الامير سعود لا يهاب الموت

الملك سعود وعلماء الحرم نواصل حديثنا اليوم عن زاوية نائب الحرم التي نركن إليها للراحة والإستجمام، ونأنس فيها بصحبة مجموعة من الأحباب، وسوف أتحدث اليوم عن الملك سعود رحمة الله عليه عندما كان يقيم بين مكة والطائف فترة الصيفية، فقد كان الشيخ عبد الله بلخير من المقربين له بعد أن عمل مع والده رحمه الله، والشيخ عبد الله بلخير يتميز أنه من الرعيل الأول ومن الرجال الذين خدموا هذه البلاد، وكان بحق رجل دولة ذو كفاءة عالية وسمعة عطرة، وأديب راسخ القدم وشاعر من صفوة شعراء البلاد، وقمة من قممنا الثقافية، وترك آثارا ينحني الرأس تقديرا لها، وتتطلع الأجيال للاطلاع عليها. كان الشيخ عبد الله بلخير في أحد الأيام في مجلس خاص مع الملك سعود رحمه الله حيث كان يترجم له بعض الأخبار الخارجية، فهو خريج الجامعة الأمريكية في بيروت، فتحدث إلى الملك عن علماء الحجاز، وفرح الملك سعود بحديثه، وطلب منه أن يدعوهم للحضور إلى مجلسه، فأسرع الشيخ عبد الله إلى مكة المكرمة، وطاف بالعلماء في ذلك الوقت، وكان من أبرزهم أصحاب الفضيلة السيد علوي مالكي الحسني، والسيد محمد أمين كتبي، الشيخ محمد العربي التبعاني، والسيد حسن مشاط، فألتقى بهم وأخبرهم برغبة جلالة الملك في حضورهم إليه يوم الخميس، فشكروه وأبلغوه أن يقدم إحترامهم وتقديرهم لجلالته على هذه الدعوة الكريمة، ولكنهم يعتذرون لأن هذا يصادف يوم الدروس الخاصة بهم في المسجد الحرام، ويجتمع الناس في هذا الموعد لهذه الدروس منذ سنوات طويلة ولكنهم يتطلعون في المستقبل إلى رؤيته عند حضوره إلى مكة المكرمة، فقد جاءت الرسالة وهو في الطائف، وعاد معالي الشيخ عبد الله بلخير وأخبر جلالته فأمره الملك بشكرهم وتقديرهم وتأييدهم بأن يبقوا في دروسهم في المسجد الحرام وإنه إن شاء الله يلقاهم عند عودته إلى مكة المكرمة، كما حرص رحمه الله على أن يبعث لهم هدايا مناسبة ولكنه أخبره بأنهم يفضلون أن يقابلوه في مكة المكرمة، ولقاؤه بالنسبة لهم أهم من الهدايا وإنهم يدعون له دائما بالتوفيق والحفظ. كان الملك سعود دائما يلقى العلماء في مكة المكرمة، ويرحب بهم، وهو بالمناسبة كان أول ملك من ملوك آل سعود يصلي بالناس في المسجد الحرام كإمام بعد تعيينه ملكا للبلاد، وقد أم الناس في صلاة المغرب، وقرأ في الركعة الأولى إنا اعطيناك الكوثر، وفي الركعة الثانية قل هو الله احد، وكان قد طاف بالبيت ثم صلى عند مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، ووقف عند الملتزم بعد أن سلم على الحجر الأسود، وأخذ يدعو الله عز وجل وكان يدعو لوالده الملك عبد العزيز رحمه الله ووالدته تغمدهم الله جميعا برحمته. هكذا نرى أن من ينظر في سيرة الملك سعود رحمه الله يحس بأن هناك جوانب كثيرة تستحق إلقاء الضوء عليها في إطار تأريخ ما أهمله التاريخ. ولاشك أن هذه الذكريات تدعونا إلى تذكر أجواء التعليم في المسجد الحرام يوم كان كل هؤلاء الرجال وأمثالهم من العلماء يتناوبون العلم والتعليم في أروقة المسجد الحرام على طلاب العلم وبصورة خاصة على طلبة العلم الذين يفدون من مختلف الدول لتلقي العلم، وكذلك لمن يرغب من أهل مكة في الجلوس لتلقي العلم في حلقاتهم، وكانت أجواء رائعة ومفعمة بالأدب والتأدب والعمل الخالص لوجه الله تعإلى، وكان بعضهم رحمهم الله له مكان معروف يدرس فيه مثل السيد علوي مالكي الذي كان له درس خاص بجوار باب السلام، والسيد محمد أمين كتبي في باب جياد، والشيخ محمد العربي التبعاني بجوار باب العمرة، والشيخ محمد نور سيف في الخلاوي التي كانت بجوار باب إبراهيم، كما كان يدرس دروس هامة أمام باب إبراهيم، والسيد حسن مشاط في باب الزيادة وكان هناك العديد من العلماء غيرهم والذين سوف أفرغ لهم إن شاء الله حلقة خاصة للحديث عنهم، فقد كانوا نجوم مضيئة في أروقة الحرم، وكانوا كذلك على إتصال ببعض العلماء المقيمين في مكة والذين يدرّسون خارج الحرم أمثال الشيخ عبد الله بن دهيش قاضي مكة، والشيخ عبد الله آل الشيخ، والشيخ محمد بن مانع الذي كان يدرس الفقه الحنبلي، والشيخ عبد الملك آل الشيخ الذي ختم الله له بخاتمة طيبة حيث توفى في المسجد الحرام وهو يصلي ركعتي الطواف في وسط مقام سيدنا إبراهيم بعد أن طاف بالكعبة المشرفة، رحمهم الله جميعا وتغمدهم برحمته فقد كانوا صفوة من أهل العلم والخير والفضيلة والأدب. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل،