الملك سعود عزز سياسة المملكة الثابتة تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي

أنهت ندوة الملك سعود البارحة أعمالها بعد أن كشفت جانبا مهما من سياسة الملك الذي تولى الحكم بعد والده المؤسس، وركزت جلساتها على سياسته الخارجية خاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.\n\nتطرق الباحث الدكتور محمد الهواري الأستاذ في كلية الآداب في جامعة عين شمس في مصر، خلال بحث قدمه عن \"الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود ودوره في الصراع العربي ـ الإسرائيلي\"، حيث أعلن عن حالة التأهب الأمني القصوى ضد العدوان الثلاثي على مصر.\n\nخطبه السياسية\n\nودلل الباحث الهواري مجموعة من رسائل الملك عبد العزيز وخطبه وأقواله لإبراز الخطوط العريضة للسياسة الخارجية السعودية، خاصة في المجالين العربي والإسلامي، وبالتحديد حول قضية فلسطين، وأورد ضمن ذلك المذكرة المشهورة من الملك عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكي روزفلت في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1938 والتي جاء فيها \"ليس من العدل أن يطرد اليهود من جميع أنحاء العالم وأن تتحمل فلسطين الضيقة المغلوبة على أمرها هذا الشعب برمته\"، ليرسم بذلك سياسة المملكة العربية السعودية نحو الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الرافضة لاحتلال الأراضي الفلسطينية وأن القضية لا يمكن حصرها في \"قضية اللاجئين الفلسطينيين\" فقط، وتابع السياسة نفسها أبناؤه من بعده الملوك سعود، فيصل، خالد، فهد - رحمهم الله -، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله.\n\nتوثيق عرى الأخوة\n\nفي موضوع البحث يؤكد الباحث الهواري أن الملك سعود اهتم بتوثيق عرى الأخوة مع أشقائه ملوك ورؤساء الدول العربية بصفة خاصة، وعلاقات المملكة مع باقي دول العالم الإسلامي بصفة عامة، وتوظيف هذا الترابط والتقارب في خدمة الصراع ضد إسرائيل، حيث تناولت مباحثاته مع قادة هذه الدول في جميع زياراته القضية الفلسطينية، وتحركات إسرائيل العدوانية، لتنفيذ مخططات الاستعمار الغربي في منطقة الشرق الأسط.\n\nزيارته الأولى للأردن\n\nذكر الباحث التقارب السريع والمثمر بين المملكة والأردن، منذ أن قام الملك سعود بن عبد العزيز بزيارته الأولى إلى الأردن بدعوة من الملك حسين بن طلال عام 1954، وزيارته الثانية في عام 1957، حيث استعرض العاهلان السعودي والأردني التطورات التي جرت في الموقف الدولي والعربي تجاه القضية الفلسطينية منذ اجتماعهما في الرياض بتاريخ 29- رمضان ـ1376هـ الموافق 29 نيسان (أبريل) 1957، حيث لم تكن قضية فلسطين هماً عربياً فقط بل شغلت العالم الإسلامي على جميع المستويات الشعبية والرسمية وكانت الشغل الشاغل للعلماء والمفكرين والمصلحين.\n\nالتمسك بمياه خليج العقبة\n\nولفت الباحث الهواري إلى أن العاهلين السعودي والأردني كانا على وفاق تام في تأييد المبادئ التي تقررت بينهما في اجتماع الرياض، تأييداً لاجتماع القاهرة بتاريخ 27 رجب 1376 هـ، الموافق 27 شباط (فبراير)1957، وفي ختام الزيارة أعلن الجانبان تمسكهما بأن خليج العقبة هو مياه إقليمية عربية وأنه خاضع بكامله للسيادة العربية.