«سعود واليمن» للكاتب لطفي فؤاد النعمان : "الوعد السعودي يطفئ بركان اليمن".

في زمن الكورونا ثمة من يقرأونَ التاريخ ويستخرجون لنا من بحره الزاخر لآلئ معرفية ودرراً نادرة تلمع بها علاقات الدول الشقيقة مع المملكة العربية السعودية من فجر التأسيس والتوحيد حتى عهد الحزم والتجديد.

يلتقط الباحث لطفي فؤاد نعمان من هذا البحر الزاخر، حقائق تاريخية عن عمق العلاقات الوطيدة بين الجارتين الشقيقتين المملكة العربية السعودية واليمن من عهدها الملكي إلى الجمهوري. وأخرج كتابه الأخير عن «سعود واليمن» الذي يدرس تاريخ العلاقات في عهد الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز آل سعود ودوره في توطيد العلاقات منذ ولاية العهد حتى تولى الملك فيصل العهد بعده.

دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع ببيروت التي أصدرت الكتاب، عدت هذا الكتاب «تدويناً أميناً وموضوعياً لمراحل مهمة من تاريخ العلاقات السعودية اليمنية في عهد الملك سعود». وقالت: «إن مؤلفه لطفي فؤاد نعمان الصحافي اليمني والباحث السياسي المهتم بتاريخ اليمن المعاصر والعلاقات الخارجية، يترك للقارئ اللبيب إدراك تفاصيل لا تنقصها دقة التوثيق ورقي التحليل ورشاقة الأسلوب المتميز» كما أنه «يقدم قراءة يمنية خاصة وجديدة لتلك المرحلة، بتدوين فعاليات الملك سعود منذ مطلع الثلاثينات حتى قبيل وفاته آخر الستينات، وما كان يمنحه لليمن من اهتمام خاص بوصفه البلد الجار الشقيق والمهم في شبه الجزيرة».

ولأن «اليمن استحق الاهتمام والعناية (السعودية) في تلك المرحلة وغيرها، فقد استحقت تلك المرحلة والعناية والاهتمام التوثيق والدراسة».

مقدمة الكتاب

قدم المؤلف النعمان توطئة تناولت «اتصال الشعبين اتصال قادتهما ثم خلفائهما بالمراسلات الرسمية والزيارات التاريخية»، وتطرقت إلى زيارة الملك سعود إلى اليمن سنة 1954 أثناء حكمه ثم سنة 1967 بعد خروجه من الحكم. ودوره البارز في توطيد علاقات الجارين الشقيقين، وأنه سلط الضوء على مجريات العلاقات السعودية اليمنية برعاية الملك سعود، وتتبع المسار الزمني من 1934 حتى 1967.

أشار كذلك إلى أن جزئيات في العلاقات الثنائية دونت في سطور قليلة بأقلام قيمة ضمن مراجع مهمة، لم تكن تغني عن صدور دراسة شاملة من خلال بسط مادة تاريخية واسعة تكشف في مجملها الزوايا المخبوءة في تاريخ تلك العلاقات المتميزة.

ولفت إلى ما استغرقته المادة من وقت للجمع والدراسة بغية التقاط كل ما يصحح الخاطئ من المعلومات، ويشير إلى الجلي من الغايات ويستوفي النقص في المطبوعات. وأنه يحاول «الإمعان الموضوعي والتقدير الهادئ، متحللاً من المواقف المسبقة، ومصححاً الذهنية المعلقة بنزاعات الماضي الطارئة وحزازات التخلف القديمة وأحقاد العاجزين المستعرة» حسب قوله.

وشكرا في ختام المقدمة مؤسسة الملك سعود والأميرة فهدة بنت سعود، وعدداً من مراكز الوثائق والمعلومات اليمنية والعربية وكل من تعاون معه في توفير المراجع والصور التي تغني الكتاب وتشبع سطوره.

الخلفية التاريخية

يعرض الفصل الأول من الكتاب خلفية تاريخية بدءاً من بوادر الالتقاء بين قيادات البلدين، وحكمة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في تدشين التواصل بين الأبناء بعيداً عن الآباء، عبر اقتراحه ذلك في مراسلاته مع الإمام يحيى حميد الدين. واستعرض برقيات الملك سعود عن تطورات الحرب بين البلدين سنة 1934، ثم الجهود العربية لوقف الحرب. وبحث في تطورات العلاقات بعد عقد معاهدة الطائف وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات التي شكلت حلفاً عربياً بين ثلاثة ممالك عربية وقتها وهي السعودية والعراق واليمن، قبل أن يوجه الملك عبدالعزيز نصائحه الصادقة إلى الإمام يحيى بمعالجة أوضاع اليمن الداخلية. ويمضي في شرح التواصل الثنائي بين المملكتين حول تأسيس الجامعة العربية ودورهما فيها. إلى أن يصل إلى الموقف السعودي من أحداث اليمن سنة 1948م الشهيرة باغتيال الإمام يحيى وموقف الملك عبدالعزيز وولي عهده سعود الذي تبوأ سدة العرش السعودي سنة 1953.

