الرياض: بدر الخريف
وضع الملك سعود بن عبد العزيز اللبنة الاولى للتعليم في بلاده في عهد والده المؤسس عندما كان ولياً للعهد الى أن تسلم مقاليد السلطة في البلاد، وسجل ثاني ملوك الدولة السعودية أسمه كراع أول للعلم في الدولة الناشئة من خلال انشاء معهد حمل اسم انجاله وكريماته مع أنه مفتوح لجميع ابناء البلاد وذلك منذ 65 عاماً، ثم توج الملك سعود جهوده واهتمامه في التعليم عندما اصدر قبل 54 عاماً أمره بتأسيس وزارة خاصة باسم وزارة المعارف تتولى كل الشؤون المتعلقة بالمعارف في المملكة والنهوض بالتعليم الى المستوى اللائق في البلاد.
وعين بموجب الأمر الملكي الامير فهد بن عبد العزيز وزيراً للوزارة الجديدة، كما انشأ الملك الراحل أول جامعة في بلاده حملت اسمه وهي جامعة الملك سعود، وفتح الباب واسعاً لانشاء المدارس والمعاهد الصناعية والزراعية والتجارية والشرعية في مختلف انحاء المملكة لتخريج جيل يتسلح بالعلم والمعرفة لإدارة دفة التنمية في بلاده الحديثة ووسط احداث عالمية واقليمية واقتصادية بالغة الصعوبة.
وشهد عهد الملك سعود عندما كان ولياً للعهد ثم ملكاً للبلاد محطات هامة ونقلات لافتة في قطاع العلم والتعليم ولعل أولى هذه المحطات ما حدث قبل 62 عاماً عندما تلقى المعلم الشاب عثمان الصالح الذي غادر منطقة نجد الى الساحل الشرقي من البلاد لمزاولة التجارة بعد تركه مهنة التعليم برقية من الامير سعود بن عبد العزيز ولي عهد السعودية تفيد بضرورة سفره العاجل الى الرياض لمهمة خاصة.
حمل الشاب عثمان الصالح امتعته على عجل عائداً الى الرياض وتوجه عند وصوله الى مكتب ولي العهد الامير سعود بن عبد العزيز وعند مقابلته أوكل اليه الرجل الثاني في الدولة الناشئة مهمة انشاء مدرسة جديدة نواتها حجرة صغيرة في ركن من اركان قصر ولي العهد كانت تستخدم مدرسة طلابها انذاك لا يتجاوز عددهم بضعة عشر طالباً على رأسهم انجال ولي العهد الثلاثة: مساعد ومحمد وعبد الله، ولم يكن بها من المدرسين إلا استاذ فاضل وشيخ جليل هو الشيخ عبد الرحمن بن رشيد بن عوين، كانت هذه الحجرة عبارة عن كتَاب قديم ولم تكن على هيئة مدرسة نظامية، حيث لم يكن بها سنوات دراسية ولم تخضع الدراسة فيها وفق منهج دراسي تسير عليه فجاء هذا التوجيه من ولي العهد الامير سعود بن عبد العزيز لتطوير مدرسة انجاله وفتحها لجميع ابناء الشعب وتابع تطوير المدرسة ودعمها بعد أن تسلم مقاليد السلطة لتتحول الى أشهر المدارس في البلاد.
ولم يقتصر اهتمام الملك سعود على العناية بتعليم البنين من انجاله والامراء الاخرين وابناء الوطن بل تعدى ذلك الى الاهتمام بتعليم البنات عندما وجه المربي عثمان الصالح بافتتاح مدرسة «معهد الكريمات» لقناعة الملك باهمية هذا النوع من التعليم الذي كان غائباً رسمياً عن المشهد التعليمي إلا من محاولات خجولة في بعض المناطق وكان هذا المعهد البداية الحقيقية لتعليم البنات في العاصمة.
وسجل بندر الصالح نجل المربي والمعلم عثمان الصالح من خلال ارشيفه الخاص ما حملته ذاكرة والد الراحل عن جهود الملك سعود في تأسيس التعليم في المملكة العربية السعودية منذ أن كان ولياً للعهد وحتى عندما اصبح ملكاً للبلاد، وخص الصالح «الشرق الأوسط» بمعلومات وصور تنشر لاول مرة عند محطات لافتة في قطاع التعليم خلال تلك الفترة.
بداية يوضح بندر عثمان الصالح بأن والده الراحل عاش في بيت علم ودين، حيث نال ما يعادل الشهادة الثانوية من المدرسة الاهلية في عنيزة، ودرس فيها سنتين قبل تخرجه، كما عمل معلما في عنيزة ثم معلما ومديرا في مدرسة المجمعة، فمديرا لمدرسة أنجال الأمير عبد الله بن عبد الرحمن، ليستقر مديرا في معهد الانجال (العاصمة النموذجي حاليا).
