صاحبة السمو الملكي الاميرة فهدة بنت سعود تحكي لـ"سبق" قصة بناء "القصر الأحمر"

القصر الذي يمثل جوانب تاريخية وسياسية.. ومنه حُظر النفط عن فرنسا وبريطانيا ..

011.jpg

بدر العتيبي - الرياض (سبق):

حكت الأميرة فهدة بنت سعود بن عبدالعزيز جوانب مضيئة وتاريخية عن القصر الأحمر الذي افتُتح مؤخرًا للزوار والسياح بوصفه أحد أبرز القصور التاريخية بالسعودية، الذي بناه جلالة الملك عبدالعزيز لابنه وولي عهده الملك سعود عام ١٣٦٢هـ -رحمهما الله جميعا-؛ فسُجل بوصفه أول قصر يُشيَّد بالأسمنت والحديد بالسعودية.

وكان هذا البناء العمراني الفاخر المتمثل بالقصر الأحمر شاهدًا على كثير من القرارات السياسية والمحلية، كما كان بمنزلة غرفة لإدارة شؤون البلد. كما أن الملك سعود سكن فيه مع أسرته، وداخله وُلد بعض أبناؤه، وعُقدت أول جلسة لمجلس الوزراء، واستقبل به الكثير من القادة بالعالم. وقد زودت مؤسسة الملك سعود "سبق" ببعض الصور للقاءات التي عُقدت داخل القصر، وبعض المقتنيات.

وقالت رئيسة مركز الدراسات والأبحاث في مؤسسة الملك سعود "الأميرة فهدة": "كان الملك سعود يقطن في منزل مستقل بجانب قصر والده الملك عبدالعزيز في المربع مع والدته الأميرة وضحى بنت محمد الحسين العريعر، وزوجاته وأبنائه وبناته. وبعد الانتهاء من بناء القصر وتحوُّل الملك عبدالعزيز إليه مع أسرته من منازلهم في الديرة نحو ١٣٦٥ هـ، خصص الملك قصرًا لكل من زوجاته، ومعهن أبناؤه -رحمهم الله-".

وأشارت: "وكان قصر الأمير سعود في المربع ملاصقًا لقصر والده الملك عبدالعزيز، ولا يفصلهما إلا السور، وكان يقع مقابلاً للسور الجنوبي لقصر والده الذي بجواره من الشرق قصر الضيافة المعروف، أما من الغرب فيحده الطريق المؤدي إلى المربع من الناحية الجنوبية الأخرى. وفي ليلة الثلاثاء (١٨\٧\١٣٦٢)، الموافق (٢٢\٧\١٩٤٣) من ليالي الصيف، وبينما كان ولي العهد الأمير سعود نائمًا في غرفة على السطح لشدة الحرارة، وكانت والدته تنام من الجهة الأخرى، وفي منتصف الليل شبَّ حريق كبير في غرفة المؤن، وبدأ ينتشر في القصر المكون من طابقين".

وأضافت: "قام الأمير سعود بحمل والدته على ظهره، ونزل بها إلى الأسفل، وأخرج الحرس أسرته من الطابق الأرضي. واستمر الحريق لليوم الثاني (الأربعاء)، وبعد ذلك انهار القصر الطيني إلى الأرض؛ فأمر الملك عبدالعزيز بانتقال ابنه الأميرسعود للسكن في قصر الضيافة في المربع الذي كان صغيرًا، ولم يستوعب أسرة الملك سعود الذين تم نقلهمإلى سكن آخر. عندها أمر الملك عبدالعزيز ببناء القصر الأحمر لابنه وولي عهده الأمير سعود".

واستدركت: "ووجَّه المعلم محمد بن لادن بتشييد القصر مع مجموعة من المهندسين المصريين، الذي بُني في جنوب القصر المحروق، وقال له الملك عبدالعزيز (أريدك أن تبني أجمل قصر لابني سعود)؛ فشُيد من الأسمنت المسلح؛ ليكون أول قصر يُبنى بهذه الطريقة في السعودية. وفي عام ١٩٤٨ سكن به الملك سعود، واستمر خمس سنوات".

وأكدت: "وبعدها انتقل إلى قصر الناصرية لمدة ثلاثة أعوام، ثم عاد للقصر الأحمر للسكن به مرة أخرى مع بعض أسرته حتى الانتهاء من التعديلات في قصر الناصرية. أما الآخرون فسكنوا في فندق صحاري بقرب المطار القديم، وسكن الملك سعود مع أسرته في القصر الأحمر حتى الانتهاء من قصر الناصرية في ١٩٥٦، ثم منح القصر للدولة لانعقاد مجلس الوزراء به. وبعد انتقال الملك فيصل من الحجاز عندما أصبح وليًّا للعهد للملك سعود كان له مكتبٌ بالقصر".