\n\nالتفاهم السعودي ـ المصري\n\nوأضاف: \" كان هناك التقارب والتفاهم السعودي ـ المصري، حيث ظهر هذا في أحسن صوره أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقال الباحث الهواري :\"بدأ المراقبون الغربيون يشعرون بالقلق مما يحدث في الشرق الأوسط من تقارب سعودي ـ مصري\"، في إشارة إلى أن الملك سعود بن عبد العزيز استثمر علاقاته العربية لمؤازرة ونصرة العرب في صراعهم مع الإسرائيليين حول الحق الفلسطيني المغتصب.\n\nشواهد تاريخية\n\nعدد الباحث مواقف وقرارات الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ والملك سعود ـ رحمه الله ـ كشواهد على حرصهما على توثيق عرى التضامن العربي والترابط والتماسك أمام كل من يهدد الإسلام والمسلمين، ويؤازر قضية فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني، ومن تلك الشواهد التاريخية نشأة رابطة العالم الإسلامي بعد عقد المؤتمر الإسلامي الكبير في مكة المكرمة في الفترة بين 14-16 ذي الحجة 1381هـ 8- 20 أيار (مايو) 1962، الذي افتتحه الملك سعود بمشاركة عدد من العلماء والمفكرين في المملكة، وباقي دول العالم الإسلامي، والتي هي الأخرى كانت تهدف إلى دعم تضامن المسلمين، والاهتمام بنشر الفكر الإسلامي، والدعوة إلى دين الله، ودعم جهاد الشعوب الإسلامية، وأيضاً وقوف الملك سعود وقفة الأخ لأخيه مع الشعب المصري أثناء العدوان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي على مصر عام 1956، حيث عرض على جمال عبد الناصر مطارات المملكة لتستخدمها الطائرات الحربية المصرية، وأمر شركة أرامكو بوقف مبيعاتها من النفط إلى كل من بريطانيا، وفرنسا، وإمداد مصر بمتطلباتها من النفط، مما أدى إلى خفض واردات المملكة بمقدار 40 في المائة في الوقت الذي كانت فيه مثقلة بالديون، ووضع جميع الإمكانات الاقتصادية والعسكرية رهن المعركة من أجل دحر القوى الأجنببة الغازية، وإعلان حالة التأهب القصوى في صفوف القوات المسلحة السعودية، استعداداً لمواجهة تطورات المعركة، وفتح باب التطوع والتدريب على السلاح أمام الشعب السعودي وكان في مقدمة المتطوعين ملوك وأمراء المملكة، وغيرهم من الأمراء، كذلك دعوة الملك سعود الدول الإسلامية والأجنبية، لدعم مصر ومناهضة العدوان الثلاثي على كافة الأصعدة الدولية، حتى تم الجلاء عن منطقة قناة السويس في 22 كانون الأول (ديسمبر) 1956، وانسحاب القوات الإسرائيلية في آذار (مارس) عام 1957، حيث كان لهذه الإجراءات السعودية وللمقاومة المصرية دور في هذا الجلاء، الذي يعد نصراً على العدو ونصراً على مستوى العلاقات العربية ـ العربية.\n\nنكبة فلسطين سببها الصهيونية\n\nواستعرض الباحث الأستاذ الدكتور عبد الفتاح أبوعلية عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ والحضارة في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، في بحثه عن قول الملك سعود للصحافي الأمريكي اليهودي ألفريد لينتال إن نكبة فلسطين سببتها الصهيونية العالمية، من خلال استدلالات بمواقف وكلمات جلالة الملك سعود وخطاباته وتصريحاته ليؤكد الدور الذي بذله لمناصرة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية دينية عربية إسلامية، وتشكل القضية المركزية والمحورية بالنسبة للقضايا العربية.