الملك سعود يزور اليمن

كرس لطفي نعمان الفصل الثاني لتغطية رحلة «الملك سعود في اليمن» بوصفها الزيارة الملكية السعودية الأولى إلى اليمن، وتغطية جريدة أم القرى لتلك الزيارة التاريخية، ثم تغطية الصحف اليمنية وتعليقاتها عليها، وما كان للشعر من نصيب في تخليد تلك الزيارة.. وتضمن كذلك البيان الرسمي الصادر عن العاهلين الكريمين يومها: الملك سعود والإمام أحمد بن يحيى حميد الدين. وهو بيان تناول التنسيق السياسي ولمح إلى دور الملك سعود في رأب الصدع بين أفراد الأسرة الحاكمة اليمنية، ولفت البيان إلى الوعد السعودي بالدعم الاقتصادي لليمن، الذي تحقق بزيارة وفد اقتصادي سعودي برئاسة راسم الخالدي في يناير 1955.

لأن اليمن يعيش على فوهة بركان كما يقال، فقد انفجر البركان بوقوع «انقلاب 1955» ودرس الفصل الثالث «موقف الملك سعود من الانقلاب»، وأورد الوثائق التي تثبت مساعي الملك الحميدة لإنقاذ الموقف اليمني، والبيانات الرسمية الصادرة عن الديوان الملكي لدى استقبال الوفود اليمنية برئاسة الأستاذ أحمد محمد نعمان والمصرية برئاسة النائب حسين الشافعي وابتعاث وفد برئاسة الأمير فهد بن عبدالعزيز إلى اليمن. ثم استقبال الأمير محمد البدر، وما تم تبادله من برقيات بين الملك السعودي والأمير اليمني، وتعليقات الصحف العربية على اهتمام السعودية والملك سعود باليمن، والتقارير البريطانية عن موقف الملك سعود الذي لم يكف عن متابعة التطورات اليمنية وتفاعل مع جهود تطوير الحكم اليمني. واتصاله بأحرار اليمن على أساس تقريب وجهات النظر بين اليمنيين جميعاً.

منعطفات تاريخية

منعطف تاريخي آخر أسهم فيه الملك سعود وجذب اليمن إليه حسب الفصل الرابع من الكتاب وهو «مؤتمر جدة وزيارة الإمام أحمد» وكان اللقاء العربي الثلاثي بين الملكين سعود وأحمد والرئيس المصري جمال عبدالناصر وتوقيع حلف عسكري ثلاثي معروف بـ«ميثاق جدة» الذي حاز اهتماماً دولياً وتشجيعاً يمنياً.

برزت في الفصل الخامس أشكال متنوعة من «التعاون والتنسيق السعودي اليمني بعد ميثاق جدة»، إذ يثبت النعمان التعاون السعودي مع مكافحي الاستعمار الإنجليزي جنوب اليمن، والتنسيق في مؤتمر بيروت التضامني، والموقف من مبدأ إيزنهاور سنة 1957، ونماذج الاحتفاء اليمني بذكرى جلوس الملك سعود.

وإذ تطرأ بعض الأزمات العابرة في علاقات كل الأشقاء، يتخلل الفصل السادس «العلاقات الثنائية أثناء اتحاد اليمن مع المتحدة» أبرز ملامح تلك الأزمات، مع بقاء الطابع الودي سمةً أساسية تتجاوز هذه الأزمات من خلال التجاوب مع قضايا اليمنيين، واستمرار التواصل بين القيادتين للمواساة والاستفسار عن الأحوال العامة والنجدة السعودية لليمنيين أثناء الكوارث التي حلت باليمن.

خاتمة الكتاب

المعروفة وقتها بثورة 26 سبتمبر 1962 وقيام الجمهورية العربية اليمنية وتأثير العناصر الخارجية فيها حد التهديد والهجوم على حدود المملكة العربية السعودية. ونصرة المملكة لشرعية الإمام البدر وقتها.

في الفصل الثامن يبرز دور «الملك سعود واليمن الجمهوري» حيث يصف الموقف في اليمن، بحسب مرئيات تلك المرحلة، أثناء مشاركته بالقمة العربية الأولى بالقاهرة يناير 1964، ثم زيارته لليمن سنة 1967.

ختم النعمان كتابه، المبذول فيه جهداً استثنائياً، بخاتمة وملاحق وثائق وصور تستعرض تطورات وتحليلات الموقف السعودي من اليمن واليمنيين. عندما وضعوا سلاحهم جانباً وشرعوا يرسون سلامهم بتوافق بني وطنهم وتفهم وتشجيع جيرانهم.