عودة جماعية خلال 38 عاما ومنحهم جنسية بلادهم الأصلية * النجديون يرفعون سكان الزبير من ألف إلى ربع مليون * عودة جماعية وكلية وموجات متتابعة وهجرة عكسية لأبناء نجد في الزبير إلى بلادهم
الرياض: بدر الخريف
شكلت عوامل اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية وعلمية بالإضافة إلى عامل تحسين الأحوال المعيشية دافعا لكثير من سكان نجد (وسط الجزيرة العربية) عبر مئات السنين للهجرة، حيث ترك بعضهم مواطنهم مهاجرين إلى مواطن أخرى، وتركزت شمالا إلى بلاد الشام (سورية وفلسطين والأردن) وغربا إلى بلاد النيل (مصر والسودان) وشرقا إلى بلاد الرافدين وبلاد الخليج العربي، وجنوبا إلى جهة الجنوب الغربي من الجزيرة العربية. وقبل نحو خمسة قرون (وبالتحديد في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري) بدأت هجرة أبناء نجد من بلادهم إلى مدينة البصرة الحديثة، والغرض الأساسي من ذلك هو كسب الأرزاق والعمل في بساتين نخيلها خاصة في موسم الرطب والتمور، وإذا ما انتهى الموسم عادوا إلى بلادهم نجد يحملون معهم القليل مما كسبوه ليستعينوا به على تحسين أحوال أسرهم المعيشية.. وهكذا من موسم إلى موسم آخر.
ولبعد المسافة بين بلادهم والبصرة والانتظار إلى موسم آخر، مع محصولهم القليل مما كسبوه، طرأ على بال بعضهم الإقامة في البصرة أطول، لينالوا قسطا أكبر من الرزق، فكان ذلك، ولما أقاموا فيها وجدوا أنها لا تتناسب مع نمط حياتهم الذي ألفوه في بلادهم نجد لأسباب تتعلق بالاختلاف بينهم وبين أهل البصرة في الطباع والعادات والتقاليد، مع الاختلاف في بعض العقائد الدينية، إضافة إلى رطوبة أجواء البصرة لوفرة مياه أنهارها وكثرة أطياف أراضيها جراء تساقط الأمطار في موسمها، كما أن فيضان الأنهار تسبب في غمر الأراضي الواقعة غرب البصرة بمياهها، مما خلق مانعا يحول بينهم وبين العودة إلى بلادهم نجد، حيث تتحول الأراضي إلى منطقة غير صالحة لسير الناس والدواب، كما أن هناك عاملا آخر جعل المهاجرين النجديين إلى البصرة يفضلون الإقامة فيها ويعيدون النظر في مكان إقامتهم لمدة طويلة، وهو اضطراب الأمن في البصرة بين الفينة والأخرى من استبداد بعض ولاتها، وهجمات الفرس عليها طمعا في الاستيلاء عليها، وهجمات البوادي لنهب خيراتها.
ولهذه الأسباب آثر المهاجرون النجديون السكن والاستقرار في الزبير، وهي في أول نشأتها، خاصة أنهم خبروها من جميع جوانبها، حيث إنها في طريقهم من بلادهم نجد إلى البصرة وعودتهم، وقد أحسنوا الاختيار ووفقوا فيه.
وأحاط الباحث عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد العزيز الناصر بكل ما يتعلق ببلدة الزبير وتاريخها ونشأتها وتطورها والأسباب الرئيسة التي أدت إلى هجرة المهاجرين من أبناء نجد إليها، وسبب اختيارهم للموقع وأهميته التاريخية والجغرافية، معرجا على الحديث عن حدودها ومساحتها وأهم معالمها وعدد سكانها ومناخها وزراعتها وتجارة أهلها والأوضاع السياسية وتداول الحكم فيها، كما رصد الحركة العلمية في المدينة وعلماءها البارزين ومشايخها والمدارس النظامية فيها ومدارس الكتاب (الملالي)، وتطرق المؤلف في الكتاب الذي أنجزه مؤخرا عن الزبير، وعنونه بـ«الزبير.. وصفحات مشرقة من تاريخها العلمي والثقافي» إلى المكتبات العامة والخاصة التي أنشأها أهل البلدة، والدواوين التي يدور فيها الحديث عن المشكلات الاجتماعية والقضايا العلمية، مبينا في الكتاب إسهامات أهل الزبير في ميدان الصحافة والأدب والشعر والطب الشعبي والحرف، موردا أسماء الأسر النجدية التي هاجرت إلى هناك.
بداية، يوضح الباحث الناصر أن الأسباب التي أدت بالمهاجرين من أبناء نجد إلى عدم اتخاذهم مدينة البصرة مقر إقامة دائمة لهم وبدلا من ذلك اتخذوا الزبير مقرا دائما لسكنهم وعائلاتهم التي استقدموها من بلادهم نجد، مشيرا إلى أن هذه الأسباب تتمثل في أن أجواء الزبير وطبيعة أراضيها مماثلة لبلادهم نجد، وعدم وجود موانع طبيعية تحول بين نجد والزبير، ووجود علامات تدلهم على الطريق كوادي الباطن وجبل سنام وهو العلامة الواضحة التي يعرفون منها قرب وصولهم إلى «الزبير»، إضافة إلى وجود بحيرات مياه حلوة مع توفر المياه الجوفية الصالحة للزراعة وصلاحية أراضيها للزراعة ورعي الماشية، ووفرة مواد البناء كالتربة النقية والجص والحصباء والرمل والطابوق المفخور يستخرجونه من خرائب البصرة القديمة، ووجود حركة تجارية بين حاضرة البصرة الحديثة وباديتها وخدمة حجاج بيت الله الحرام المارين عليها، كما أن «الزبير» تتصل بطرق برية إلى بلاد نجد وبلدان الخليج العربي وأنحاء العراق وبلاد الحجاز والشام حتى بلاد أوروبا، مثل الطرق التي تتصل بمركز السلطنة العثمانية في إسطنبول وأيضا الطرق البحرية التي تصلها ببلاد البحار كبلاد الخليج العربي والهند وأفريقيا وشرق آسيا وذلك عن طريق منفذ خور عبد الله والمجدم وبالتالي أم قصر، كما أن أرض «الزبير» مرتفعة كثيرا عن مياه الفيضانات، ووجود تجمع سكاني قليل العدد في الزبير حول مسجده وضريحه لا يؤثر سلبا في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، كما اختصت الزبير بمكانة مقدسة خاصة لدى الدولة العثمانية وسلاطينها، وذلك لوجود بعض أضرحة الصحابة الكرام كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم والشهداء من الصحابة الكرام في معركة الجمل كذلك، ووجود أضرحة التابعين الكرام كالحسن البصري ومحمد بن سيرين ومالك بن دينار وغيرهم، وبسبب هذه المكانة، أولت الدولة العثمانية اهتماما بشؤونها، فأسقطت عن سكانها الإلزامية الجندية والضرائب الرسمية، كما قدمت لهم المساعدات المالية والأسلحة وأقرت استقلال شيوخها بشؤون بلدتهم الزبير.
* التأسيس الفعلي لبلدة الزبير
* اتخذ المهاجرين النجديون الزبير مقرا دائما لسكنهم وعائلاتهم التي استقدموها من بلادهم نجد، لذلك بنوا مساكن لهم ولأسرهم بجوار مسجد الزبير بن العوام، فأسسوا أول محلة أطلقوا عليها محلة الكوت وما زالت إلى الآن قائمة تحمل هذا الاسم وأسسوا لهم مسجدا جامعا إلى الشرق من مسجد الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه وذلك عام 1003 هـ لإقامة الصلاة فيه جماعة وجمعة، وذلك تحرزا منهم من الصلاة في مسجد الزبير بن العوام الملاصق لضريحه، الذي شيدته الدولة العثمانية، وهذا مما يدل على سلامة عقيدتهم التي هي عقيدة التوحيد الإسلامية، وقد أطلق حينها على هذا المسجد اسم «مسجد النجادة» الذي لا يزال قائما إلى الآن يحمل هذا الاسم.
ويعد تاريخ تأسيس وبناء هذا المسجد الجامع عام 1003 هـ هو التاريخ الفعلي لتأسيس بلدة الزبير على يد المهاجرين من أبناء نجد، حيث أصبح لهم كيان يذكر، مع التوافد المستمر من دون انقطاع من المهاجرين من بلاد نجد.
يقول الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي في مؤلفه آنف الذكر: «وقد كان للنجديين القدح المعلى في سكن هذه المنطقة (يقصد الزبير) فقد ألفوا أكثرية الناس فيها لكونهم من التجار ويعرفون المواقع التجارية المهمة وقد أصبحت (الزبير) بفضل نشاطهم التجاري سوقا نافعة فازداد عدد النجديين».
واشتهرت بلدة الزبير منذ تأسيسها بالتجارة، حيث تبادل السلع بين حاضرة البصرة الحديثة وباديتها، حيث يلتقي الطرفان في موقعها فيعرض أهل البصرة الكثير من منتجاتهم كالتمور والحبوب والألبسة ومنتجات صناعية أخرى على البادية والزوار وحجاج بيت الله الحرام، كما تعرض باديتها أيضا منتجاتها من الأنعام كالجمال والأغنام والدواب كالخيل والحمير، ومنتجاتهم من الجلود والأصواف والأوبار والدهون وبيوت الشعر وبساط المفارش من الأصواف وحطب الوقود والأعشاب الطبية.
ولما اتسعت بلدة الزبير وكثر سكانها من مهاجري بلاد نجد أصبح لها كيان تجاري يذكر، وعلى مر السنين أصبح لهم علاقة تجارية مع كثير من البلاد، فسيروا القوافل التجارية إلى أنحاء العراق وبلاد الشام وتركيا والبلاد الأوروبية وكذلك بلادهم نجد، وسيروا السفن التجارية إلى بلدان الخليج وبلاد الهند وبلاد البحار الأخرى كعدن وسواحل أفريقيا والصين وأميركا، وأقاموا لهم في كثير من البلدان البيوتات التجارية، كما أصبحوا هم وكلاء لتجارها وشركاتها، كما أصبحت بلدة الزبير محط القوافل التجارية والبريدية ومكاتب الرسوم الجمركية.
ويستعرض المؤلف ما قاله المؤرخون عن تجار الزبير وتجارتها وكثرة أموال أهلها؛ يقول العلامة المؤرخ المحقق عثمان بن عبد الله بن بشر في مؤلفه «عنوان المجد في تاريخ نجد» عن حوادث بلاد نجد عام 1240هـ: «وفي شعبان أقبلت قافلة كبيرة ظاهرة من البصرة والزبير من أهل سدير والوشم والقصيم والعارض وغيرهم، كبيرها علي آل حمد صاحب الزلفي ومعهم أموال كثيرة (محملات) من الهدم والقماش والحرير إلى غير ذلك من أجناس المال».
ويقول في حوادث بلاد نجد عام 1242هـ: «وكان في بلد الزبير تاجر كبير يقال له يوسف بن زهير صاحب بذل وعطاء وعنده من الأموال والنخيل في البصرة وغيرها ما لا يحصى». ويقول في حوادث هذه السنة عن أهل الزبير: «فتح الله عليهم من الدنيا وزينتها وكثرت رجالهم وأموالهم وخدمهم وأعوانهم». ويقول أيضا في حوادث بلاد نجد عام 1252هـ: «وفي هذه السنة، أعني سنة اثنين وخمسين في رمضان، أقبلت قافلة من الزبير لأهل سدير وغيرهم».
يقول الأستاذان الصانع والعلي في مؤلفهما «إمارة الزبير بين هجرتين»: «الجويسر من الأسر القديمة التي هبطت الزبير من نجد، وذلك أن فراج آل الجويسر رأس قافلة إلى الزبير قوامها 200 بعير للتجارة»، كما ذكرا نقلا عن محمد أمين بن عبد العزيز الخانجي في مؤلفه «البلدان» أن موقع الزبير محط لمجتمع قوافل البصرة في طريقها إلى الشام، وقد ذكرا أيضا نقلا عن دائرة المعارف لبطرس غالي جزء 9 - عام 1893م أن بلدة الزبير وموقعها محط القوافل التجارية إلى الشام.
أما عبد العزيز عبد الغني إبراهيم فيقول في مؤلفه «نجديون وراء الحدود»: «ونظرنا بعدئذ في قرية الزبير التي اتسعت بالهجرة الوافدة من نجد، فإذا هي قد أصبحت أكبر رقعة وأعظم عمرانا من الكويت المجاورة، بل إنها ضارعت البصرة التي تناقص شأنها بفعل البلاء الذي أنزله بها الطاعون ثم الحروب الفارسية، وقد كانت الزبير إحدى الروافد التي غذت البصرة بالرجال حتى عمرت مرة أخرى، وما لبثت دائرة الزبير أن اتسعت فوصل رجالها إلى بغداد وعمروا الحواضر وأنشأوا قرى أخرى على امتداد المنطقة». ويقول أيضا: «تزامنت بداية الاستقرار النجدي المكثف في الزبير مع قيام الدولة السعودية القديمة ومع بداية ازدهار النشاط التجاري البريطاني في الخليج، وساهم أهل الزبير خاصة العقيلات منهم في ذلك النشاط بمقدرة وكفاءة؛ تخرج قوافل العقيلات من الزبير تحمل بضائع الهند وطيوبها وبهارها ومحاصيل العراق إلى الموانئ الشامية، وتعود حاملة سلع أوروبا ومنتجات الشام إلى بلاد الرافدين، فأصابت تلك البلاد ثراء عظيما ونمت وازدهرت واتسعت حتى سميت الشام الصغير».