\n\nصناعة القرار السياسي\n\nوذكر الدكتور أبو علية في هذا الشأن تحت عنوان فرعي هو\"الملك سعود والقضية\" اهتمامه بقضية فلسطين ودورها في الالتفاف العربي والإسلامي، حيث قال الباحث: \"إن تجربة الملك سعود وخبرته الطويلة في مجالات القضية الفلسطينية ساهمت إلى حد كبير في صنع القرار السياسي السعودي تجاه القضية، وللملك سعود مواقف كثيرة داعمة للشعب الفلسطيني ومؤازرة قضيته، فقد اهتم بشكل كبير بقضايا العالمين العربي والإسلامي، وأورد الباحث قول الملك سعود: \"المسلمون إخواننا أينما حلوا ونزلوا. والعرب أهلنا أنى ارتحلوا وحيث كانوا، نسعى لخيرهم جميعاً وفي سائر الميادين، وقد علم القاصي والداني هذا الشعور المشترك وهذه العزيمة التي صممنا على السير فيها، ونرجو من الله أن يعين الجميع ليرجع للمسلمين عزهم وسؤددهم وأوطانهم وبلادهم\".\n\nرؤية الملك سعود\n\nوزاد الباحث رؤية الملك سعود في سبب تمكن العدو الصهيوني من اغتصاب فلسطين، حيث أورد قول الملك: \" إن الذي أطاح بفلسطين ومكن العدو من اغتصاب ما اغتصب من أراضيها هو الارتجال وانتفاء الإخلاص، وقد تجسد مبدأ العداوة مع اليهود في اغتصابهم الأرض الفلسطينية، وأنهم إذا تخلوا عن ذلك فإن مبدأ العداوة ينتفي تماماً\"، ووصف الخطر الصهيوني بالسرطان الذي لا دواء له الاستئصال.\n\nالحل الجذري لقضية فلسطين\n\nوأورد الباحث موقف المملكة من القضية الفلسطينية والحل الجذري لهذه القضية الأم، وذلك في قول الملك سعود :\" إن المملكة لن تتردد في بذل كل غال ورخيص في سبيل تحقيق رغبة الشعوب العربية، وعلى الذين أوجدوا هذا الداء الوبيل في جسم بلاد العرب إذا أرادو السلم والسلامة لهذا الجزء الحساس من العالم، أن يعترفوا بما اقترفوه من ظلم وأن يعالجوه بالوسائل الناجعة، والدواء المحقق للشفاء\".\n\nالعمل لخير العرب\n\nوأوضح الباحث أبوعلية أن الملك سعود التزم سياسة والده تجاه الدول العربية وهي سياسة تقوم على أساس التفاهم والتعاون مع الجميع، والعمل لخير العرب جميعا،ً مستدلاً بقول الملك سعود: \" إننا نمد أيدينا إلى كل حكومة عربية ترغب في السير معنا نحو تحقيق رغبات شعوبنا، وفي سبيل ذلك ببذل أنفسنا وأولادنا وأموالنا\".\n\nلقاء الملك سعود بالكاتب الأمريكي\n\nوبين الباحث اللقاء الذي تم بين الملك سعود ـ رحمه الله ـ والكاتب الأمريكي اليهودي المشهور ألفريد لينتال مؤلف كتاب \" ثمن إسرائيل\"، ليدلل على صلابة موقف الملك سعود وسياسته تجاه القضية الفلسطينية، وعدم التهاون أو التراخي فيها حيث بين للصحافي الأمريكي \" إن نكبة فلسطين سببتها الصهيونية العالمية، وعلى دول الغرب أن تعمل على إحلال الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط\"، وكان لينتال قد أسدى إلى أسماع الملك أن الأمريكيين كانوا لفترة طويلة لا يعرفون شيئاً عن القضية الفلسطينية، ولكنهم أخيراً بدأوا يتفهمون القضية وعدالتها، ويعطفون على مسألة اللاجئين الفلسطينيين، وعد هذا التحول في موقف الأمريكيين كما يراه لينتال إلى ما اطلعوا عليه من كتب ومقالات ومحاضرات تناولت القضية الفلسطينية، إضافة إلى ما استمعوا إليه من معلومات تناولت القضية الفلسطينية، خاصة قضية اللاجئين الفلسطينيين من الإذاعات التي حملت وجهة النظر العربية.