وأوضحت: "وفي مكان قصر الملك سعود الذي احترق في المربع بُنيت أول مدرسة ثانوية في الرياض (اليمامة الثانوية)، وظلت قائمة حتى أُدخلت ضمن مشروع مركز الملك عبدالعزيز التاريخي. وأُشير بصفتي أحد أبناء الملك سعود الذين عاشوا وتربوا في القصر الأحمر إلى أن الأجنحة التي عشت بها مع والدتي وإخوتي وأخواتي لا تزال قائمة (من ضمن ١٦ جناحًا وغرفة) مع منافعها، وتم تعريفها بدقة مع الأجنحة التي خُصصت لزوجات والدي مع أبنائهم".

وأكدت: "كل هذه التفاصيل كُتبت بالتفصيل في أولكتاب يصدر عن القصر الأحمر الذي ألَّفه عبدالله اليامي، الذي قام بمقابلة مجموعة من الأشخاصالمقربين الذين عاشوا معنا في القصر، وأعطوه المعلومات بدقة عن أسماء سكان القصر من الأبناءوالبنات والزوجات، التي دونها بكتابه الذي يعتبر مرجعًا دقيقًا لسكان القصر، ووصفًا دقيقًا لأجنحته، وغرفة الملك سعود به".

وبينت: "ولذلك هذا القصر هو بناء تاريخي، وشاهد على النهضة العمرانية في السعودية؛ فله من العمر ٧٧ عامًا، وصُنِّف في ٢٠١٧ من هيئة السياحة من التراث العمراني السعودي الذي يجب المحافظة عليه، وتقديم أبحاث عن تاريخه السياسي والعمراني؛ لأنه يمثل علامة فارقة مثل قصر المربع وقصر المصمك، ولأنه شاهد على الجلسات الأولى لمجلس الوزراء السعودي، ووُقِّعت به معاهدات مهمة".

وأضافت أيضًا: "ومنه خرجت قرارات مفصلية، مثل قرار حظر النفط عن بريطانيا وفرنسا في ١٩٥٦، وصدرت منه مراسيم ملكية، أسهمت في بناء الدولة، وزاره ملوك ورؤساء، منهم الشاه إيران والملك حسين، وجواهر لال نهرو، وجمال عبدالناصر، وشكري القوتلي، والإمام سيف الإسلام البدر.. وغيرهم من قادة العالم؛ فهذا القصر يمثل حقبة مهمة في التاريخ السعودي، ووثق فئة الريال السعودي".

واستدركت: "ونتطلع إلى أن يصبح متحفًا وطنيًّا، يضم تاريخ الملك سعود ومقتنياته. وقد أبدينا استعدادنا نحن مؤسسة الملك سعود لتقديمها للوطن؛ لأنه احتضن تاريخ مجلس الوزراء وبداياته، واستمر به عقد المجلس في عهد الملوك (فيصل، وخالد، وفهد) حتى عام ١٩٨٨ عند انتقال مقر المجلس إلى قصر اليمامة، وأصبح مقرًّا لديوان المظالم".

وبيَّنت: "نحن سعداء بفتح أبواب القصر للزوار. وقد ناشدنا ذلك مسبقًا، وأبدينا استعدادنا للمشاركة بوضع مقتنيات الملك سعود بعدما عزمت هيئة تطوير الرياض على ترميمه؛ ليقدم للوطن بوصفه تاريخًا لمجلس الوزراء وبداياته، وبه استمر عقد جلسات مجلس الوزراء في عهد الملوك، وجعله متحفًا يقدم الملك سعود؛ لأنه يمثل واجهة تاريخية وحضارية للبلاد".

واختتمت: "وهنا تكمن أهمية القصر.. وكنا نتمنى أن يصبح متحفًا وطنيًّا مستمرًّا.. وهذه من أهداف الرؤية التي شرعت من أجلها أبواب الدرعية القديمة وبعض المعالم التراثية للزوار؛ ليتعرفوا على تاريخهم. وكلي أمل بأن يسجل ضمن التراث العمراني العالمي في اليونسكو بعد ترميمه على المقاييس العالمية للمباني القديمة الأثرية، بما يليق بعمقه التاريخي والمعرفي وتاريخ مَن أمر بتشييده، ومَن عاش به تكريمًا لتاريخ السعودية؛ فالأمم لا تنسى حضاراتها القديمة، ولابد أن نعتني به مثل باقي العالم المتحضر الذي يحافظ على تاريخه؛ فهذا القصر يهمنا جميعًا؛ لأنه ذاكرة الوطن التي تحكي قصة من تاريخنا للعالم وللأجيال القادمة".



01.jpg

02.jpg

03.jpg

04.jpg

05.jpg

06.jpg

07.jpg