كما يذكر عبد العزيز عبد الغني إبراهيم في مؤلفه السابق بوجود قافلتين تتحركان من البصرة إلى الزبير ومنها إلى الشام؛ منها واحدة لتجارة وبيع الإبل، والثانية لتجارة السلع خاصة المستوردة عبر الطريق البحرية والنهرية القادمة من بلاد الهند والبنغال، وأن القوافل التجارية لا تقتصر على كبار التجار لكبار القوافل، بل حتى الصغار ذوو العدد القليل من الجمال، وأصبحت الزبير مركزا وطريقا تجاريا، لذلك فتحت فيها مكاتب تحصيل الرسوم على البضائع المتجهة إلى الشام، كما ذكر أن بعض تلك القوافل التجارية يتراوح عدد جمالها بين 1200 بعير و5000 بعير، منها لحمل السلع التجارية، ومنها لحمل المسافرين، ومنها من دون أحمال. ومن أبرز السلع المصدرة إلى بلاد الشام ذكر منها التوابل من بلاد الهند وبلاد البحار كالفلفل وحب الهان والقرنفل والزنجبيل وزهور الكاتيا والكراوية والمسك والثياب القطنية والشيلان، كذلك السلع التجارية الأخرى كالصوف الإنجليزي والمنسوجات الجميلة والسجاد والتمور بأنواعها والأصماغ وبعض الأعشاب الطبية والكافور والنيلة والتبغ والحديد والرصاص والقصدير واللؤلؤ، ومن ثم تعود القوافل من بلاد الشام إلى الزبير محملة بالبضائع الشامية والمستوردة من أوروبا.
ومما زاد من نشاطها التجاري أن كانت لها منافذ ساحلية على الخليج العربي لرسو سفن التجارة والمسافرين، ففيها منفذ خور عبد الله الذي تفرغ فيه البضائع القادمة عن طريق البحار، ولموقعها أصبحت حلقة وصل بين الجهات الأربع، ولكسب الخبرة التجارية وطرق التعامل، فسيطروا على معظم تجارة البصرة وملكوا الكثير من نخيلها وعقاراتها وأصبح لهم مراكز تجارية في بلاد الهند وعدن وبغداد وحلب، كما ذكر أن دولة فرنسا عندما أعادت فتح قنصليتها في البصرة عام 1177هـ/ 1765م ازداد النماء التجاري وازداد عدد النجديين تكاثرا في الزبير وأعمالهم تنامت. ويذكر عن السويدي في مؤلفه «تاريخ حوادث بغداد والبصرة»، حيث قال عن البصرة: «مر عليها من الأوبئة آخر نموها، حتى عادت إلى النماء والثراء وذلك بعد عام 1194هـ/ 1780م تحت سادة جدد من العرب النجديين». يذكر أن القوافل التجارية لا تخرج إلا بعد أن تنهي إجراءاتها في الزبير وتسوية شؤونها ثم تخرج إلى كويبدة متجهة إلى بلاد الشام، كما أن هنالك قوافل فردية تحمل البريد المحلي والخارجي. ويقول عن أهل الزبير إنهم اتخذوا طرقا تجارية قصيرة المدى (اتخذ هؤلاء الأوائل الطرق التجارية إلى تخوم الشام وتستغرق المدة ما بين 13 يوما إلى 18 يوما، واستقروا في الزبير عند أطراف البصرة بموقعها الفريد عند أبواب أعالي الخليج العربي، الذي انفتح بتجارته صوب القارة الهندية التي كان لها شأن من الناحية الاقتصادية والسياسية والتاريخية.
ويصف لنا المغامر الإنجليزي المسلم ريتشارد ويليامسون، الذي سمى نفسه بعد إسلامه عبد الله فاضل الزبير، واشتهر في البصرة والزبير بعبد الله المسلماني، النشاط الاقتصادي في الزبير، بأنها بلدة مسورة ذات تجارة مزدهرة وأسواق مسقوفة ومكشوفة تعج بالعمل وبضائعها وسلعها التجارية المعروضة، وأنه كان حينها موجودا فيها للالتحاق بركب الحجيج وعمره إذ ذاك أربع وعشرون سنة قاصدا الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ووجد السلع الكثيرة المعروضة التي يحتاج إليها الحجاج وقوافلهم، فذكر كثرة الجمال والأغنام والأواني والدلاء وظروف أكياس المواد الغذائية كالرز والسمن والدقيق واللبن واللحوم المقددة والسكر والخضراوات المجففة وأصناف البهارات وأطقم القهوة وحفظ المياه والأشرعة والملابس والفراء وبسط الجلوس وأصناف من البضائع الأخرى المنوعة. وذكر أن التعامل كان بعملة الليرة العثمانية الذهبية وريالات (ماريا تريزا الفضية).
ويورد الباحث الناصر بعض أسماء التجار الأثرياء من أهل الزبير أبناء نجد مع قدم تأسيس الزبير حتى عودتهم الأخيرة في نهاية القرن الرابع عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي إلى موطنهم الأصل المملكة العربية السعودية وكما أوردتهم المصادر:
الفداغ - الزهير - أحمد بن رزق - الوطبان - السميط - الراشد - محمد بن عبد العزيز بن عبد الوهاب النجدي - عبد العزيز الصالح النجدي وأخوه عبد الرحمن - عبد الله العودة النجدي - المنديل - المانع - العون - العصيمي - المشري - الفارس - المشاري - الصانع - الذكير - البسام - العقيل - الشعيبي - العنيزي - المهيدب - الصالح - سعود عبد العزيز الصالح - الفليج - السويلم - البعيجان - العويجان - القرطاس - القضيب - العبد الكريم - العسافي - الفريح - البابطين - المزروع - العمران - البشر - المحرج - الونيسي - العيسى - الجار الله - الملحم - الشهوان - الهنداس - النافع - الربيعة - المطير - العوهلي - القريشي - وغيرهم كثيرون.
لما حل أهل نجد المهاجرون بالزبير واتخذوها سكنا لهم ولعائلاتهم عمدوا إلى زراعة أراضيها بعد أن وجدوا وفرة مياه آبارها الصالحة للزراعة مع وفرة الأمطار في مواسمها، ثم إنهم وبخبراتهم الزراعية في بلادهم نجد وجدوا من صحراء الزبير غربيها وشمالها وجنوبها خاصة الغربي منها مكانا ملائما.
* عدد السكان: من ألف إلى ربع مليون
* كان التجمع السكاني قليل العدد في أوائل نشأة بلدة الزبير، وكان مؤلفا من فئة تقوم بخدمة تجارة بادية البصرة وحاضرتها، وفئة من يخدم مسجد الزبير بن العوام رضي الله عنه وضريحه، وفئة من الدراويش، وجماعة من آل هلال التميميين لحفظ الأمن في المنطقة. بقيت الزبير على هذا الحال حتى سكنها أهل نجد المهاجرون من بلادهم هم وعوائلهم، ثم توسعت بفعل ازدياد الأعداد المهاجرة من نجد حتى أصبح لهم كيان يذكر، وكان التأسيس الفعلي لبلدة الزبير على أيديهم في بداية القرن الحادي عشر الميلادي وأسسوا لهم مسجدا جامعا عام 1003هـ وهو جامع «النجادة» التاريخي الشهير.
ويقول الباحث: «ولم يكن هنالك قديما ما يسمى بالإحصاء السكاني، ولكن لدينا ما يعطينا فكرة عن ذلك ولو على وجه التقريب، وهو ما ذكره العلامة المؤرخ المحقق الشيخ عثمان بن عبد الله بن بئر في مؤلف آنف الذكر عن حوادث بلاد نجد عام 1187هـ، حيث يقول: (وفي هذه السنة وقع الطاعون العظيم في بغداد والبصرة ونواحيها، ولم يبق من أهلها ونواحيها إلا القليل، وذكروا أنه مات فيه ثلاثمائة وخمسون ألفا، ومات من أهل الزبير ستة آلاف. ولعلنا نصل من وراء هذا الحدث إلى العدد التقريبي لسكان بلدة الزبير حيث إن العدد الذي مات من أثر هذا الوباء من أهل الزبير ستة آلاف نفس وهو عدد ليس بالقليل بالنسبة لذلك الزمن. ولا بد أن هناك ناجين من هذا المرض ومن هم خارجون مسافرون، ولو قلنا إن العدد المتوفى من أهل الزبير هم الأكثر عددا وإن الناجين نصف هذا العدد فيكون عدد سكان بلدة الزبير في تلك السنة ما يقارب التسعة آلاف نسمة. ثم إننا نرى توالي الهجرات من بلاد نجد بأعداد متزايدة ومتواصلة، كما ذكر ابن بشر في حوادث عام 1193هـ عندما تدفق المهاجرون إليها بسبب مكانتها العلمية وموقعها التجاري.
وبعد الرجوع إلى المصادر التاريخية تجمعت لنا معلومات عن عدد سكان مدينة الزبير حيث بلغ عددهم أوائل القرن الحادي عشر الهجري ألف نسمة يرتفع تباعا ويصل عام 2002م إلى 250 آلف نسمة».
ويوضح المؤلف الناصر في هذا الخصوص بقوله: «عندما نستعرض سنوات التعداد السكاني لبلدة الزبير نجده مقدرا قبل التعداد السكاني الرسمي عام 1947م، ثم إننا نجد في هذا التعداد المقدر أن جلهم إن لم يكن كلهم من أهل نجد حتى نهاية مشيخة الزبير في عهد شيخها الشيخ إبراهيم العبد الله البراهيم الراشد وعلى يد الاحتلال البريطاني وذلك عام 1920م، حيث إن أهل الزبير من أبناء نجد وشيوخها قبل هذا التاريخ لم يسمحوا قط بأن يسكن معهم أجنبي غيرهم. يقول العلامة الشيخ محمد بن الشيخ خليفة النبهاني في مؤلفه «التحفة النبهانية»: (وكان أهل الزبير متعصبين من أن يسكن معهم أجنبي في الدين حتى زمن الحرب العالمية الأولى.
وظل أهل الزبير على هذا المنوال من جهة عدم سماحهم لأن يسكن معهم في بلدهم غيرهم حتى العقد الرابع من القرن العشرين الميلادي عند اكتشاف البترول في أراضيها، فتوافدت من أنحاء العراق العمالة والموظفون العاملون في هذا الحقل وغيره من الأعمال الأخرى.
ثم تناقص العدد السكاني من أبناء نجد في بلدة الزبير بعد ذلك بفعل الهجرة المعاكسة من بلدتهم تلك إلى موطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية، وكانت بداية العودة للذين كانوا يحملون الجنسية السعودية ثم العودة الكلية ما بعد عام 1394هـ الموافق عام 1975م وبموجات متتابعة، خاصة بعد صدور قرار مجلس الوزراء السعودي في 20/11/1393هـ بالموافقة على منح النجديين الزبيريين فرصة العودة إلى جنسية بلادهم الأصلية المملكة العربية السعودية، فكانت عودة جماعية حتى لم يبق من أهل الزبير أبناء نجد إلا القليل والقليل جدا الذين لم تسعفهم ظروفهم بالعودة إلى بلادهم المملكة العربية السعودية، الذين نرجو الله أن يزيل عنهم تلك الظروف ويسهل لهم العودة».
* علاقة الزبير بنجد
* ويورد الباحث الناصر علاقة الزبير ببلاد نجد من خلال عدد من الرحلات منها:
- رحلة العالم الجليل الشيخ عبد المحسن بن علي شارخ الأشيقري من بلدته أشيقر إحدى بلدان الوشم من بلاد نجد إلى الأحساء، ومنها إلى بلدة الزبير، وفيها تولى القضاء والإفتاء والتدريس، وأخذ عنه العلماء وطلبة العلم فيها مكانة، كما تولى الإمامة والخطابة في جامع «النجادة»، حيث كان إمامه وخطيبه الشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد الذي سافر إلى بلاد الشام للتزود بالعلم في مدارسها، ومنها المدرسة المرادية في دمشق، حيث كبار علماء ذلك العصر، وتوفي الشيخ عبد المحسن في الزبير عام 1187هـ ودفن في مقبرتها.