\n\nالحق لا يعدم\n\nوشكر الملك سعود ليلنتال وشكر كل من ساهم ويساهم في الكتابة عن عدالة الحق العربي الفلسطيني، موضحاً أن العرب لا يملكون في مجال الدعاية الوسائل الفاعلة لبيان عدالة قضيتهم، ولكن الحق لا يعدم في كل زمان ومكان أنصاراً ومؤيدين، مشيراً إلى أن قضية فلسطين يتوقف عليها السلم والأمن في الشرق الأوسط، ونكبة فلسطين خلفتها الصهيونية العالمية بعون ومساعدة من بريطانيا وأمريكا، ثم بالمواقف السلبية التي وقفها بعض رجال العرب أنفسهم.\n\nحماية المسجد الأقصى\n\nكما بين الملك للينتال أن السلام والتفاهم بين العرب واليهود يتأتيان عن طريق انصياع اليهود إلى الحق، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم عن كل ما تسبب الصهيونيون في خرابه أو ضياعه أو إتلافه أو سلبه، وإلزامهم بتنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة، وإلا فليس أمام العالم العربي والإسلامي إلا الدفاع عن أنفسهم وبلادهم، وحماية المسجد الأقصى وأرضه المباركة.\n\nالأمم المتحدة لم تنفذ قراراتها\n\nوأكد الملك أمرا مهما وهو أن لا يجرؤ اليوم أي عربي أن يقر أي صلح مع إسرئيل، أو أن يدعو إلى أي نوع من أنواع التفاهم والتعاون معها مادام عرب فلسطين النساء، والأطفال، والشيوخ، مشتتين تحت كل مخيم، ومادامت هيئة الأمم المتحدة لم تنفذ قراراتها، وما دام اللاجئون لم يعودوا إلى بلادهم ولم يعوضوا عن خسائرهم.\n\nالإسهام في تطوير الحياة الاقتصادية لفلسطين\n\nوكان الملك سعود قد أصدر جملة من القرارات للإسهام مع عدد من الدول العربية في تطوير الحياة الاقتصادية للفلسطينيين، كما أقر عدداً من المساعدات المالية والعينية، التي قدمتها المملكة لفلسطين سكاناً ولاجئين، وذلك نصرة للحق العربي في فلسطين.\n\nاستغلال أملاح البحر الميت\n\nوسرد الباحث أبو علية جانباً منها باعتبارها موقفاً سياسياً مؤيداً ومناصراً لقضية القدس وهي : المساهمة في استغلال أملاح البحر الميت الذي اقترحه المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية في دورته المنعقدة في كانون الأول (ديسمبر) 1954، كما قدم الملك سعود بن عبد العزيز عام 1374هـ/1955، هبة عينية قدرها ألف طن من النفط للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيمات الفلسطينية في الأردن، ولبنان وسورية، وهي هبة جرى الملك على تقديمها للاجئين سنوياً مساعدة منه لتعبر دوماً عن شعوره الإسلامي تجاههم، أيضاً خصص الملك سعود عام 1377هـ، هبة مالية سنوية لأيتام اللاجئين الفلسطينيين في سورية ذكوراً وإناثا،ً قدرها خمسة عشر ألف جنيه استرليني، وأنشأت مديرية مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين في دمشق بهذه الأموال، معهداً للأيتام الذكور والإناث من أبناء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية سمي\" بالمعهد السعودي\"، وقد ضم هذا المعهد بفرعيه بنين وبنات زهاء مائة وخمسين يتيما، ويؤمن المعهد لهؤلاء المأوى والطعام والكساء والتعليم والعناية الصحية وغيرها.