مقتطفات من مقال الراعي والرعية ..ألفة ومحبة

14829 الأحد 25 جمادى الآخرة 1434 العدد

يقول جلالة المؤسس -رحمه الله- في أحد أقواله المأثورة: «إن خدمة الشعب واجبة علينا لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا ونرى أن من لا يخدم الشعب ويخلص له فهو ناقص» ويقول طيب الله ثراه: «يعلم الله أن كل جارحة من جوارح هذا الشعب تؤلمني وكل شعرة منه يمسها أذى يؤذيني»، وغيرها من الأقوال التي تنم عن هم كان يقض مضجع الباني غفر الله له وهو هم الرعية ورغد العيش لهم وهم أمنهم وأمانهم، فلقد كان يخدمهم ويأمر من يخدمهم بالنهار، وبالليل يقوم يلهج بالدعاء حين يقف بين يدي ربه في صلاته تهجداً وقياما بأن يمده ربه بالعون والرأي السديد فيما يخدم كل فرد يطأ بقدمه على أرضه وملكه.

كان المؤسس يبعث بالرسائل والأفراد من أبنائه ومن وزرائه وغيرهم ليتفقد الرعية في شتى بقاع البلاد الواسعة ليطمئن عن حال الشعب الذي يحبه ويجله ويقدره.

وقد يذهب الملك عبدالعزيز بنفسه خفية أو علانية حتى إذا سمع أنين المتألم أسعفه وإذا وصله صوت الجائع أطعمه. ولم يكن هذا بعد التوحيد واستتباب الأمن وحلول الأمان بل وهو يصارع الأعداء ويسير بالجيوش يهتم بكل بلد مر بها جيشه أو سار فيها جنده، وبالرغم من شظف العيش وقلة ذات اليد فقد كان ينفق من لا يخشى الفقر ولا يهاب الجوع.

وبعد أن دانت له الأرض وأعلن توحيد مملكته وأطلق عليها اسمها العظيم: المملكة العربية السعودية، طار في كل نواحي من الوطن ليفرح معه بالتوحيد ويسعد معهم بالأمن ويبشرهم بموعود الله في أن من ينصره الله لاغالب له حين يعلي شأن دينه وكتابه ويعظم شرائعه، ولهذا وذاك فقد كانت زيارات الملك عبدالعزيز شفاء لما في صدور الشعب وبلسما يتذوقه كل مواطن عاصر شظف العيش قبل التوحيد والخوف والقتل والهرج والمرج.

ثم جاء بعده الأبناء البررة والذين نهجوا نهجة واقتفوا أثره، والحديث اليوم ليس عن الأب العظيم لكل السعوديين، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والذي ألفت مؤلفات وحبرت صحائف في حرصه على شعبه واهتمامه بهم، بل الحديث عن اهتمام كل شهم أتى بعده من الملوك والأمراء من الأسرة المالكة المباركة.

يقول أحد شعراء وادي الدواسر واصفا مسيرة موكب الملك سعود رحمه الله عام 1373هـ:

نوا بزيارات الجنوب ومشابها
وزاد الفرح فيها وزاد تغريدها
مر كمده وبلاد الشرافاء يمرها
بلاد الدواسر ركزتله جديدهـا
ففي تلك الزيارة فتقدم أحد أعيان وادي الدواسر ومعه أكثر من ثلاثين طفلاً أعمارهم بين التاسعة والثانية عشرة فقال للملك سعود: (أطال الله عمرك.. إن هؤلاء يرغبون في التعليم ودخول المدارس ولكن لا يوجد لديهم مدرسة يتعلمون فيها القرآن الكريم والكتابة والحساب) فتبسّم الملك سعود وقال له: «خيراً إن شاء الله ستسمعون ما يسركم»، وكما وعد غفر الله له نفذ، فقد أمر بافتتاح مدارس في كل من: الشرافاء والنويعمة والولامين.

وهذا الملك سعود أيضاً يقول لأهالي صامطة: «والله لو ان صامطة كانت على رأس جبل وما تمشيه السيارات لمشيت إليها على رجلي»، يوم أن ظنوا أن صعوبة الطريق لبلدتهم لن تجعله يزور مدينتهم، وذلك في زيارة الملك سعود الأولى لمنطقة جازان عام 1374هـ حيث قام، رحمه الله، بتفقد منطقة جازان وافتتح مشروعات متعددة، منها «مشروع الماء»، الذي أقيم لجلب الماء من الآبار الارتوازية، من مكان يبعد20 ميلاً عن جازان، بعد أن كان أهالي مدينة جازان يجلبون المياه الصالحة للشرب من أماكن بعيدة على ظهور الدواب، كما زار الملك سعود بن عبد العزيز، مدينة أبي عريش، ضمن زيارته إلى منطقة جازان، حيث كان أميرها، في ذلك الوقت، سليمان بن جبرين.