وأوضح أن معهد الانجال الذي تولى إدارته والده عثمان الصالح، بدأ بـ 50 طالبا، تنتظمهم ثلاث فرق ابتدائية، بينما كانت هيئة التدريس مكونة من معلمين اثنين هما: الشيخ عبد الرحمن بن عوين، وابراهيم السليمان، ثم انضم اليهما تلبية لرغبة مدير المعهد معلم ثالث هو سيد علي حامد المتخرج في جامعة القاهرة ويحمل درجة الليسانس في العلوم الاجتماعية، وبعد اربع سنوات من إنشاء المعهد التمس مديره من الملك دعم المعهد بمعلمين من مصر، فرأى الملك أن يسافر المدير الى مكة ليتصل بالمعارف فما عاد الى الرياض إلا ومعه معلمان هما علي احمد بناوي مدرس اللغة الانجليزية ومحمد عبد الصمد مدرس العلوم الرياضية، ثم اخذ عدد المعلمين والطلاب يزداد عاماً بعد اخر.
ورأى الملك سعود في ظل هذا التوسع في المعهد أن يتحول الى مدرسة نموذجية وكلف مدير المعهد بزيارة مصر للاستفادة من واقع التعليم والمدارس هناك، وقبل 56 عاماً تكونت هيئة بأمر من الملك لوضع منهج لمعهد نموذجي، كما وافق الملك على إنشاء مبنى للمعهد ووضع حجر الاساس له حيث افتتح في محرم من عام 1372هـ المبنى على الطراز الحديث في حي الناصرية ولا يزال المعهد يشغل هذا البناء حتى الان.
ويسرد بندر عثمان الصالح معلومات عن بدايات تعليم البنات في الرياض مشدداً بان المعلومات التي يتضمنها ارشيفه الخاص تشير الى ان هذا النوع من التعليم لم يكن غائباً عن البلاد وبالذات العاصمة الرياض، حيث أقيمت في المدينة اربع مدارس أولاها تحمل اسم «مبرة كريمات جلالة الملك» وافتتحت في شعبان سنة 1376هـ وتولى أمرها ثلاث من كريمات جلالة الملك وبها مرحلتان دراسيتان هما الروضة والمرحلة الابتدائية وتشمل خمس فرق دراسية تنتهي في الرابعة الابتدائية وعدد تلميذاتها 154 تلميذة وتسير في دراستها على حسب المنهج الذي اعدته وزارة المعارف، وتزيد عنه بمادة اللغة الانجليزية واشغال الابرة والخياطة والتدبير المنزلي، كما تهتم المبرة بالتربية البدنية، وبالمدرسة قسم داخلي للبنات ممن لهن حاجة لهذا القسم، ويشرف عليه مربيات مثقفات ومدربات تدريباً صحيحاً على هذا النوع من العمل.
ويقوم بالتدريس في هذه المدرسة معلمات مؤهلات حاصلات على شهادات جامعية وتربوية من معاهد الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية حالياً)، والمدرسة الثانية هي (معهد الكريمات) ويقع المعهد في حي الناصرية المقر الرسمي للملك سعود وهو عبارة عن مدرسة تشتمل على اربع مراحل للتعليم من الروضة حتى المتوسطة، ومع أن المعهد يحمل اسم كريمات الملك إلا ان الباب للالتحاق به كان مفتوحاً لجميع بنات المملكة، وانشئ هذا المعهد بعد عام من إنشاء مدرسة مبرة كريمات الملك وبلغ عدد طالباته في العام نفسه (250) طالبة موزعات على احدى عشرة فرقة دراسية. ويقوم بالتدريس في المدرسة 10 معلمات مؤهلات تأهيلاً تربوياً عالياً ويشرف عليها معهد الانجال، والمنهج الدراسي هو بعينه منهج وزارة المعارف بالاضافة الى تدريس اللغة الانجليزية الذي يبدأ من الروضة.
أما المدرسة الثالثة من مدارس البنات في الرياض قبل إنشاء جهاز خاص يشرف على هذا التعليم هي مدرسة الامير طلال بن عبد العزيز التي تعرف بـ (مبرة الملك عبد العزيز) وتقع المدرسة في قصر الامير طلال في حي المربع وانشئت عام 1378 هـ وتمثل مدرسة نظامية مثل سابقتيها وبها ثلاث مراحل هي: الروضة، التهيئة، المرحلة الابتدائية وبلغ عدد طالباتها في وقتها 210 طالبات لهن زي مدرسي خاص، كما أن لها سيارات تقوم بنقل الطالبات صباحاً ومساءً، وهناك مدرسة رابعة كنظيراتها في رسالتها واهدافها وهي: مدرسة النهضة للبنات التي تعد فرعاً من مدارس النهضة للبنين التي انشأها ويقوم على رعايتها طائفة من طليعة شباب الرياض المثقفين الذين آمنوا بأن العلم ضرورة من ضرورات الحياة.