- رحلة العالم الجليل الشيخ محمد بن علي بن سلوم من بلدته العطار إحدى بلدان سدير من بلاد نجد إلى بلاد الأحساء، ومنها إلى بلدة الزبير واستقر فيها وتزوج وأنجب وأخذ عنه علماؤها وشرع يدرس طلابه ويمنح الإجازات العلمية، ودرس في مدرستها مدرسة «الدويحس» وفي الزبير ألف الكتب ونسخها، وتوفي في بلدة سوق الشيوخ عام 1246هـ.
- رحلة العالم الجليل الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن سحيم من بلاده سدير إلى العارض ومنها إلى الزبير وفيها استقر، وتوفي عام 1181هـ.
- رحلة العالم الجليل الشيخ محمد بن سيف بن أحمد العتيقي من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد إلى الأحساء ومنها إلى الزبير، فتولى الإفتاء والتدريس، وتوفي في المدينة المنورة نهاية القرن الثاني عشر الهجري.
- رحلة الشيخ صالح بن سيف أحمد العتيقي، من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الأحساء، ومنها إلى الزبير، حيث أخذ من علمائها، وأفتى ودرس، حتى وفاته فيها عام 1223هـ.
- رحلة الشيخ أحمد بن عبد الله بن عقيل، من بلدته حرمة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الزبير، حيث أخذ عن علمائها الذين أجازوه الإجازات العلمية، وقد درس فيها، كما أجاز الطلبة الذين تعلموا على يديه، وقد توفي في مكة المكرمة عام 1234هـ.
- رحلة الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن حميدان بن تركي، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، وأجازه الشيخ محمد بن علي بن سلوم، عام 1234هـ، وقد توفي في بغداد عام 1237هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن عبد الجبار بن حمد بن شبانة، من بلدته حرمة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ عبد المحسن بن علي بن عبد الله الشارخي الأشيقري، وقد توفي في بلدة المجمعة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، عام 1242هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن مزيد بن رشيد المزيد، من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ محمد بن علي بن سلوم، والشيخ عثمان بن محمد بن سند الوائلي، وقد توفي في بلدته عنيزة عام 1280هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن عبد العزيز بن منصور، من بلدته الفرعة، إحدى بلدان الوشم من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ محمد بن علي بن سلوم وأجازه عام 1241هـ، كما أخذ عن الشيخ داود بن جرجيس، وتوفي في بلدة الحوطة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد عام 1282هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد مفتي الحنابلة في مكة المكرمة، ومؤلف كتاب «السحب الوابلة على ضريح الحنابلة»، رحل من مكة المكرمة إلى بلدة الزبير، وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ محمد الحمد الهديبي، والشيخ عبد الجبار بن علي، واطلع على نهضتها العلمية وكثرة العلماء فيها، فكتب عنها في ترجمته للشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد، وقد توفي في الطائف عام 1295هـ.
- رحلة الشيخ علي بن محمد بن علي بن حمد بن راشد، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، حيث التحق بمدرسة «الدويحس» فأخذ عن علمائها، منهم الشيخ عبد العزيز بن شهوان، والشيخ عبد الله بن جبر، والشيخ عبد الله بن حمود «المتقدم وليس المتأخر» والشيخ عبد الجبار بن علي، وأجازه الشيخ عبد الرزاق بن محمد بن علي بن سلوم، وقد توفي في عنيزة عام 1303هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن ناصر بن دايل، من بلدته جلاجل، إحدى بلدان سدير، من بلاد نجد إلى الزبير، والتحق بمدرسة «الدويحس»، وأخذ عن علمائها منهم الشيخ محمد بن علي بن سلوم، والشيخ عبد العزيز بن شهوان، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، والشيخ إبراهيم بن غملاس، ثم درس فيها ووعظ وأرشد، وقد توفي فيها عام 1320هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد بن فارس، من بلدته روضة سدير، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الزبير، فأخذ عن علمائها؛ ومنهم الشيخ عبد الله بن جميعان والشيخ أحمد بن صعب، والشيخ صالح بن حمد المبيض، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، وقد توفي في الكويت عام 1326هـ.
- رحلة الشيخ صالح بن حمد المبيض، الذي رحل وهو في صباه، كفيف البصر من بلدته «روضة سدير» إحدى بلاد سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فتعهده أقاربه فيها وألحقوه بمدرسة الدويحس، فأخذ عن علمائها، ومنهم الشيخ إبراهيم بن غملاس، والشيخ عبد الله النفيسة، والشيخ عبد الله بن جميعان، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، حتى صار عالما، ثم مدرسا في مدرسة «الدويحس» وإماما في مسجد سوق الجت، وتوفي في الزبير عام 1315هـ، ودفن في مقبرة الحسن البصري.
- رحلة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن حمد بن عيسى، من بلدته شقراء، إحدى بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، حيث ذكر الشيخ عبد الله بن صالح العبد الرحمن البسام في مؤلفه «علماء نجد خلال ثمانية قرون»، أنه أخذ عن عالمها الشيخ صالح الحمد المبيض، وهذا العالم الجليل هو أحد مدرسي مدرسة «الدويحس» الدينية في الزبير ومديرها، وتوفي الشيخ أحمد في بلدة المجمعة عام 1329هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن شبل، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ عبد الجبار بن علي والشيخ صالح بن حمد المبيض، وقد توفي في عنيزة عام 1343هـ.
- رحلة الشيخ سليمان بن محمد بن جمهور العدواني، من بلدته «جلاجل» إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، ودرس فيها وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ محمد بن عبد الله العوجان، وقد توفي في بلدته جلاجل عام 1361هـ.
- رحلة الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى المولود في أشيقر عام 1270هـ، ورحل منها إلى بلدة المجمعة ومنها إلى عنيزة ومنها إلى بلدة الزبير، حيث التحق بمدرسة «الدويحس» وأخذ عن عالمها الشيخ صالح بن حمد المبيض وتوفي عام 1343هـ في بلدة عنيزة.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد بن مانع، من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فدرس فيها وأخذ عن علمائها، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عوجان، وقد توفي في مدينة بيروت (عاصمة لبنان) عام 1385هـ.
- رحلة الشيخ يوسف بن عبد الله الدغفق، من بلدته الزبير إلى مدينة الرياض، عام 1369هـ/ 1949م فالتحق بمدارسها العلمية الشرعية وتخرج منها، ثم تدرج في الوظائف الشرعية حتى صار قاضيا في بلدة طريف، إحدى بلدان الشمال، من بلاد المملكة العربية السعودية، ثم تولى فيها رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد توفي في مدينة الدمام.
- رحلة الشيخ أحمد بن عبد المحسن أبا حسين، من بلدته الزبير عام 1369هـ/ 1949م إلى مدينة الرياض، فالتحق بمدارسها العلمية، فأخذ قسطا وافرا من علومها، وفي بغداد درس طريقة «برايل» لمكفوفي البصر التي أتقنها ثم عاد إلى مدينة الرياض، ودرس هذه الطريقة لجماعة من المكفوفين وقد أتقنها بعضهم.
- رحلة الشيخ عبد الرحمن مطلق الخضير من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض عام 1369هـ/ 1949م، لدراسة علوم البرقيات اللاسلكية، فأتقنها وأدى دورا رائدا في هذا المجال لبلده المملكة العربية السعودية.
- رحلة العالم الجليل الشيخ يعقوب بن عبد الوهاب أبا حسين والتحاقه أستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومدرسا بكلية الشريعة عام 1402هـ وبعدها أستاذا لأصول الفقه بالمعهد العالي للقضاء، وقد تولى الإشراف على شهادة الدكتوراه في الجامعة نفسها والمعهد العالي للقضاء وجامعة أم القرى في مكة المكرمة وكليات البنات كما عين عضوا بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
- رحلة الشيخ عبد العزيز بن راشد من بلدة «المفيجر» بمنطقة الحريق والشيخ عبد الله بن يابس من بلدة «القويعية» بمنطقة العرض والشيخ عبد الله بن علي القصيمي من «خب الحلوة» من قرى بريدة إلى بلدة الزبير للدراسة فيها، وقد ذكرهم الأستاذ حمد الجاسر في مؤلفه «من سوانح الذكريات» في الجزء الثاني منه، حيث يقول: «ومما كان يتردد صداه في مجتمعات طلاب (المعهد) في تلك الأيام مغامرة ثلاثة من الشبان دفعهم طموحهم وتطلعهم إلى حياة أفضل مما هم عليها، ورغبتهم في التسلح بأقوى عدة في هذا العصر، فغادروا قراهم الثلاث الواقعة في مناطق متنائية من بلاد نجد إحداها «المفيجر» بمنطقة الحريق والثانية «القويعية» في العرض والثالثة «خب الحلوة»، من قرى بريدة، ولقد جمعتهم غاية واحدة بعد شتاتهم، فالتقوا بعد جهد وبعد مشقة ومكابدة كل مشقة في «الهند» ونهلوا في أحد معاهده العلمية ما تزودوا به لعودتهم وكانوا قبل ذلك أدركوا طرفا من العلوم أثناء مرورهم بمدينة الزبير بالانضمام إلى مدرسة (النجاة) في هذه البلدة فترة من الزمن ثم واصلوا رحلتهم إلى القاهرة، حيث استضافهم الأزهر بين طلابه».
- رحلة كل من الشابين عبد العزيز بن إبراهيم العقيل من بلدته حرمة إحدى قرى سدير من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، ومحمد أحمد عبد الرحمن الملحم من بلدته الزلفي من بلاد نجد إلى بلدة الزبير للدراسة فيها، فالتحقوا بمدرسة «النجاة» ونهلوا العلم من مدرسيها.
* حضور في الوطن الأم
* وقدم الناصر معلومات عن الأشخاص الذين قدموا خدمات جليلة لموطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية من أهل الزبير من أبناء نجد موردا أسماء البعض ومنها:
- رحلة السياسي المحنك الوزير عبد اللطيف باشا بن إبراهيم المنديل من بلدته الزبير، إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث كانت عائلته أصلا، في بلدة «جلاجل» إحدى بلدان سدير، من بلاد نجد، التي هاجر منها والده إبراهيم وقد استدعاه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ليكون في خدمة جلالته، وقد قدم للمملكة خدمات في مجال تطوير الجهاز الإداري للدولة حين تأسيسها حيث كلفه الملك عام 1926م بتطوير ميناء «العقير»، وفي خلال سنتين استطاع أن يرفع ميزانية الميناء، من خمسة آلاف ليرة إسترلينية، إلى خمسين ألف ليرة، وهذا ما ذكرته المصادر. كما مثل الملك عبد العزيز في مؤتمر «الصبيحية» في ما يخص الأحساء عام 1332هـ. وأشركه معه في مؤتمر العقير بشأن تعيين حدود المملكة العربية السعودية مع كل من العراق والكويت.
- رحلة الوجيه الشيخ محمد بن عبد الله المانع من بلدته الزبير، إلى مدينة الرياض، فالتحق بجلالة الملك عبد العزيز آل سعود، مترجما خاصا له من اللغة الإنجليزية إلى العربية وبالعكس، وذلك لإجادته لها، فعين موظفا في الديوان الملكي عام 1344هـ/ 1926م، كما رافق جلالة الملك عبد العزيز في رحلاته وبعض غزواته، مترجما له، إلى أن تبوأ منصب رئيس مكتب الترجمة في الديوان الملكي السعودي.
- رحلة الوجيه الشيخ محمد بن عبد العزيز الدغيثر من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض، لخدمة موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث عينه جلالة الملك عبد العزيز أمينا خاصا لديوان برقيات جلالته الخاصة لأنه يجيد اللغة العربية، إضافة إلى إجادته التامة للغة الإنجليزية، وكان له الأسلوب الحسن والطريقة المثلى في صياغة العبارات وحسن عرضها على جلالته سواء البرقيات الصادرة أو الواردة، وهذا ما عرف عنه واشتهر.
- رحلة والد المؤلف إبراهيم بن عبد العزيز البراهيم الناصر من الزبير إلى مدينة الرياض وذلك عام 1352هـ/ 1933م وفي العام نفسه التحق بوظيفة كاتب حسابات (حيث يجيدها) في الحملة العسكرية التي سلكت ساحل البحر الأحمر تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز الذي هو تحت قيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز، الذي سلك الجبل من جهة الطائف، متوجها إلى بلاد عسير للقيام بمهمة أمنية عهد بها إليه جلالة الملك عبد العزيز.
ولما لم يكن والد المؤلف من المقاتلين وإنما كان موظفا مدنيا، أسندت إليه بعض الحسابات المالية وتنظيمها، لذا تم تزويده بجمل ركوب ولوازمه كما زود بالدفاتر والسجلات الحسابية وما يلزمها، كما زود بالبندقية وذخيرتها للدفاع عن نفسه، وقد وصلت تلك الحملة بقيادة صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى مدينة الحديدة اليمانية الساحلية واحتلتها، ومن ثم رجعت إلى بلادها المملكة العربية السعودية بأمر من جلالة الملك عبد العزيز.
ومن بعد ذلك رجع إلى الرياض، حيث عين في مالية الرياض بوظيفة كاتب فسوح في 12 رمضان عام 1353هـ، ثم تركها عام 1935م،.
- رحلة الشيخ أحمد بن إبراهيم الربيعة من الزبير إلى مدينة الرياض، حيث عين في وظيفة كاتب حسابات بمالية الرياض 1934م، وكان زميلا في المالية لوالد المؤلف إبراهيم عبد العزيز البراهيم الناصر وهو من أقاربه وأعز أصدقائه. - رحلة الشيخ أحمد بن عبد المحسن الفريح من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض عام 1933م، حيث تولى إدارة وتشغيل وصيانة محطة توليد كهرباء قصور جلالة الملك عبد العزيز في موقع «المربع»، التي كانت آنذاك خارج مدينة الرياض، ورحلة الشيخ حمد العبيدي الذي تولى مهمة كبرى في إدارة خفر السواحل في مدينة جدة، ورحلة الشيخ محمد الحمد الشبيلي من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد إلى البصرة والزبير، حيث أقاربه الكثيرون فيها وكذلك من أبناء بلدته عنيزة كآل الشبيلي وآل البسام وآل الذكير وغيرهم.. يقول عنه الشيخ عبد الرحمن الصالح الشبيلي في مؤلفه «محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان)»: «اصطحبه والده إلى البصرة وعمره عشر سنوات ورافقه في الرحلة الأولى ابن عمه الشيخ محمد العبد الرحمن الشبيلي، وهما متقاربان في العمر، حيث التحق الشيخ محمد العبد الرحمن بمدرسة النجاة الشهيرة في الزبير والتحق الشيخ محمد الحمد بمدرسة الرجاء العالي، وذلك في نحو منتصف الأربعينات الهجرية، وقد حصل على شهادة تلك المدرسة التي تعادل شهادة الكفاءة المتوسطة». ثم يقول: «وفي 4/6/1943م أي بعد 12 عاما من العمل في الديوان الملكي، صدر قرار بنقله نائبا للقنصل السعودي في البصرة (الشيخ فخري شيخ الأرض)، وذلك على أثر افتتاح هذه القنصلية لرعاية الجالية السعودية في مدن جنوب العراق، وبعد نحو ست سنوات نقل الشيخ فخري إلى عمل آخر، وتم تثبيت الشيخ محمد مكانه قنصلا عاما في البصرة وذلك بتاريخ 13/1/1949م.
وفي مدة عمله قنصلا عاما في البصرة كانت له الصلة المثلى بأهل الزبير أبناء نجد، وله الأثر الفاعل في العناية بهم وتفقد شؤونهم وزياراته المتكررة والدائمة من دون انقطاع لهم في بلدتهم الزبير، كما كانوا يبادلونه ذلك، فنال إجلالهم له وتقديرهم، وكذا مثلها مع أبناء نجد من أهالي البصرة وجنوبها.
ومن مساعي الشبيلي المثلى مشاركته في تزكية أهل الزبير من أبناء نجد باعتبار أصولهم النجدية وأنهم من أبنائها المخلصين لموطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية، وذلك بالعمل على استعادة جنسيتهم السعودية، فتم ذلك بفضل من المولى عز وجل، ثم بفضل جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير خالد بن عبد العزيز ووزير داخليته سمو الأمير فهد بن الملك عبد العزيز وباقي أصحاب السمو الأمراء، وكذلك المسؤولين الوزراء وكبار الدولة، وعلى أثر ذلك صدر المرسوم الوزاري بإعادة الجنسية السعودية لأبناء نجد من أهالي الزبير».
وهناك رحلة الشيخ محمد بن ناصر بن ضاوي من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد لبلدة الزبير، حيث درس فيها والتحق بمدرسة النجاة الأهلية الابتدائية للبنين وتخرج منها، وعاد إلى موطنه المملكة العربية السعودية فالتحق بالديوان الملكي السعودي، كما ترأس وفودا للمملكة العربية السعودية لدى الدول الأخرى كاليمن وغيرها، ثم تولى رئاسة دائرة الجنسية والجوازات بمدينة الرياض.
ورحلة الشيخ صالح بن ناصر بن عبد المحسن آل الصالح من بلدته مسقط رأسه «عنيزة» إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، والتحق تلميذا بمدرسة النجاة الأهلية الشهيرة مع حضوره مجالس العلماء، ولما تخرج من تلك المدرسة حاملا معه قسطا وافرا من العلوم رجع إلى بلدته عنيزة، وفي عام 1347هـ أسس فيها مدرسة نظامية على مناهج مدرسة النجاة الأهلية الابتدائية في الزبير، التي تخرج فيها يساعده أخوه عبد المحسن بإدارتها والتدريس فيها فلاقت في عنيزة إقبالا كبيرا من الطلبة، كما ذكر المؤلف انتقال الشيخ عبد الله بن عثمان القصبي إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث عين فيها مديرا عاما لمصلحة الطرق والكباري بوزارة المواصلات بالرياض، وقام بتلك المهمة خير قيام، ثم تولى من بعد ذلك رئاسة بلدية مدينة جدة، ومن بعد ذلك عين مديرا عاما لصحيفة «المدينة المنورة»، ثم تفرغ للأعمال الخاصة فأسس مؤسسة كبرى للإنشاءات الخراسانية وشق الطرق والأنفاق تحت اسم «مؤسسة كرى»، فقامت مؤسسته تلك بأعمال جبارة في هذا المجال المهم، خاصة في مكة المكرمة ومنى ومزدلفة وعرفات وجدة، فعبدت الطرق وأنشأت الجسور الخراسانية وطرق المشاة وشقت الأنفاق الجبلية لاختصار الطرق والشوارع. وانتقل الشيخ عبد الله بن خليل الجدعان إلى بلده وموطنه المملكة العربية السعودية، وقام بمهمة التعليم بمنطقة الزلفي ومدينتها، فقام بهذه المهمة خير قيام وله فيها طلاب كثر يذكرونه بالشكر والتقدير، ثم اختير رئيسا لقسم الجوازات والإقامة ومهمة تأمين ذلك بمنطقة الرياض، وكان إذ ذاك يرأس مديرية الجنسية والجوازات الشيخ محمد بن ضاوي، وبعد الإحالة للتقاعد أسس مؤسسة كبرى لمشروع زراعي تحت اسم «مزارع الجدعان للأبقار وإنتاج الألبان بمنطقة الخرج»، ولا تزال حتى كتابة هذه السطور تؤدي دورها في خدمة الأمن الغذائي، وانتقال النيابي المحامي الشهير عبد الرزاق بن أحمد الحمود إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية من بلدته الزبير، وقد عينه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز مستشارا بالديوان الملكي، ومن بعد ذلك قام بمهمة رئاسة إدارة إحدى المؤسسات التجارية السعودية في جدة، ثم من بعد ذلك فتح له مكتبا قانونيا للمحاماة، ثم تفرغ لأعماله الخاصة حتى وفاته بالرياض.
* الملك سعود يكرم السعوديين في الزبير
* ويشير المؤلف الناصر إلى أنه «ولتوطيد العلاقات الأصيلة بين المملكة العربية السعودية وملوكها ورعاياهم من الجالية السعودية من أبناء نجد، قام ولي العهد سعود بن الملك عبد العزيز في عهد والده بزيارة الزبير، كما قام جلالته يوم كان ملكا بزيارة الزبير مرة أخرى تكريما لأهلها أبناء نجد وتفقدا أحوالهم، فاستقبلوه ببالغ الحفاوة والإجلال؛ ففي الزيارة الأولى، كان جلالته وليا للعهد أيام حكم والده جلالة الملك عبد العزيز آل سعود عام 1372هـ/ 1953م، وكانت لحضوره حفل تتويج جلالة الملك فيصل الثاني بن الملك غازي ملكا على المملكة العراقية عند بلوغه السن القانونية وهي 18 عاما، وقد حضر حفل الاستقبال لسموه في مطار بغداد وفد من أهل الزبير من أبناء نجد مؤلف من بعض علماء البلد ووجهائها ومثقفيها، بمعية سعادة قنصل المملكة العربية السعودية في البصرة آنذاك الشيخ محمد الحمد الشبيلي، وأثناء الاستقبال وجه الوفد الزبيري دعوة لسموه لزيارة مدينتهم الزبير، حيث إن أهلها كانوا في الجالية النجدية، فلبى سموه الدعوة، وتوجه إلى مطار البصرة والوفد المرافق له، ووجد في استقباله أهل الزبير من أبناء نجد وعلى رأسهم قنصل المملكة العربية السعودية في البصرة آنذاك سعادة الشيخ محمد الحمد الشبيلي.
فتوجه ركب سموه والوفد والمستقبلون إلى مدينة الزبير عصرا، وما إن وصلها سموه حتى وجد جل أهل الزبير حضورا لاستقبال سموه خارجها من جهة الشرق عند بوابة العراص من محلة الشمال إحدى محلات الزبير، وقد أعدوا مكان استقبال سموه في ساحة إحدى مدارس الزبير، وما إن حل فيها والوفد المرافق حتى وجد المستقبلين من مدنيين ورسميين، ثم قدمت القهوة العربية والمرطبات، وتبارى الخطباء يرحبون بسموه، ومنهم شعراء الفصيح والنبط، وعند انتهاء حفل الاستقبال ودعت الجماهير سموه والوفد المرافق له بما يستحقه من حفاوة وتكريم، وتعتبر هذه الزيارة الأولى لجلالته.
أما الزيارة الثانية: فتمت عام 1377هـ/ 1957م حيث قام جلالة الملك سعود بن عبد العزيز بتوجيه دعوة رسمية لجلالة الملك فيصل الثاني ملك المملكة العراقية لزيارة المملكة العربية السعودية، فلبى جلالته الدعوة في العام نفسه يرافقه ولي عهده سمو الأمير عبد الإله بن علي، ورئيس وزرائه علي جودة الأيوبي، وما إن وصل موكب جلالته إلى الرياض حتى استقبله جلالة الملك سعود وأصحاب السمو الأمراء، والوزراء ومسؤولو الدولة والمواطنون، وأقام له جلالة الملك سعود ولمرافقيه حفلا تكريميا يليق بمكانته، كما أقامت القوات العسكرية السعودية والجوية، عرضا عسكريا رائعا بطريق مدينة الخرج، واستغرقت زيارة جلالته للمملكة ما يزيد على ثلاثة أيام، وعندها وجه جلالة الملك فيصل الثاني دعوة لجلالة الملك سعود، لزيارة المملكة العراقية، فلبى جلالته الدعوة في تلك السنة عام 1377هـ/ 1957م.
وقبل موعد وصول جلالة الملك سعود إلى بغداد، قامت القنصلية السعودية في البصرة ممثلة في سعادة القنصل الشيخ محمد الحمد الشبيلي بتوجيه دعوة لأهل الزبير من أبناء نجد ومثلهم من سوقالشيوخ والخميسية لاستقبال جلالة الملك سعود في مطار بغداد، فتوجه الوفد الزبيري إلى بغداد لاستقبال جلالته، وأثناء الاستقبال والترحيب بجلالته، وجه الوفد الزبيري لجلالته دعوة لزيارة بلدتهم الزبير، فما كان من جلالته إلا تلبية الدعوة، واستقبله في مطار البصرة حشد من أهالي الزبير من أبناء نجد الذين كانوا على رأس المستقبلين، يتقدمهم العلماء والوجهاء وأهل البصرة ومسؤولو الدولة.
وما إن وصل جلالته ومرافقوه إلى بلدة الزبير حتى وجد حشدا هائلا من أهلها أبناء نجد في استقبال جلالته ومرافقيه في ساحة (بوابة العراص)، وقد أعدت «مدرسة طلحة» الواقعة بقربها، مكانا لاستقبال جلالته، حيث قدمت القهوة العربية والمرطبات، وقام عرفاء الحفل بالترحيب بجلالته والوفد المرافق له من أمراء ومسؤولين، وأذكر من أولئك العرفاء المستشار الشيخ عبد الله بن عقيل العقيل، الذي قدم فضيلة العالم الجليل الشيخ ناصر بن إبراهيم الأحمد وفضيلة العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد الرحمن السند، والأستاذ عمر بن عبد الرزاق الدايل، لإلقاء كلمات الترحيب والثناء على جلالته والوفد المرافق له، نيابة عن أهالي الزبير، كما ألقى الشاعر عبد الرحمن بن علي الرماح قصيدة بالفصحى، ترحيبا به وثناء عليه، عدد أبياتها 72 بيتا اخترنا منها، هذه الأبيات لطولها، ومطلعها:
أرج الرياض ونفحة البطحاء هبت نسائمها على الفيحاء بزيارة ملكية ميمونة عبقت بعطر السادة النجباء أهلا بسلطان الجزيرة
الرياض: بدر الخريف
شكلت عوامل اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية وعلمية بالإضافة إلى عامل تحسين الأحوال المعيشية دافعا لكثير من سكان نجد (وسط الجزيرة العربية) عبر مئات السنين للهجرة، حيث ترك بعضهم مواطنهم مهاجرين إلى مواطن أخرى، وتركزت شمالا إلى بلاد الشام (سورية وفلسطين والأردن) وغربا إلى بلاد النيل (مصر والسودان) وشرقا إلى بلاد الرافدين وبلاد الخليج العربي، وجنوبا إلى جهة الجنوب الغربي من الجزيرة العربية. وقبل نحو خمسة قرون (وبالتحديد في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري) بدأت هجرة أبناء نجد من بلادهم إلى مدينة البصرة الحديثة، والغرض الأساسي من ذلك هو كسب الأرزاق والعمل في بساتين نخيلها خاصة في موسم الرطب والتمور، وإذا ما انتهى الموسم عادوا إلى بلادهم نجد يحملون معهم القليل مما كسبوه ليستعينوا به على تحسين أحوال أسرهم المعيشية.. وهكذا من موسم إلى موسم آخر.
ولبعد المسافة بين بلادهم والبصرة والانتظار إلى موسم آخر، مع محصولهم القليل مما كسبوه، طرأ على بال بعضهم الإقامة في البصرة أطول، لينالوا قسطا أكبر من الرزق، فكان ذلك، ولما أقاموا فيها وجدوا أنها لا تتناسب مع نمط حياتهم الذي ألفوه في بلادهم نجد لأسباب تتعلق بالاختلاف بينهم وبين أهل البصرة في الطباع والعادات والتقاليد، مع الاختلاف في بعض العقائد الدينية، إضافة إلى رطوبة أجواء البصرة لوفرة مياه أنهارها وكثرة أطياف أراضيها جراء تساقط الأمطار في موسمها، كما أن فيضان الأنهار تسبب في غمر الأراضي الواقعة غرب البصرة بمياهها، مما خلق مانعا يحول بينهم وبين العودة إلى بلادهم نجد، حيث تتحول الأراضي إلى منطقة غير صالحة لسير الناس والدواب، كما أن هناك عاملا آخر جعل المهاجرين النجديين إلى البصرة يفضلون الإقامة فيها ويعيدون النظر في مكان إقامتهم لمدة طويلة، وهو اضطراب الأمن في البصرة بين الفينة والأخرى من استبداد بعض ولاتها، وهجمات الفرس عليها طمعا في الاستيلاء عليها، وهجمات البوادي لنهب خيراتها.
ولهذه الأسباب آثر المهاجرون النجديون السكن والاستقرار في الزبير، وهي في أول نشأتها، خاصة أنهم خبروها من جميع جوانبها، حيث إنها في طريقهم من بلادهم نجد إلى البصرة وعودتهم، وقد أحسنوا الاختيار ووفقوا فيه.
وأحاط الباحث عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد العزيز الناصر بكل ما يتعلق ببلدة الزبير وتاريخها ونشأتها وتطورها والأسباب الرئيسة التي أدت إلى هجرة المهاجرين من أبناء نجد إليها، وسبب اختيارهم للموقع وأهميته التاريخية والجغرافية، معرجا على الحديث عن حدودها ومساحتها وأهم معالمها وعدد سكانها ومناخها وزراعتها وتجارة أهلها والأوضاع السياسية وتداول الحكم فيها، كما رصد الحركة العلمية في المدينة وعلماءها البارزين ومشايخها والمدارس النظامية فيها ومدارس الكتاب (الملالي)، وتطرق المؤلف في الكتاب الذي أنجزه مؤخرا عن الزبير، وعنونه بـ«الزبير.. وصفحات مشرقة من تاريخها العلمي والثقافي» إلى المكتبات العامة والخاصة التي أنشأها أهل البلدة، والدواوين التي يدور فيها الحديث عن المشكلات الاجتماعية والقضايا العلمية، مبينا في الكتاب إسهامات أهل الزبير في ميدان الصحافة والأدب والشعر والطب الشعبي والحرف، موردا أسماء الأسر النجدية التي هاجرت إلى هناك.
بداية، يوضح الباحث الناصر أن الأسباب التي أدت بالمهاجرين من أبناء نجد إلى عدم اتخاذهم مدينة البصرة مقر إقامة دائمة لهم وبدلا من ذلك اتخذوا الزبير مقرا دائما لسكنهم وعائلاتهم التي استقدموها من بلادهم نجد، مشيرا إلى أن هذه الأسباب تتمثل في أن أجواء الزبير وطبيعة أراضيها مماثلة لبلادهم نجد، وعدم وجود موانع طبيعية تحول بين نجد والزبير، ووجود علامات تدلهم على الطريق كوادي الباطن وجبل سنام وهو العلامة الواضحة التي يعرفون منها قرب وصولهم إلى «الزبير»، إضافة إلى وجود بحيرات مياه حلوة مع توفر المياه الجوفية الصالحة للزراعة وصلاحية أراضيها للزراعة ورعي الماشية، ووفرة مواد البناء كالتربة النقية والجص والحصباء والرمل والطابوق المفخور يستخرجونه من خرائب البصرة القديمة، ووجود حركة تجارية بين حاضرة البصرة الحديثة وباديتها وخدمة حجاج بيت الله الحرام المارين عليها، كما أن «الزبير» تتصل بطرق برية إلى بلاد نجد وبلدان الخليج العربي وأنحاء العراق وبلاد الحجاز والشام حتى بلاد أوروبا، مثل الطرق التي تتصل بمركز السلطنة العثمانية في إسطنبول وأيضا الطرق البحرية التي تصلها ببلاد البحار كبلاد الخليج العربي والهند وأفريقيا وشرق آسيا وذلك عن طريق منفذ خور عبد الله والمجدم وبالتالي أم قصر، كما أن أرض «الزبير» مرتفعة كثيرا عن مياه الفيضانات، ووجود تجمع سكاني قليل العدد في الزبير حول مسجده وضريحه لا يؤثر سلبا في عقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم، كما اختصت الزبير بمكانة مقدسة خاصة لدى الدولة العثمانية وسلاطينها، وذلك لوجود بعض أضرحة الصحابة الكرام كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم والشهداء من الصحابة الكرام في معركة الجمل كذلك، ووجود أضرحة التابعين الكرام كالحسن البصري ومحمد بن سيرين ومالك بن دينار وغيرهم، وبسبب هذه المكانة، أولت الدولة العثمانية اهتماما بشؤونها، فأسقطت عن سكانها الإلزامية الجندية والضرائب الرسمية، كما قدمت لهم المساعدات المالية والأسلحة وأقرت استقلال شيوخها بشؤون بلدتهم الزبير.
* التأسيس الفعلي لبلدة الزبير
* اتخذ المهاجرين النجديون الزبير مقرا دائما لسكنهم وعائلاتهم التي استقدموها من بلادهم نجد، لذلك بنوا مساكن لهم ولأسرهم بجوار مسجد الزبير بن العوام، فأسسوا أول محلة أطلقوا عليها محلة الكوت وما زالت إلى الآن قائمة تحمل هذا الاسم وأسسوا لهم مسجدا جامعا إلى الشرق من مسجد الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه وذلك عام 1003 هـ لإقامة الصلاة فيه جماعة وجمعة، وذلك تحرزا منهم من الصلاة في مسجد الزبير بن العوام الملاصق لضريحه، الذي شيدته الدولة العثمانية، وهذا مما يدل على سلامة عقيدتهم التي هي عقيدة التوحيد الإسلامية، وقد أطلق حينها على هذا المسجد اسم «مسجد النجادة» الذي لا يزال قائما إلى الآن يحمل هذا الاسم.
ويعد تاريخ تأسيس وبناء هذا المسجد الجامع عام 1003 هـ هو التاريخ الفعلي لتأسيس بلدة الزبير على يد المهاجرين من أبناء نجد، حيث أصبح لهم كيان يذكر، مع التوافد المستمر من دون انقطاع من المهاجرين من بلاد نجد.
يقول الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي في مؤلفه آنف الذكر: «وقد كان للنجديين القدح المعلى في سكن هذه المنطقة (يقصد الزبير) فقد ألفوا أكثرية الناس فيها لكونهم من التجار ويعرفون المواقع التجارية المهمة وقد أصبحت (الزبير) بفضل نشاطهم التجاري سوقا نافعة فازداد عدد النجديين».
واشتهرت بلدة الزبير منذ تأسيسها بالتجارة، حيث تبادل السلع بين حاضرة البصرة الحديثة وباديتها، حيث يلتقي الطرفان في موقعها فيعرض أهل البصرة الكثير من منتجاتهم كالتمور والحبوب والألبسة ومنتجات صناعية أخرى على البادية والزوار وحجاج بيت الله الحرام، كما تعرض باديتها أيضا منتجاتها من الأنعام كالجمال والأغنام والدواب كالخيل والحمير، ومنتجاتهم من الجلود والأصواف والأوبار والدهون وبيوت الشعر وبساط المفارش من الأصواف وحطب الوقود والأعشاب الطبية.
ولما اتسعت بلدة الزبير وكثر سكانها من مهاجري بلاد نجد أصبح لها كيان تجاري يذكر، وعلى مر السنين أصبح لهم علاقة تجارية مع كثير من البلاد، فسيروا القوافل التجارية إلى أنحاء العراق وبلاد الشام وتركيا والبلاد الأوروبية وكذلك بلادهم نجد، وسيروا السفن التجارية إلى بلدان الخليج وبلاد الهند وبلاد البحار الأخرى كعدن وسواحل أفريقيا والصين وأميركا، وأقاموا لهم في كثير من البلدان البيوتات التجارية، كما أصبحوا هم وكلاء لتجارها وشركاتها، كما أصبحت بلدة الزبير محط القوافل التجارية والبريدية ومكاتب الرسوم الجمركية.
ويستعرض المؤلف ما قاله المؤرخون عن تجار الزبير وتجارتها وكثرة أموال أهلها؛ يقول العلامة المؤرخ المحقق عثمان بن عبد الله بن بشر في مؤلفه «عنوان المجد في تاريخ نجد» عن حوادث بلاد نجد عام 1240هـ: «وفي شعبان أقبلت قافلة كبيرة ظاهرة من البصرة والزبير من أهل سدير والوشم والقصيم والعارض وغيرهم، كبيرها علي آل حمد صاحب الزلفي ومعهم أموال كثيرة (محملات) من الهدم والقماش والحرير إلى غير ذلك من أجناس المال».
ويقول في حوادث بلاد نجد عام 1242هـ: «وكان في بلد الزبير تاجر كبير يقال له يوسف بن زهير صاحب بذل وعطاء وعنده من الأموال والنخيل في البصرة وغيرها ما لا يحصى». ويقول في حوادث هذه السنة عن أهل الزبير: «فتح الله عليهم من الدنيا وزينتها وكثرت رجالهم وأموالهم وخدمهم وأعوانهم». ويقول أيضا في حوادث بلاد نجد عام 1252هـ: «وفي هذه السنة، أعني سنة اثنين وخمسين في رمضان، أقبلت قافلة من الزبير لأهل سدير وغيرهم».
يقول الأستاذان الصانع والعلي في مؤلفهما «إمارة الزبير بين هجرتين»: «الجويسر من الأسر القديمة التي هبطت الزبير من نجد، وذلك أن فراج آل الجويسر رأس قافلة إلى الزبير قوامها 200 بعير للتجارة»، كما ذكرا نقلا عن محمد أمين بن عبد العزيز الخانجي في مؤلفه «البلدان» أن موقع الزبير محط لمجتمع قوافل البصرة في طريقها إلى الشام، وقد ذكرا أيضا نقلا عن دائرة المعارف لبطرس غالي جزء 9 - عام 1893م أن بلدة الزبير وموقعها محط القوافل التجارية إلى الشام.
أما عبد العزيز عبد الغني إبراهيم فيقول في مؤلفه «نجديون وراء الحدود»: «ونظرنا بعدئذ في قرية الزبير التي اتسعت بالهجرة الوافدة من نجد، فإذا هي قد أصبحت أكبر رقعة وأعظم عمرانا من الكويت المجاورة، بل إنها ضارعت البصرة التي تناقص شأنها بفعل البلاء الذي أنزله بها الطاعون ثم الحروب الفارسية، وقد كانت الزبير إحدى الروافد التي غذت البصرة بالرجال حتى عمرت مرة أخرى، وما لبثت دائرة الزبير أن اتسعت فوصل رجالها إلى بغداد وعمروا الحواضر وأنشأوا قرى أخرى على امتداد المنطقة». ويقول أيضا: «تزامنت بداية الاستقرار النجدي المكثف في الزبير مع قيام الدولة السعودية القديمة ومع بداية ازدهار النشاط التجاري البريطاني في الخليج، وساهم أهل الزبير خاصة العقيلات منهم في ذلك النشاط بمقدرة وكفاءة؛ تخرج قوافل العقيلات من الزبير تحمل بضائع الهند وطيوبها وبهارها ومحاصيل العراق إلى الموانئ الشامية، وتعود حاملة سلع أوروبا ومنتجات الشام إلى بلاد الرافدين، فأصابت تلك البلاد ثراء عظيما ونمت وازدهرت واتسعت حتى سميت الشام الصغير».
كما يذكر عبد العزيز عبد الغني إبراهيم في مؤلفه السابق بوجود قافلتين تتحركان من البصرة إلى الزبير ومنها إلى الشام؛ منها واحدة لتجارة وبيع الإبل، والثانية لتجارة السلع خاصة المستوردة عبر الطريق البحرية والنهرية القادمة من بلاد الهند والبنغال، وأن القوافل التجارية لا تقتصر على كبار التجار لكبار القوافل، بل حتى الصغار ذوو العدد القليل من الجمال، وأصبحت الزبير مركزا وطريقا تجاريا، لذلك فتحت فيها مكاتب تحصيل الرسوم على البضائع المتجهة إلى الشام، كما ذكر أن بعض تلك القوافل التجارية يتراوح عدد جمالها بين 1200 بعير و5000 بعير، منها لحمل السلع التجارية، ومنها لحمل المسافرين، ومنها من دون أحمال. ومن أبرز السلع المصدرة إلى بلاد الشام ذكر منها التوابل من بلاد الهند وبلاد البحار كالفلفل وحب الهان والقرنفل والزنجبيل وزهور الكاتيا والكراوية والمسك والثياب القطنية والشيلان، كذلك السلع التجارية الأخرى كالصوف الإنجليزي والمنسوجات الجميلة والسجاد والتمور بأنواعها والأصماغ وبعض الأعشاب الطبية والكافور والنيلة والتبغ والحديد والرصاص والقصدير واللؤلؤ، ومن ثم تعود القوافل من بلاد الشام إلى الزبير محملة بالبضائع الشامية والمستوردة من أوروبا.
ومما زاد من نشاطها التجاري أن كانت لها منافذ ساحلية على الخليج العربي لرسو سفن التجارة والمسافرين، ففيها منفذ خور عبد الله الذي تفرغ فيه البضائع القادمة عن طريق البحار، ولموقعها أصبحت حلقة وصل بين الجهات الأربع، ولكسب الخبرة التجارية وطرق التعامل، فسيطروا على معظم تجارة البصرة وملكوا الكثير من نخيلها وعقاراتها وأصبح لهم مراكز تجارية في بلاد الهند وعدن وبغداد وحلب، كما ذكر أن دولة فرنسا عندما أعادت فتح قنصليتها في البصرة عام 1177هـ/ 1765م ازداد النماء التجاري وازداد عدد النجديين تكاثرا في الزبير وأعمالهم تنامت. ويذكر عن السويدي في مؤلفه «تاريخ حوادث بغداد والبصرة»، حيث قال عن البصرة: «مر عليها من الأوبئة آخر نموها، حتى عادت إلى النماء والثراء وذلك بعد عام 1194هـ/ 1780م تحت سادة جدد من العرب النجديين». يذكر أن القوافل التجارية لا تخرج إلا بعد أن تنهي إجراءاتها في الزبير وتسوية شؤونها ثم تخرج إلى كويبدة متجهة إلى بلاد الشام، كما أن هنالك قوافل فردية تحمل البريد المحلي والخارجي. ويقول عن أهل الزبير إنهم اتخذوا طرقا تجارية قصيرة المدى (اتخذ هؤلاء الأوائل الطرق التجارية إلى تخوم الشام وتستغرق المدة ما بين 13 يوما إلى 18 يوما، واستقروا في الزبير عند أطراف البصرة بموقعها الفريد عند أبواب أعالي الخليج العربي، الذي انفتح بتجارته صوب القارة الهندية التي كان لها شأن من الناحية الاقتصادية والسياسية والتاريخية.
ويصف لنا المغامر الإنجليزي المسلم ريتشارد ويليامسون، الذي سمى نفسه بعد إسلامه عبد الله فاضل الزبير، واشتهر في البصرة والزبير بعبد الله المسلماني، النشاط الاقتصادي في الزبير، بأنها بلدة مسورة ذات تجارة مزدهرة وأسواق مسقوفة ومكشوفة تعج بالعمل وبضائعها وسلعها التجارية المعروضة، وأنه كان حينها موجودا فيها للالتحاق بركب الحجيج وعمره إذ ذاك أربع وعشرون سنة قاصدا الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ووجد السلع الكثيرة المعروضة التي يحتاج إليها الحجاج وقوافلهم، فذكر كثرة الجمال والأغنام والأواني والدلاء وظروف أكياس المواد الغذائية كالرز والسمن والدقيق واللبن واللحوم المقددة والسكر والخضراوات المجففة وأصناف البهارات وأطقم القهوة وحفظ المياه والأشرعة والملابس والفراء وبسط الجلوس وأصناف من البضائع الأخرى المنوعة. وذكر أن التعامل كان بعملة الليرة العثمانية الذهبية وريالات (ماريا تريزا الفضية).
ويورد الباحث الناصر بعض أسماء التجار الأثرياء من أهل الزبير أبناء نجد مع قدم تأسيس الزبير حتى عودتهم الأخيرة في نهاية القرن الرابع عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي إلى موطنهم الأصل المملكة العربية السعودية وكما أوردتهم المصادر:
الفداغ - الزهير - أحمد بن رزق - الوطبان - السميط - الراشد - محمد بن عبد العزيز بن عبد الوهاب النجدي - عبد العزيز الصالح النجدي وأخوه عبد الرحمن - عبد الله العودة النجدي - المنديل - المانع - العون - العصيمي - المشري - الفارس - المشاري - الصانع - الذكير - البسام - العقيل - الشعيبي - العنيزي - المهيدب - الصالح - سعود عبد العزيز الصالح - الفليج - السويلم - البعيجان - العويجان - القرطاس - القضيب - العبد الكريم - العسافي - الفريح - البابطين - المزروع - العمران - البشر - المحرج - الونيسي - العيسى - الجار الله - الملحم - الشهوان - الهنداس - النافع - الربيعة - المطير - العوهلي - القريشي - وغيرهم كثيرون.
لما حل أهل نجد المهاجرون بالزبير واتخذوها سكنا لهم ولعائلاتهم عمدوا إلى زراعة أراضيها بعد أن وجدوا وفرة مياه آبارها الصالحة للزراعة مع وفرة الأمطار في مواسمها، ثم إنهم وبخبراتهم الزراعية في بلادهم نجد وجدوا من صحراء الزبير غربيها وشمالها وجنوبها خاصة الغربي منها مكانا ملائما.
* عدد السكان: من ألف إلى ربع مليون
* كان التجمع السكاني قليل العدد في أوائل نشأة بلدة الزبير، وكان مؤلفا من فئة تقوم بخدمة تجارة بادية البصرة وحاضرتها، وفئة من يخدم مسجد الزبير بن العوام رضي الله عنه وضريحه، وفئة من الدراويش، وجماعة من آل هلال التميميين لحفظ الأمن في المنطقة. بقيت الزبير على هذا الحال حتى سكنها أهل نجد المهاجرون من بلادهم هم وعوائلهم، ثم توسعت بفعل ازدياد الأعداد المهاجرة من نجد حتى أصبح لهم كيان يذكر، وكان التأسيس الفعلي لبلدة الزبير على أيديهم في بداية القرن الحادي عشر الميلادي وأسسوا لهم مسجدا جامعا عام 1003هـ وهو جامع «النجادة» التاريخي الشهير.
ويقول الباحث: «ولم يكن هنالك قديما ما يسمى بالإحصاء السكاني، ولكن لدينا ما يعطينا فكرة عن ذلك ولو على وجه التقريب، وهو ما ذكره العلامة المؤرخ المحقق الشيخ عثمان بن عبد الله بن بئر في مؤلف آنف الذكر عن حوادث بلاد نجد عام 1187هـ، حيث يقول: (وفي هذه السنة وقع الطاعون العظيم في بغداد والبصرة ونواحيها، ولم يبق من أهلها ونواحيها إلا القليل، وذكروا أنه مات فيه ثلاثمائة وخمسون ألفا، ومات من أهل الزبير ستة آلاف. ولعلنا نصل من وراء هذا الحدث إلى العدد التقريبي لسكان بلدة الزبير حيث إن العدد الذي مات من أثر هذا الوباء من أهل الزبير ستة آلاف نفس وهو عدد ليس بالقليل بالنسبة لذلك الزمن. ولا بد أن هناك ناجين من هذا المرض ومن هم خارجون مسافرون، ولو قلنا إن العدد المتوفى من أهل الزبير هم الأكثر عددا وإن الناجين نصف هذا العدد فيكون عدد سكان بلدة الزبير في تلك السنة ما يقارب التسعة آلاف نسمة. ثم إننا نرى توالي الهجرات من بلاد نجد بأعداد متزايدة ومتواصلة، كما ذكر ابن بشر في حوادث عام 1193هـ عندما تدفق المهاجرون إليها بسبب مكانتها العلمية وموقعها التجاري.
وبعد الرجوع إلى المصادر التاريخية تجمعت لنا معلومات عن عدد سكان مدينة الزبير حيث بلغ عددهم أوائل القرن الحادي عشر الهجري ألف نسمة يرتفع تباعا ويصل عام 2002م إلى 250 آلف نسمة».
ويوضح المؤلف الناصر في هذا الخصوص بقوله: «عندما نستعرض سنوات التعداد السكاني لبلدة الزبير نجده مقدرا قبل التعداد السكاني الرسمي عام 1947م، ثم إننا نجد في هذا التعداد المقدر أن جلهم إن لم يكن كلهم من أهل نجد حتى نهاية مشيخة الزبير في عهد شيخها الشيخ إبراهيم العبد الله البراهيم الراشد وعلى يد الاحتلال البريطاني وذلك عام 1920م، حيث إن أهل الزبير من أبناء نجد وشيوخها قبل هذا التاريخ لم يسمحوا قط بأن يسكن معهم أجنبي غيرهم. يقول العلامة الشيخ محمد بن الشيخ خليفة النبهاني في مؤلفه «التحفة النبهانية»: (وكان أهل الزبير متعصبين من أن يسكن معهم أجنبي في الدين حتى زمن الحرب العالمية الأولى.
وظل أهل الزبير على هذا المنوال من جهة عدم سماحهم لأن يسكن معهم في بلدهم غيرهم حتى العقد الرابع من القرن العشرين الميلادي عند اكتشاف البترول في أراضيها، فتوافدت من أنحاء العراق العمالة والموظفون العاملون في هذا الحقل وغيره من الأعمال الأخرى.
ثم تناقص العدد السكاني من أبناء نجد في بلدة الزبير بعد ذلك بفعل الهجرة المعاكسة من بلدتهم تلك إلى موطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية، وكانت بداية العودة للذين كانوا يحملون الجنسية السعودية ثم العودة الكلية ما بعد عام 1394هـ الموافق عام 1975م وبموجات متتابعة، خاصة بعد صدور قرار مجلس الوزراء السعودي في 20/11/1393هـ بالموافقة على منح النجديين الزبيريين فرصة العودة إلى جنسية بلادهم الأصلية المملكة العربية السعودية، فكانت عودة جماعية حتى لم يبق من أهل الزبير أبناء نجد إلا القليل والقليل جدا الذين لم تسعفهم ظروفهم بالعودة إلى بلادهم المملكة العربية السعودية، الذين نرجو الله أن يزيل عنهم تلك الظروف ويسهل لهم العودة».
* علاقة الزبير بنجد
* ويورد الباحث الناصر علاقة الزبير ببلاد نجد من خلال عدد من الرحلات منها:
- رحلة العالم الجليل الشيخ عبد المحسن بن علي شارخ الأشيقري من بلدته أشيقر إحدى بلدان الوشم من بلاد نجد إلى الأحساء، ومنها إلى بلدة الزبير، وفيها تولى القضاء والإفتاء والتدريس، وأخذ عنه العلماء وطلبة العلم فيها مكانة، كما تولى الإمامة والخطابة في جامع «النجادة»، حيث كان إمامه وخطيبه الشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد الذي سافر إلى بلاد الشام للتزود بالعلم في مدارسها، ومنها المدرسة المرادية في دمشق، حيث كبار علماء ذلك العصر، وتوفي الشيخ عبد المحسن في الزبير عام 1187هـ ودفن في مقبرتها.
- رحلة العالم الجليل الشيخ محمد بن علي بن سلوم من بلدته العطار إحدى بلدان سدير من بلاد نجد إلى بلاد الأحساء، ومنها إلى بلدة الزبير واستقر فيها وتزوج وأنجب وأخذ عنه علماؤها وشرع يدرس طلابه ويمنح الإجازات العلمية، ودرس في مدرستها مدرسة «الدويحس» وفي الزبير ألف الكتب ونسخها، وتوفي في بلدة سوق الشيوخ عام 1246هـ.
- رحلة العالم الجليل الشيخ سليمان بن محمد بن أحمد بن سحيم من بلاده سدير إلى العارض ومنها إلى الزبير وفيها استقر، وتوفي عام 1181هـ.