وكان في ذات العام وقبل زيارته لجازان قد مخرت باخرة - سميت باسم الملك سعود - البحر صوب القنفذة، قبل غروب العاشر من صفر سنة 1374هـ (بعد مبايعته بعام) ورست هناك في الثاني عشر من صفر 1374هـ وقد ألقى في حفل الأهالي كلمة جاء فيها: «أن لهذه الزيارة أكبر الأثر في نفسي وأن الغاية من رحلاتنا التعرف على احتياجات الأهالي وكان من أهمها الماء»، فأصدر جلالة الملك سعود أمره الكريم في أثناء فعاليات زيارته بمد القنفذة بالمياه عبر التمديد بالأنابيب من ضاحية أحد بني زيد واقامة مباني الخزانات اللازمة والتمديدات اللازمة للشبكة، وقرأ الأمر الملكي على المواطنين يومها أحد رجال الدولة «الشيخ يوسف ياسين» - رحمه الله - وقد استقبل السكان هذا النبأ والمكرمة الملكية بمشاعر الفرحة والدعاء لجلالته ولأميرهم ابن إبراهيم الذي سعى في تحقيق ذلك (صحيفة الجزيرة الاربعاء 21، صفر1424هـ العدد 11164)، ولم تمض سنة إلا والأهالي يشربون الماء العذب، وقد أجزل العطايا للأهالي في تلك الزيارة فزادت سعادتهم بلقياه أن شربوا الماء الزلال بأمره بإيصال الماء للقنفذة، وكذلك حصلوا على المال من يدي جلالته رحمه الله.

وقد زار في ذلك العام أيضا الباحة ومكث في ربوعها تسعة أيام من يوم يوم الاثنين30 من شوال 1374هـ وحتى يوم الثلاثاء 8 من ذي القعدة 1374هـ، وتمت استضافته في قصر بن رقوش، وفي يوم الإثنين 1 جمادى الأولى 1379هـ زار الملك سعود مدينة بريدة بعد أن كان يوم الأحد في مدينة الرس وقد أمضى في الطريق بين المدينتين أكثر من 9 ساعات، كما ذكرت ذلك جريدة البلاد في عددها الصادر يوم الإثنين1 جمادى الأولى 1379هـ الموافق 2 نوفمبر 1959م ونصه: «الملك سعود يتفقد الرس وبريدة، وصل جلالة الملك سعود إلى بريدة أمس الأول قادماً من الرس في زيارة تفقدية ليطلع على أحوال شعبه ورعيته، وذلك بعد جولة استغرقت تسع ساعات مستمرة من الرس إلى بريدة في طريق وعر وحار.

وبعد استراحة نصف ساعة قام جلالته بزيارة عدد من وجهاء وأعيان بريدة ومنهم الوجيه علي الفهد الرشودي وإخوانه والوجيه يحيى الشريدة والوجيه عبدالعزيز البراهيم الحمزة والعقيد بالحرس الملكي محمد السليمان حيث تناول لديهم القهوة والمرطبات.

كما أقام سعادة الشيخ محمد الربدي عميد أسرة الربدي المعروفة مائدة عشاء كبرى على شرف جلالته وذلك في مزرعة سعادته حضرها عدد كبير من أعيان ووجهاء القصيم.

واستمع خلالها جلالته إلى الكلمات والقصائد. وبعد أن فرغ الجميع من تناول العشاء عاد جلالته إلى المكان المخصص لجلالته لدى الوجهاء آل راشد»أ.هـ.

كانت بعض المدن والمناطق يطلقون على سنة زيارة الملك سعود لهم بعض الأسماء الجميلة، فأهل ثرمداء - مثلا - سموا تلك السنة التي زارهم فيها الملك سعود بـ «سنة الزينة»، وقد شملت زياراته غفر له ربي معظم مناطق البلاد.

وكان الملك سعود كما كان والده لا ينقطع عن زيارة مكة والمدينة بين عمرة وحج وفي الطريق يتفقد البلدات والهجر التي تقع على طريقه ويغدق عليهم الهبات والعطايا مع وجهة بشوش مبتسم.