\n\nمساعدات مالية\n\nكما قدم الملك سعود بن عبد العزيز عام 1377هـ مساعدة مالية لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وصلت إلى مائة ألف دولار سنوياً كانت في البداية أربعين ألف دولار، وذلك لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهبة عبارة عن ألفي طن كيروسين بقيمة 440 ألف ريال، توزع على اللاجئين في البلاد العربية عن طريق وكالة الغوث في لبنان، كما خصص الملك سعود عام 1382هـ /1963 مبلغ أربعمائة وستين ألف ريال لصرفه على منح دراسية لعدد من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربية، للدراسة في الجامعات العربية\n\nوالأجنبية، وأصدر أمره لوزارة المعارف لوضع الخطة اللازمة لتنفيذ ذلك.\n\nكما قام الملك سعود بن عبد العزيز بتقديم تبرع مالي بمبلغ 80 ألف دينار عراقي وزعت على اللاجئين الموجودين في العراق، وكان الملك شديد الحرص على مواساة اللاجئين الفلسطينيين، وما هذا الصدق في النفس إلا نابع من معرفة الملك وإحساسه بعمق النكبة وكبر المصيبة التي لحقت بالفلسطينيين في أعقاب حرب 1367هـ/1948.\n\nتركيزه على القدس\n\nوظل الملك سعود يركز على القدس ودعم سكانها، فقد تبرع بمبلغ 100 الف دينار أردني، لإنشاء مدرسة ابتدائية في مدينة القدس، وخصص لها نفقات سنوية بلغت 100 ألف دينار أردني، كما تبرع بـ 100 ألف دينار لإنشاء مستشفى مدينة القدس، وأمر أن تكون جميع نفقاته السنوية على حسابه.\n\nالعدوان الثلاثي على مصــــر\n\nمن جانبه، أشار الدكتور عبد الحكيم عامر الطحاوي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد في كلية التربية للبنات في تبوك في بحث عن سياسته الخارجية \"الملك سعود يرد على العدوان الثلاثي على مصــــر بالمؤتمر الثلاثي ووقف شحن النفط\"، إلى أن الملك سعود اهتم في سياسته الخارجية بتعميق العلاقات مع الدول العربية، والوقوف مع قضاياهم في تلاحم ينبع من العمق الديني، والمكانة الإسلامية للمملكة والرؤى العربية المشتركة لتمكين الرأي العربي والإسلامي من مكانه الحقيقي داخل النسيج الدولي.\n\nمواقف بطولية\n\nتطرق الباحث لأحد المواقف البطولية للملك سعود داخل الكيان العربي التي تدلل على حرصه على الترابط الإسلامي والعربي أمام العدو الخارجي، مفصلا موقف الملك سعود من العدوان الثلاثي على مصر عام 1376هـ / 1956، والذي وقع بواسطة بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل، بهدف إعادة السيطرة على قناة السويس بعد قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميمها، وبالتالي سحب سلطة الإشراف على هذا المجرى المائي المهم تجارياً وسياسياً من الشركة البريطانية الفرنسية التي تديرها، منذ افتتاحها للملاحة لأول مرة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1869، وجاء هذا التأميم كما ذكر الطحاوي لتأكيد سيادة الحكومة المصرية على أراضيها.\n\nتأييد قرار مصر\n\nولفت الباحث بهذا الشأن إلى أن المملكة بقيادة الملك سعود كانت من أولى الدول التي أعلنت تأييدها لقرار مصر، وذلك في رسالة حملها السفير السعودي إلى الرئيس جمال عبد الناصر، يعلن فيها تأييده الكامل لتأميم قناة السويس\"، مضيفا أنه لم يكن التأييد السعودي على المستوى الرسمي فقط، بل كان على المستوى الشعبي، الذي عكسته وقتئذ الصحافة السعودية، ويورد الباحث ما يعكس ذلك التأييد وهو تصريح للملك سعود أدلى به لإحدى وسائل الإعلام الأمريكية قال فيه : \" إن هذه المسألة حق من حقوق مصر المشروعة، وأن موقفي وشعبي هو موقف التأييد التام والتكاتف مع الشقيقة مصر\".\n\nمؤتمر الرياض والدمام\n\nوأبان الباحث أنه لم يكتف الملك سعود بالتصريحات بل باستضافته الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس السوري شكري القوتلي في مؤتمر الرياض والدمام، الذي عقد في صفر 1376هـ أيلول (سبتمبر) 1956، ونص البيان المشترك عن مباحثاتهم على : \" إن المؤتمر الثلاثي يؤيد مصر تأييداً كاملاً في سائر مواقفها \".\n\nتطور الأزمة\n\nوحين تطورت الأزمة إلى حدوث العدوان الثلاثي على مصر مساء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1956 وقف الملك سعود وقفة المسلم مع أخيه، ويضيف قائلا:\" أصدر الملك سعود على الفور أوامره بإعلان التعبئة العامة للقوات المسلحة السعودية، وتحرك القوات العسكرية السعودية إلى حدود الأردن في إعلان لمواجهة تطورات الحرب، كما أعلن جلالته في اتصال بالرئيس جمال عبد الناصر استعداده وجيشه وجميع أفراد شعبه للوقوف بالرجال والمال والسلاح مع شقيقتهم مصر\".\n\nفتح باب التبرع\n\nوزاد الباحث حول مؤازرة الملك سعود لمصر \" أعلن الملك سعود تبرعه بمليوني ريال سعودي، كما فتح باب التبرع والتطوع من خلال مكاتب منتشرة في المملكة تحت رئاسة وزير الداخلية آنذاك الأمير عبد الله الفيصل، فتلاحم الأمراء من آل سعود مع المواطنين كافة والمؤسسات وتسابقوا للتبرع بالأموال والتطوع بالالتحاق في الجيش السعودي لتقديم الدعم اللازم لمصر\".\n\nالرسائل لرؤساء العرب\n\nوأشار إلى أن الملك سعود بعث برسائل إلى ملوك ورؤساء الدول العربية للوقوف مع مصر كما تمثل هذا التلاحم في رئاسته وفد المملكة في القمة العربية التي عقدت في بيروت يومي 13 ، 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1956 لمناصرة القضية المصرية، وهي القمة التي اعتبرت أن هذا العدوان عدوان على البلاد العربية جميعاً، كما سبقت المملكة الدول العربية الأخرى في وقف شحن النفط إلى بريطانيا وفرنسا، وأيضاً بادرت بقطع العلاقات الدبلوماسية معهما بعد رفضهما الانصياع لقرارات الأمم المتحدة الصادرة أيام 2 ، 4 من الشهر والسنة نفسيهما، الداعية إلى وقف العدوان والانسحاب من الأراضي المصرية. ويبين الباحث في هذا الجانب البطولي : \" أجرت الحكومة السعودية اتصالات مكثفة على المستوى الدولي وعلى رأسها أمريكا، والتي كان الملك سعود قد أرسل عدة رسائل إلى رئيسها أيزنهاور، وكان الرئيس الأمريكي قد تعرض للضغوط الصهيونية عشية إعادة انتخابه للرئاسة الأمريكية، وطُلب منه أن يتغاضى عما يحدث من دول العدوان ضد مصر، لكنه أرسل إلى رئيس وزراء إسرائيل بن جوريون يحذره من أنه لن يسكت مراعاة لأصوات اليهود في الانتخابات، بل أنه سوف يتصرف وفقاً لمصالح أمريكا سواء فاز في الانتخابات أو خسر الرئاسة، فكان هذا الموقف لأيزنهاور، الذي يعد آخر الرؤساء الذين وقفوا ضد إسرائيل عشية الانتخابات الأمريكية، داعياً إلى المزيد من التعاون السعودي معه من أجل نصرة القضية المصرية، وكذلك الحال كان موقف الاتحاد السوفياتي الذي أعلنه رئيس الوزراء السوفياتي بولجانين يوم الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) في صيغة إنذار بأن الحكومة السوفيتية تصمم على إخراج المعتدين، وهدد بأن لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ السوفيتية النووية.\n\n3 اتجاهات متكاملة\n\nولخص الباحث موقف الملك سعود الإسلامي فيما قاله إنه موقف سار في ثلاثة اتجاهات متكاملة في تعبئة الوضع الداخلي لإمداد مصر بكافة المؤن السعودية سواء الأموال أو الرجال أو العتاد، وتعبئة الوضع العربي للوقوف خلف مصر، أما الاتجاه الثالث فتكثيف الاتصالات بأمريكا لتقف ضد العدوان.\n\nتأسيس المجتمع المدني\n\nوفي السياق ذاته، وصف الأستاذ الدكتور محمد بن فهد الهويمل رئيس المكتب الإقليمي لرابطة العالم الإسلامي، وأستاذ الأدب الحديث في جامعة القصيم في بحثه عن \" التأسيس للمؤسسات المدنية في عهد الملك سعود بن عبد العزيز\"، أن الملك سعود هو المؤسس للمجتمع السعودي المدني، وقال: \"إذا كان الملك عبد العزيز هو المؤسس للكيان فإن الملك سعود هو المؤسس للمجتمع المدني أو المتوسع فيه إلى حد يوصف بالتأسيس\".\n\nمراحل الدولة السعودية الحديثة\n\nوجاء في بحث الهويمل أن الملك عبد العزيز حين أنشأ الهجر لتوطين البادية إنما زرع النواة الأولى للمجتمع المدني وهو بذلك التفكير يعد رائد المجتمع المدني، مقسما مراحل الدولة السعودية الحديثة من وجهة نظره إلى ثلاث مراحل هي الريادة والتأسيس والانطلاق وهي متماسكة ومتداخلة، فريادة المجتمع المدني كانت من خلال إنشاء مؤسسات الدولة على يد المؤسس الملك عبد العزيز، والتأسيس المدني على يد مؤسس المجتمع المدني الملك سعود، وأما مرحلة الانطلاق فبدأت على يد إخوانه من بعده.\n\nالتغيرات المؤسساتية\n\nويتذكر الباحث أنه عاش بواكير شبابه في عهد الملك سعود وأن جيله لم يكن يعرف من المؤسسات إلا الإمارة وبيت القاضي في إشارة منه إلى التغيرات المؤسساتية الكبيرة التي نعيشها الآن بفضل انطلاقة التأسيس المدني في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، والتي فرضتها حالة الاستقرار الأمني والاجتماعي في تلك الفترة التاريخية، فشهدت تحولات مؤسساتية عجلت التحول من مركزية الإدارة إلى التعددية، حيث عمد الملك سعود إلى التقسيمات الإدارية وإنشاء المقار الحديثة فالراصدون للأحداث، كما يشير، يتفقون على اهتمام الملك سعود بتحديث أجهزة الدولة، ومأسسة كافة القطاعات المجمعة في جهة واحدة.\n\nعهد تشكيل الوزارات\n\nوأضاف أن وزارة المالية كانت إبان عهد الملك عبد العزيز أم الوزارات، منها نسلت الوزارات الواحدة تلو الأخرى، كما كانت بعض الوزارات استقلت منها على عهد الملك عبد العزيز كــوزارة الدفاع، ثم جاء عهد الملك سعود فتحاً مبيناً لتشكيل الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة مثل وزارات المعارف والزراعة والتجارة والمواصلات، ولقد أنشئ مجلس الوزراء في عهد الملك عبد العزيز، ولكن نظامه وانعقاده كان في عهد الملك سعود.\n\nإنشاء مجلس الوزراء\n\nويواصل: لما أمر الملك عبد العزيز بإنشاء مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد تولى الملك سعود ذلك، وسعى إلى تحويل كثير من الإدارات العامة إلى وزارات، حيث اتخذ إجراءين مهمين أحدهما نقل الوزارات إلى العاصمة، والآخر إنشاء مقر مناسب لكل وزارة، كان معلماً حضارياً، ومجالاً رحبا لممارسة مهمات الوزارة.\n\nنقل الوزارات إلى العاصمة\n\nيبين الهويمل أن إنشاء الوزارات ونقلها إلى العاصمة وإنشاء المقار الضخمة لها دليل على أن المبادرات المؤسساتية كانت واعية، وتمثل استراتيجية إدارية ظلت في تطور مستمر وأسهمت في التعجيل باستكمال المجتمع المدني، ولم يكتف عهد الملك سعود باستكمال الوزارات ونقلها وبناء المقار لها بل أعاد تنظيمها الهيكلي وأنشئت إلى جانبها مؤسسات مستقلة وإدارات عامة لكل قطاع لا يحتمل إنشاء وزارة.\n\nبدايات المجتمع المدني\n\nيرصد الباحث بدايات المجتمع المدني السعودي، الذي ظهرت بوادره منذ عهد المؤسس، لقد بدأت بوادر الاهتمام بالمجتمع المدني في عهد الملك عبد العزيز فبعد توحيد الأقاليم وحد المسمى \" المملكة العربية السعودية \"،\n\nعام 1351 هـ، لتبدأ معركة البناء الحضاري، وفي السادس عشر من المحرم عام 1352 هـ، وضع نظام ولاية العهد وعين ابنه سعود ولياً للعهد وفي عام 1354 هـ، افتتحت مدرسة تحضير البعثات، ولعل باكورة التأسيس المؤسساتي تتمثل في نظام المناطق الذي صدر عام 1359 محدداً مهمات أمراء المناطق وتأسيس مجالس إدارية، وأعقبه في عهد الملك سعود صدور نظام المقاطعات عام 1383 هـ، وظل ساري المفعول حتى عام 1412 هـ وهو العام الذي صدر فيه نظام المناطق، وواكبته أنظمة أخرى كنظام الحكم والشورى. وهذه الكيانات أكدت الأهداف السامية للدولة، وهي أهداف تواكب مستجدات العصر دون المساس بثوابت الأمة ومسلماتها، وإذا كان تأسيس مجلس الوزراء في عهد الملك عبد العزيز فإن النظام الساسي له صدر عام 1377 هـ، وظل ساري المفعول حتى صدور النظام الجديد عام 1414هـ، ويعد هذا النظام حجر الزاوية لكل مؤسسات المجتمع المدني، لأن لكل وزارة عدداً من المؤسسات في مختلف المناطق وهي مؤسسات لا يتحقق المجتمع المدني إلا من خلالها، ولم تقتصر جهود الملك سعود على إنشاء المؤسسات بل امتدت إلى سن الأنظمة، والرجوع إلى موسوعة الأنظمة يؤكد أن له فيها القدح المعلى.\n\nالإعلام في عهده وأسباب تطوره\n\nاستعرض الباحث الدكتور عبد العزيز بن صالح بن سلمة وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد للإعلام الخرجي، مؤسسات الإعلام وبنيته وسماته في عهد الملك سعود، ووصف الإعلام من بداية السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، بأنه شهد قفزات كبيرة وتطورات نوعية كبرى، بل وتغيراً كبيراً وثرياً في الساحة الإعلامية في المملكة.\n\nوأرجع بن سلمة هذا التطور إلى استقرار الكيان السياسي السعودي، والنمو المتسارع والتوسع في حركة التعليم وإلى تدفق العوائد من إنتاج وتصدير النفط، معتبرا أن فترة حكم الملك سعود تمثل المرحلة الثانية من مسيرة الإعلام من الناحية التاريخية، وتميزت بتطورات كبيرة على المستويين الإعلاميين المهني والتنظيمي، مما أسهم في التنمية الثقافية للمجتمع بين المواطنين، وقيادة الدولة ومؤسساتها المختلفة \n\nالباحث الدكتور محمد الهواري