- رحلة العالم الجليل الشيخ محمد بن سيف بن أحمد العتيقي من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد إلى الأحساء ومنها إلى الزبير، فتولى الإفتاء والتدريس، وتوفي في المدينة المنورة نهاية القرن الثاني عشر الهجري.
- رحلة الشيخ صالح بن سيف أحمد العتيقي، من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الأحساء، ومنها إلى الزبير، حيث أخذ من علمائها، وأفتى ودرس، حتى وفاته فيها عام 1223هـ.
- رحلة الشيخ أحمد بن عبد الله بن عقيل، من بلدته حرمة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الزبير، حيث أخذ عن علمائها الذين أجازوه الإجازات العلمية، وقد درس فيها، كما أجاز الطلبة الذين تعلموا على يديه، وقد توفي في مكة المكرمة عام 1234هـ.
- رحلة الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن حميدان بن تركي، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، وأجازه الشيخ محمد بن علي بن سلوم، عام 1234هـ، وقد توفي في بغداد عام 1237هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن عبد الجبار بن حمد بن شبانة، من بلدته حرمة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ عبد المحسن بن علي بن عبد الله الشارخي الأشيقري، وقد توفي في بلدة المجمعة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، عام 1242هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن مزيد بن رشيد المزيد، من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ محمد بن علي بن سلوم، والشيخ عثمان بن محمد بن سند الوائلي، وقد توفي في بلدته عنيزة عام 1280هـ.
- رحلة الشيخ عثمان بن عبد العزيز بن منصور، من بلدته الفرعة، إحدى بلدان الوشم من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فأخذ عن علمائها، خاصة الشيخ محمد بن علي بن سلوم وأجازه عام 1241هـ، كما أخذ عن الشيخ داود بن جرجيس، وتوفي في بلدة الحوطة، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد عام 1282هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد مفتي الحنابلة في مكة المكرمة، ومؤلف كتاب «السحب الوابلة على ضريح الحنابلة»، رحل من مكة المكرمة إلى بلدة الزبير، وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ محمد الحمد الهديبي، والشيخ عبد الجبار بن علي، واطلع على نهضتها العلمية وكثرة العلماء فيها، فكتب عنها في ترجمته للشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد، وقد توفي في الطائف عام 1295هـ.
- رحلة الشيخ علي بن محمد بن علي بن حمد بن راشد، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، حيث التحق بمدرسة «الدويحس» فأخذ عن علمائها، منهم الشيخ عبد العزيز بن شهوان، والشيخ عبد الله بن جبر، والشيخ عبد الله بن حمود «المتقدم وليس المتأخر» والشيخ عبد الجبار بن علي، وأجازه الشيخ عبد الرزاق بن محمد بن علي بن سلوم، وقد توفي في عنيزة عام 1303هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن ناصر بن دايل، من بلدته جلاجل، إحدى بلدان سدير، من بلاد نجد إلى الزبير، والتحق بمدرسة «الدويحس»، وأخذ عن علمائها منهم الشيخ محمد بن علي بن سلوم، والشيخ عبد العزيز بن شهوان، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، والشيخ إبراهيم بن غملاس، ثم درس فيها ووعظ وأرشد، وقد توفي فيها عام 1320هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد بن فارس، من بلدته روضة سدير، إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى الزبير، فأخذ عن علمائها؛ ومنهم الشيخ عبد الله بن جميعان والشيخ أحمد بن صعب، والشيخ صالح بن حمد المبيض، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، وقد توفي في الكويت عام 1326هـ.
- رحلة الشيخ صالح بن حمد المبيض، الذي رحل وهو في صباه، كفيف البصر من بلدته «روضة سدير» إحدى بلاد سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فتعهده أقاربه فيها وألحقوه بمدرسة الدويحس، فأخذ عن علمائها، ومنهم الشيخ إبراهيم بن غملاس، والشيخ عبد الله النفيسة، والشيخ عبد الله بن جميعان، والشيخ حبيب الكردي البغدادي، حتى صار عالما، ثم مدرسا في مدرسة «الدويحس» وإماما في مسجد سوق الجت، وتوفي في الزبير عام 1315هـ، ودفن في مقبرة الحسن البصري.
- رحلة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن حمد بن عيسى، من بلدته شقراء، إحدى بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، حيث ذكر الشيخ عبد الله بن صالح العبد الرحمن البسام في مؤلفه «علماء نجد خلال ثمانية قرون»، أنه أخذ عن عالمها الشيخ صالح الحمد المبيض، وهذا العالم الجليل هو أحد مدرسي مدرسة «الدويحس» الدينية في الزبير ومديرها، وتوفي الشيخ أحمد في بلدة المجمعة عام 1329هـ.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن شبل، من بلدته عنيزة، إحدى بلدان القصيم، من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ عبد الجبار بن علي والشيخ صالح بن حمد المبيض، وقد توفي في عنيزة عام 1343هـ.
- رحلة الشيخ سليمان بن محمد بن جمهور العدواني، من بلدته «جلاجل» إحدى بلدان سدير من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، ودرس فيها وأخذ عن علمائها، منهم الشيخ محمد بن عبد الله العوجان، وقد توفي في بلدته جلاجل عام 1361هـ.
- رحلة الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى المولود في أشيقر عام 1270هـ، ورحل منها إلى بلدة المجمعة ومنها إلى عنيزة ومنها إلى بلدة الزبير، حيث التحق بمدرسة «الدويحس» وأخذ عن عالمها الشيخ صالح بن حمد المبيض وتوفي عام 1343هـ في بلدة عنيزة.
- رحلة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد بن مانع، من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد، إلى بلدة الزبير، فدرس فيها وأخذ عن علمائها، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله بن عوجان، وقد توفي في مدينة بيروت (عاصمة لبنان) عام 1385هـ.
- رحلة الشيخ يوسف بن عبد الله الدغفق، من بلدته الزبير إلى مدينة الرياض، عام 1369هـ/ 1949م فالتحق بمدارسها العلمية الشرعية وتخرج منها، ثم تدرج في الوظائف الشرعية حتى صار قاضيا في بلدة طريف، إحدى بلدان الشمال، من بلاد المملكة العربية السعودية، ثم تولى فيها رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد توفي في مدينة الدمام.
- رحلة الشيخ أحمد بن عبد المحسن أبا حسين، من بلدته الزبير عام 1369هـ/ 1949م إلى مدينة الرياض، فالتحق بمدارسها العلمية، فأخذ قسطا وافرا من علومها، وفي بغداد درس طريقة «برايل» لمكفوفي البصر التي أتقنها ثم عاد إلى مدينة الرياض، ودرس هذه الطريقة لجماعة من المكفوفين وقد أتقنها بعضهم.
- رحلة الشيخ عبد الرحمن مطلق الخضير من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض عام 1369هـ/ 1949م، لدراسة علوم البرقيات اللاسلكية، فأتقنها وأدى دورا رائدا في هذا المجال لبلده المملكة العربية السعودية.
- رحلة العالم الجليل الشيخ يعقوب بن عبد الوهاب أبا حسين والتحاقه أستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومدرسا بكلية الشريعة عام 1402هـ وبعدها أستاذا لأصول الفقه بالمعهد العالي للقضاء، وقد تولى الإشراف على شهادة الدكتوراه في الجامعة نفسها والمعهد العالي للقضاء وجامعة أم القرى في مكة المكرمة وكليات البنات كما عين عضوا بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
- رحلة الشيخ عبد العزيز بن راشد من بلدة «المفيجر» بمنطقة الحريق والشيخ عبد الله بن يابس من بلدة «القويعية» بمنطقة العرض والشيخ عبد الله بن علي القصيمي من «خب الحلوة» من قرى بريدة إلى بلدة الزبير للدراسة فيها، وقد ذكرهم الأستاذ حمد الجاسر في مؤلفه «من سوانح الذكريات» في الجزء الثاني منه، حيث يقول: «ومما كان يتردد صداه في مجتمعات طلاب (المعهد) في تلك الأيام مغامرة ثلاثة من الشبان دفعهم طموحهم وتطلعهم إلى حياة أفضل مما هم عليها، ورغبتهم في التسلح بأقوى عدة في هذا العصر، فغادروا قراهم الثلاث الواقعة في مناطق متنائية من بلاد نجد إحداها «المفيجر» بمنطقة الحريق والثانية «القويعية» في العرض والثالثة «خب الحلوة»، من قرى بريدة، ولقد جمعتهم غاية واحدة بعد شتاتهم، فالتقوا بعد جهد وبعد مشقة ومكابدة كل مشقة في «الهند» ونهلوا في أحد معاهده العلمية ما تزودوا به لعودتهم وكانوا قبل ذلك أدركوا طرفا من العلوم أثناء مرورهم بمدينة الزبير بالانضمام إلى مدرسة (النجاة) في هذه البلدة فترة من الزمن ثم واصلوا رحلتهم إلى القاهرة، حيث استضافهم الأزهر بين طلابه».
- رحلة كل من الشابين عبد العزيز بن إبراهيم العقيل من بلدته حرمة إحدى قرى سدير من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، ومحمد أحمد عبد الرحمن الملحم من بلدته الزلفي من بلاد نجد إلى بلدة الزبير للدراسة فيها، فالتحقوا بمدرسة «النجاة» ونهلوا العلم من مدرسيها.
* حضور في الوطن الأم
* وقدم الناصر معلومات عن الأشخاص الذين قدموا خدمات جليلة لموطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية من أهل الزبير من أبناء نجد موردا أسماء البعض ومنها:
- رحلة السياسي المحنك الوزير عبد اللطيف باشا بن إبراهيم المنديل من بلدته الزبير، إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث كانت عائلته أصلا، في بلدة «جلاجل» إحدى بلدان سدير، من بلاد نجد، التي هاجر منها والده إبراهيم وقد استدعاه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ليكون في خدمة جلالته، وقد قدم للمملكة خدمات في مجال تطوير الجهاز الإداري للدولة حين تأسيسها حيث كلفه الملك عام 1926م بتطوير ميناء «العقير»، وفي خلال سنتين استطاع أن يرفع ميزانية الميناء، من خمسة آلاف ليرة إسترلينية، إلى خمسين ألف ليرة، وهذا ما ذكرته المصادر. كما مثل الملك عبد العزيز في مؤتمر «الصبيحية» في ما يخص الأحساء عام 1332هـ. وأشركه معه في مؤتمر العقير بشأن تعيين حدود المملكة العربية السعودية مع كل من العراق والكويت.
- رحلة الوجيه الشيخ محمد بن عبد الله المانع من بلدته الزبير، إلى مدينة الرياض، فالتحق بجلالة الملك عبد العزيز آل سعود، مترجما خاصا له من اللغة الإنجليزية إلى العربية وبالعكس، وذلك لإجادته لها، فعين موظفا في الديوان الملكي عام 1344هـ/ 1926م، كما رافق جلالة الملك عبد العزيز في رحلاته وبعض غزواته، مترجما له، إلى أن تبوأ منصب رئيس مكتب الترجمة في الديوان الملكي السعودي.
- رحلة الوجيه الشيخ محمد بن عبد العزيز الدغيثر من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض، لخدمة موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث عينه جلالة الملك عبد العزيز أمينا خاصا لديوان برقيات جلالته الخاصة لأنه يجيد اللغة العربية، إضافة إلى إجادته التامة للغة الإنجليزية، وكان له الأسلوب الحسن والطريقة المثلى في صياغة العبارات وحسن عرضها على جلالته سواء البرقيات الصادرة أو الواردة، وهذا ما عرف عنه واشتهر.
- رحلة والد المؤلف إبراهيم بن عبد العزيز البراهيم الناصر من الزبير إلى مدينة الرياض وذلك عام 1352هـ/ 1933م وفي العام نفسه التحق بوظيفة كاتب حسابات (حيث يجيدها) في الحملة العسكرية التي سلكت ساحل البحر الأحمر تحت قيادة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبد العزيز الذي هو تحت قيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز، الذي سلك الجبل من جهة الطائف، متوجها إلى بلاد عسير للقيام بمهمة أمنية عهد بها إليه جلالة الملك عبد العزيز.
ولما لم يكن والد المؤلف من المقاتلين وإنما كان موظفا مدنيا، أسندت إليه بعض الحسابات المالية وتنظيمها، لذا تم تزويده بجمل ركوب ولوازمه كما زود بالدفاتر والسجلات الحسابية وما يلزمها، كما زود بالبندقية وذخيرتها للدفاع عن نفسه، وقد وصلت تلك الحملة بقيادة صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد العزيز إلى مدينة الحديدة اليمانية الساحلية واحتلتها، ومن ثم رجعت إلى بلادها المملكة العربية السعودية بأمر من جلالة الملك عبد العزيز.
ومن بعد ذلك رجع إلى الرياض، حيث عين في مالية الرياض بوظيفة كاتب فسوح في 12 رمضان عام 1353هـ، ثم تركها عام 1935م،.
