تفيد: «بأن فتح المدارس للفتيات أمر من جلالة الملك سعود، والذي لا يرغب في إلحاق بناته بالمدرسة له الحرية بذلك»، وعندما سمعوا بهذه الردود عادوا إلى بريدة، ولم تدم فترة اعتراضهم طويلاً، إذ تم افتتاح أول مدرسة للفتيات في بريدة عام (1382هـ / 1962) بحسب إصدار للدكتورة فوزية البكر عن المرأة السعودية والتعليم.

التعليم العالي
جامعة الملك سعود فتحت أبوابها للفتاة السعودية بداية بالانتساب إلى بعض الكليات عام (1381- 1382هـ)  في عهد الملك سعود، ثم فتح لهن باب الانتظام في عام 1394هـ، وأنشئت أول مدرسة للممرضات عام 1380هـ.  ولعله من الطريف استعراض رسالة إلى الملك سعود من طالبات مبتعثات على حساب أولياء أمورهن في دولة مصر آنذاك لاستكمال التعليم العالي، ورد فيها مطالبتهن بالمساواة مع الذكور المبتعثين.
وذكرن فيها: «جلالتكم أرسيتم القواعد الأولى للنهضة النسوية ببلادنا بتأسيس المدارس الأولية للبنات التي نرجو أن يكون لها ما بعدها من مدارس ثانوية وكليات عالية للبنات تغني عن إبتعاثهن إلى الخارج، فلا يبقى هناك عذر بعد ذلك لمن يبعث بفتاة تتعلم في خارج بلادها، وبعطفكم السامي وأياديكم التي عمت القاصي والداني، نرجو أن تتكرمون يا أبا الشعب ونصير الفتاة السعودية ومنقذها من الجهل فتصدرون أمركم الكريم بتعليمنا على نفقة جلالتكم الخاصة ومساعدتنا كزملائنا من طلاب البعثات السعودية بالقاهرة».