- رحلة الشيخ أحمد بن إبراهيم الربيعة من الزبير إلى مدينة الرياض، حيث عين في وظيفة كاتب حسابات بمالية الرياض 1934م، وكان زميلا في المالية لوالد المؤلف إبراهيم عبد العزيز البراهيم الناصر وهو من أقاربه وأعز أصدقائه. - رحلة الشيخ أحمد بن عبد المحسن الفريح من بلدة الزبير إلى مدينة الرياض عام 1933م، حيث تولى إدارة وتشغيل وصيانة محطة توليد كهرباء قصور جلالة الملك عبد العزيز في موقع «المربع»، التي كانت آنذاك خارج مدينة الرياض، ورحلة الشيخ حمد العبيدي الذي تولى مهمة كبرى في إدارة خفر السواحل في مدينة جدة، ورحلة الشيخ محمد الحمد الشبيلي من بلدته عنيزة إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد إلى البصرة والزبير، حيث أقاربه الكثيرون فيها وكذلك من أبناء بلدته عنيزة كآل الشبيلي وآل البسام وآل الذكير وغيرهم.. يقول عنه الشيخ عبد الرحمن الصالح الشبيلي في مؤلفه «محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان)»: «اصطحبه والده إلى البصرة وعمره عشر سنوات ورافقه في الرحلة الأولى ابن عمه الشيخ محمد العبد الرحمن الشبيلي، وهما متقاربان في العمر، حيث التحق الشيخ محمد العبد الرحمن بمدرسة النجاة الشهيرة في الزبير والتحق الشيخ محمد الحمد بمدرسة الرجاء العالي، وذلك في نحو منتصف الأربعينات الهجرية، وقد حصل على شهادة تلك المدرسة التي تعادل شهادة الكفاءة المتوسطة». ثم يقول: «وفي 4/6/1943م أي بعد 12 عاما من العمل في الديوان الملكي، صدر قرار بنقله نائبا للقنصل السعودي في البصرة (الشيخ فخري شيخ الأرض)، وذلك على أثر افتتاح هذه القنصلية لرعاية الجالية السعودية في مدن جنوب العراق، وبعد نحو ست سنوات نقل الشيخ فخري إلى عمل آخر، وتم تثبيت الشيخ محمد مكانه قنصلا عاما في البصرة وذلك بتاريخ 13/1/1949م.
وفي مدة عمله قنصلا عاما في البصرة كانت له الصلة المثلى بأهل الزبير أبناء نجد، وله الأثر الفاعل في العناية بهم وتفقد شؤونهم وزياراته المتكررة والدائمة من دون انقطاع لهم في بلدتهم الزبير، كما كانوا يبادلونه ذلك، فنال إجلالهم له وتقديرهم، وكذا مثلها مع أبناء نجد من أهالي البصرة وجنوبها.
ومن مساعي الشبيلي المثلى مشاركته في تزكية أهل الزبير من أبناء نجد باعتبار أصولهم النجدية وأنهم من أبنائها المخلصين لموطنهم الأصلي المملكة العربية السعودية، وذلك بالعمل على استعادة جنسيتهم السعودية، فتم ذلك بفضل من المولى عز وجل، ثم بفضل جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير خالد بن عبد العزيز ووزير داخليته سمو الأمير فهد بن الملك عبد العزيز وباقي أصحاب السمو الأمراء، وكذلك المسؤولين الوزراء وكبار الدولة، وعلى أثر ذلك صدر المرسوم الوزاري بإعادة الجنسية السعودية لأبناء نجد من أهالي الزبير».
وهناك رحلة الشيخ محمد بن ناصر بن ضاوي من بلدته حرمة إحدى بلدان سدير من بلاد نجد لبلدة الزبير، حيث درس فيها والتحق بمدرسة النجاة الأهلية الابتدائية للبنين وتخرج منها، وعاد إلى موطنه المملكة العربية السعودية فالتحق بالديوان الملكي السعودي، كما ترأس وفودا للمملكة العربية السعودية لدى الدول الأخرى كاليمن وغيرها، ثم تولى رئاسة دائرة الجنسية والجوازات بمدينة الرياض.
ورحلة الشيخ صالح بن ناصر بن عبد المحسن آل الصالح من بلدته مسقط رأسه «عنيزة» إحدى بلدان القصيم من بلاد نجد إلى بلدة الزبير، والتحق تلميذا بمدرسة النجاة الأهلية الشهيرة مع حضوره مجالس العلماء، ولما تخرج من تلك المدرسة حاملا معه قسطا وافرا من العلوم رجع إلى بلدته عنيزة، وفي عام 1347هـ أسس فيها مدرسة نظامية على مناهج مدرسة النجاة الأهلية الابتدائية في الزبير، التي تخرج فيها يساعده أخوه عبد المحسن بإدارتها والتدريس فيها فلاقت في عنيزة إقبالا كبيرا من الطلبة، كما ذكر المؤلف انتقال الشيخ عبد الله بن عثمان القصبي إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية، حيث عين فيها مديرا عاما لمصلحة الطرق والكباري بوزارة المواصلات بالرياض، وقام بتلك المهمة خير قيام، ثم تولى من بعد ذلك رئاسة بلدية مدينة جدة، ومن بعد ذلك عين مديرا عاما لصحيفة «المدينة المنورة»، ثم تفرغ للأعمال الخاصة فأسس مؤسسة كبرى للإنشاءات الخراسانية وشق الطرق والأنفاق تحت اسم «مؤسسة كرى»، فقامت مؤسسته تلك بأعمال جبارة في هذا المجال المهم، خاصة في مكة المكرمة ومنى ومزدلفة وعرفات وجدة، فعبدت الطرق وأنشأت الجسور الخراسانية وطرق المشاة وشقت الأنفاق الجبلية لاختصار الطرق والشوارع. وانتقل الشيخ عبد الله بن خليل الجدعان إلى بلده وموطنه المملكة العربية السعودية، وقام بمهمة التعليم بمنطقة الزلفي ومدينتها، فقام بهذه المهمة خير قيام وله فيها طلاب كثر يذكرونه بالشكر والتقدير، ثم اختير رئيسا لقسم الجوازات والإقامة ومهمة تأمين ذلك بمنطقة الرياض، وكان إذ ذاك يرأس مديرية الجنسية والجوازات الشيخ محمد بن ضاوي، وبعد الإحالة للتقاعد أسس مؤسسة كبرى لمشروع زراعي تحت اسم «مزارع الجدعان للأبقار وإنتاج الألبان بمنطقة الخرج»، ولا تزال حتى كتابة هذه السطور تؤدي دورها في خدمة الأمن الغذائي، وانتقال النيابي المحامي الشهير عبد الرزاق بن أحمد الحمود إلى موطنه الأصلي المملكة العربية السعودية من بلدته الزبير، وقد عينه جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز مستشارا بالديوان الملكي، ومن بعد ذلك قام بمهمة رئاسة إدارة إحدى المؤسسات التجارية السعودية في جدة، ثم من بعد ذلك فتح له مكتبا قانونيا للمحاماة، ثم تفرغ لأعماله الخاصة حتى وفاته بالرياض.
* الملك سعود يكرم السعوديين في الزبير
* ويشير المؤلف الناصر إلى أنه «ولتوطيد العلاقات الأصيلة بين المملكة العربية السعودية وملوكها ورعاياهم من الجالية السعودية من أبناء نجد، قام ولي العهد سعود بن الملك عبد العزيز في عهد والده بزيارة الزبير، كما قام جلالته يوم كان ملكا بزيارة الزبير مرة أخرى تكريما لأهلها أبناء نجد وتفقدا أحوالهم، فاستقبلوه ببالغ الحفاوة والإجلال؛ ففي الزيارة الأولى، كان جلالته وليا للعهد أيام حكم والده جلالة الملك عبد العزيز آل سعود عام 1372هـ/ 1953م، وكانت لحضوره حفل تتويج جلالة الملك فيصل الثاني بن الملك غازي ملكا على المملكة العراقية عند بلوغه السن القانونية وهي 18 عاما، وقد حضر حفل الاستقبال لسموه في مطار بغداد وفد من أهل الزبير من أبناء نجد مؤلف من بعض علماء البلد ووجهائها ومثقفيها، بمعية سعادة قنصل المملكة العربية السعودية في البصرة آنذاك الشيخ محمد الحمد الشبيلي، وأثناء الاستقبال وجه الوفد الزبيري دعوة لسموه لزيارة مدينتهم الزبير، حيث إن أهلها كانوا في الجالية النجدية، فلبى سموه الدعوة، وتوجه إلى مطار البصرة والوفد المرافق له، ووجد في استقباله أهل الزبير من أبناء نجد وعلى رأسهم قنصل المملكة العربية السعودية في البصرة آنذاك سعادة الشيخ محمد الحمد الشبيلي.
فتوجه ركب سموه والوفد والمستقبلون إلى مدينة الزبير عصرا، وما إن وصلها سموه حتى وجد جل أهل الزبير حضورا لاستقبال سموه خارجها من جهة الشرق عند بوابة العراص من محلة الشمال إحدى محلات الزبير، وقد أعدوا مكان استقبال سموه في ساحة إحدى مدارس الزبير، وما إن حل فيها والوفد المرافق حتى وجد المستقبلين من مدنيين ورسميين، ثم قدمت القهوة العربية والمرطبات، وتبارى الخطباء يرحبون بسموه، ومنهم شعراء الفصيح والنبط، وعند انتهاء حفل الاستقبال ودعت الجماهير سموه والوفد المرافق له بما يستحقه من حفاوة وتكريم، وتعتبر هذه الزيارة الأولى لجلالته.
أما الزيارة الثانية: فتمت عام 1377هـ/ 1957م حيث قام جلالة الملك سعود بن عبد العزيز بتوجيه دعوة رسمية لجلالة الملك فيصل الثاني ملك المملكة العراقية لزيارة المملكة العربية السعودية، فلبى جلالته الدعوة في العام نفسه يرافقه ولي عهده سمو الأمير عبد الإله بن علي، ورئيس وزرائه علي جودة الأيوبي، وما إن وصل موكب جلالته إلى الرياض حتى استقبله جلالة الملك سعود وأصحاب السمو الأمراء، والوزراء ومسؤولو الدولة والمواطنون، وأقام له جلالة الملك سعود ولمرافقيه حفلا تكريميا يليق بمكانته، كما أقامت القوات العسكرية السعودية والجوية، عرضا عسكريا رائعا بطريق مدينة الخرج، واستغرقت زيارة جلالته للمملكة ما يزيد على ثلاثة أيام، وعندها وجه جلالة الملك فيصل الثاني دعوة لجلالة الملك سعود، لزيارة المملكة العراقية، فلبى جلالته الدعوة في تلك السنة عام 1377هـ/ 1957م.
وقبل موعد وصول جلالة الملك سعود إلى بغداد، قامت القنصلية السعودية في البصرة ممثلة في سعادة القنصل الشيخ محمد الحمد الشبيلي بتوجيه دعوة لأهل الزبير من أبناء نجد ومثلهم من سوقالشيوخ والخميسية لاستقبال جلالة الملك سعود في مطار بغداد، فتوجه الوفد الزبيري إلى بغداد لاستقبال جلالته، وأثناء الاستقبال والترحيب بجلالته، وجه الوفد الزبيري لجلالته دعوة لزيارة بلدتهم الزبير، فما كان من جلالته إلا تلبية الدعوة، واستقبله في مطار البصرة حشد من أهالي الزبير من أبناء نجد الذين كانوا على رأس المستقبلين، يتقدمهم العلماء والوجهاء وأهل البصرة ومسؤولو الدولة.
وما إن وصل جلالته ومرافقوه إلى بلدة الزبير حتى وجد حشدا هائلا من أهلها أبناء نجد في استقبال جلالته ومرافقيه في ساحة (بوابة العراص)، وقد أعدت «مدرسة طلحة» الواقعة بقربها، مكانا لاستقبال جلالته، حيث قدمت القهوة العربية والمرطبات، وقام عرفاء الحفل بالترحيب بجلالته والوفد المرافق له من أمراء ومسؤولين، وأذكر من أولئك العرفاء المستشار الشيخ عبد الله بن عقيل العقيل، الذي قدم فضيلة العالم الجليل الشيخ ناصر بن إبراهيم الأحمد وفضيلة العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد الرحمن السند، والأستاذ عمر بن عبد الرزاق الدايل، لإلقاء كلمات الترحيب والثناء على جلالته والوفد المرافق له، نيابة عن أهالي الزبير، كما ألقى الشاعر عبد الرحمن بن علي الرماح قصيدة بالفصحى، ترحيبا به وثناء عليه، عدد أبياتها 72 بيتا اخترنا منها، هذه الأبيات لطولها، ومطلعها:
أرج الرياض ونفحة البطحاء هبت نسائمها على الفيحاء بزيارة ملكية ميمونة عبقت بعطر السادة النجباء أهلا بسلطان الجزيرة